حوار رحلة العذاب في غزة: شهادة مروّعة عن النزوح، العنف الجنسي، وفقدان السمع تحت التعذيب

شهادة مروّعة عن النزوح، العنف الجنسي، وفقدان السمع تحت التعذيب

في مشروع بيت لاهيا شمال غزة، كان أ.ن، 32 عامًا، يعيش حياة هادئة مع عائلته الممتدة في منزل مكوّن من عدة طبقات. مع بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، قرر البقاء في شمال القطاع على الرغم من تصاعد المخاطر. لكن، مع الاجتياح البري في نوفمبر 2023، بدأت رحلة النزوح التي استمرت أكثر من عام، حيث تنقّل مع أسرته بين مخيم جباليا، مدارس الإيواء، ومناطق أخرى في غزة هربًا من القصف والدمار الذي لاحقهم في كل مكان.

من الدمار إلى النزوح القسري

عاد أ.ن وعائلته إلى منزلهم خلال هدنة مؤقتة في أواخر نوفمبر 2023، لكن انهيار التهدئة وحصار مستشفى كمال عدوان أجبرهم على النزوح مجددًا إلى مدرسة حليمة السعدية. هناك، أصيبت طفلته أحلام (7 سنوات) بشظية خلال قصف استهدف المدرسة. بعد ذلك، انتقلوا إلى حي الدرج ومن ثم إلى غرب غزة. في كل محطة، كان شبح القصف والجوع يلاحقهم، واضطرت العائلة إلى اتخاذ قرار مؤلم بالتفرق لتجنب محوهم جميعًا في حالة استهداف المنزل.

شهادة على الفظائع: من حصار المستشفى إلى المجازر

كان أ.ن شاهدًا على حصار مستشفى كمال عدوان الذي تكرر مرتين خلال أكتوبر 2024. في إحدى المرات، قصف الاحتلال مستودعات الأدوية وأحرق المساعدات الطبية، واعتقل عددًا من المواطنين، بينهم نجل مدير المستشفى الذي أُعدم أمام أعين الجميع. رغم ذلك، استمر الدكتور حسام أبو صفية، مدير المستشفى، في العمل بمساعدة متطوعين، في محاولة يائسة لإنقاذ الأرواح وسط الإمكانيات المدمرة.

في مجزرة عائلة أبو نصر في 29 أكتوبر 2024، استهدفت طائرات الاحتلال منزلًا مكوّنًا من خمس طبقات، مما أسفر عن مقتل 126 شخصًا، معظمهم نساء وأطفال. أ.ن تولى مع آخرين انتشال الجثث وتكفينها، بينما كانت الطائرات المسيرة تقصف المكان باستمرار. الموقف الأكثر إيلامًا كان لجثة سيدة مسنّة اضطر إلى تقطيعها لمنع الكلاب الضالة من نهشها.

الاعتقال: رحلة في أقبية العذاب

في نوفمبر 2024، قرر أ.ن النزوح إلى غزة مع عائلته. لكن عند حاجز الإدارة المدنية شرق جباليا، اعتقلته قوات الاحتلال أمام أعين أطفاله وزوجته. تعرض للإذلال والتعذيب منذ اللحظة الأولى، حيث أجبر على التعري أمام عائلته، وتعرض للضرب المبرح، والاحتجاز في غرفة مكتظة بالمعتقلين. هناك، انهال الجنود عليهم بالضرب، ألقوا عليهم المياه الباردة، ووجهوا شتائم وتهديدات شنيعة.

تم نقله لاحقًا إلى سجن "سدي تمان"، حيث تعرض للتعذيب بالصعق الكهربائي والضرب بالعصي. في غرفة التحقيق، حاول المحققون ابتزازه للحصول على معلومات، مهددين باعتقال زوجته وإيذائها. أمضى أ.ن ثلاثة أيام في "غرفة الديسكو"، حيث الموسيقى الصاخبة جعلته فاقدًا للتوازن. كما عانى من ظروف قاسية داخل البركسات، حيث كانت المياه شحيحة، والطعام غير كافٍ، والقمع متواصلًا.

التحقيق والتعذيب الممنهج

داخل البركس، كان الجنود يلقون قنابل الغاز المسيل للدموع، يضربون المعتقلين بالهراوات، ويستخدمون الكلاب لترهيبهم. خلال نقل أ.ن بين السجون، تعرض للضرب المبرح، مما تسبب في فقدانه السمع في أذنه اليمنى. في سجن عوفر، استمر التعذيب بالضرب والإذلال، حيث أُجبر على النوم لساعات قليلة على الأرض في ظروف غير آدمية.

الإفراج: عودة إلى المجهول

في 12 ديسمبر 2024، أُفرج عن أ.ن بعد أكثر من شهر من الاعتقال. قبل إطلاق سراحه، أُجبر على تسجيل فيديو يشكر فيه الاحتلال على "التعامل الإنساني"، تحت تهديد العودة إلى السجن إذا تحدّث عن تفاصيل اعتقاله. خرج أ.ن ليجد نفسه بلا مأوى، حيث بقيت عائلته في مدينة غزة، بينما استمر يعاني من آثار التعذيب الجسدي والنفسي.

ختامًا: شهادة على الألم المستمر

قصة أ.ن ليست مجرد شهادة شخصية، بل هي انعكاس لمعاناة سكان غزة تحت الاحتلال. بين النزوح، المجازر، والاعتقال، أصبح الألم جزءًا يوميًا من حياة الفلسطينيين، بينما يستمر العالم في الصمت أمام هذه الجرائم. هذه الرواية تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتحرك لإنهاء معاناة شعب يرزح تحت وطأة القصف والحصار.


نقلا عن المركز الفلسطيني لحقوق الانسان

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة