التحدي الأكبر خلال الهدنة: استعادة مكانة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سياسية، ومنع الاحتلال من العودة لتنفيذ مخططاته في الابادة والتهجير

بقلم: وليد العوض

وليد العوض.jpg

كتب وليد العوض من شمال قطاع غزة : ما أن اصبحت صفقة التبادل بمراحلها الثلاث بين أيدي الناس منذ مساء الاربعاء حتى حبس الكبير والصغير انفاسهم بانتظار ساعة الصفر تلك اللحظة التي يتوقف فيها جحيم الموت الذي عاشوه على مدار ما يزيد عن خمسة عشر شهراً فقدوا خلالها أحبابهم وفلذات أكبادهم وفي هذه اللحظات العصيبة وكأنها الدهر ينتظرون بفارغ الصبر بدء سريان وقف النار ليسارع مادام كتب لهم النجاة بالبحث عن ما تبقى من اشلاء  لمن يحبون تحت أنقاض البيوت وعلى أطراف الشوارع وربما ممن اختلطت لحومهم الطرية في السيارات التي قصفها الاحتلال على الطرقات، هذا الاتفاق الذي فرح له الناس كونه يمثل لهم فرصة النجاة من الموت الذي صارعوه لخمسة عشر شهر ٍ طوال وما زالت دولة الاحتلال تمارس فاشيتها بوحشية لإفساد هذه الفرحة وتحويلها إلى مآتم وساعات للبكاء والحزن على  الاحبة الذين يفقدون حياتهم  في هذه الساعات قبيل البدء بتنفيذ صفقة النجاة من الموت حيث تتواصل طيلة ساعات الليل وفي بحر النهار عمليات نسف المنازل في شمال قطاع غزة ويزداد القصف شدة وعنف من  طائرات الاحتلال التي لا تغيب عن سماء القطاع كله  تلقي حممها بمئات الصواريخ وأطنان المتفجرات على مختلف الاحياء وتسويها بالأرض في مدينة غزة مستهدفة البيوت ومراكز الايواء مخلفة مئات الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ، كما يتواصل القصف في الوقت ذاته قصف مناطق جنوب قطاع غزة مستهدفاً خيام النازحين الذين بدأوا بحزم امتعتهم وخيامهم البالية بانتظار العودة التي طال انتظارها لأشباه البيوت والعمارات المدمرة في شمال غزة، 

قبيل ساعة الصفر المنتظرة يشتد القصف والشهداء تمزقهم  صواريخ الاحتلال  وقذائفه تحولهم إلى أشلاء في مشاهدٍ مروعة تعيد للأذهان الايام والأشهر الاولى من حرب الابادة الأكثر عنفاً ووحشية خلال القرن الحالي، ليس ذلك فحسب فإن استمرار التلاعب بأعصاب الناس حول تأجيل الموعد المعلن للتنفيذ بات يقلق الناس ويجعلهم يتوجسون خوفاً من ان تتبدد آمالهم وتذهب ادراج الرياح رغم أن كافة المعطيات تشير إلى ان هذه الصفقة كونها هدية للرئيس الأمريكي ترامب وهو يستعد للدخول للبيت الأبيض ماضية في طريق التنفيذ خاصة في مراحلها الاولى والثانية مما يجعل من الاتفاق برمته مجرد اتفاق لتبادل الاسرى ذات طابع أمني إلى جانب سيل الشاحنات التي تحمل أطنان من المساعدات الإنسانية مما يجعله اتفاقاً خالياً من اي  مضامين سياسية تتعلق بأهداف وحقوق شعبنا الفلسطيني التي طالما ناضل وقدم التضحيات من اجلها وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره واقامة دولته الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس، ومن الواضح ان الاحتلال الذي يصر على حصر الامر بالشقين الامني والاحتياجات الانسانية  سيعمل  على اعتاب  انتهاء هاتين المرحلتين على اختلاق العقبات والعراقيل والبحث عن الفرص والذرائع  للتهرب من تنفيذ المراحل اللاحقة للاتفاق بما يمكنه من العودة مجدداً لتنفيذ مخططاته في التدمير والتهجير وابقاء قضية شعبنا حبيسة البعدين الامني والإنساني في افضل الاحوال، إن مثل هذا الاحتمال الكبير هو اكثر ما يقلق الناس ويثير مخاوفهم بعد عامٍ من الموت والمجاعة والنزوح تجرعوا خلالها كؤوس الذل والمهانة بكل معانيها.

إن هذا الواقع الذي نواجهه دون رتوش يضع تحديات ومسؤوليات كبيرة امام القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية كافة أولاً في تفويت الفرصة على نوايا الاحتلال في العودة مجدداً لاستئناف حرب الابادة أو حصر الأمر في البعدين المذكورين أعلاه، ومن الضروري اغتنام  ما يمكن ان توفره المرحلة الاولى والثانية من فرص لالتقاط الأنفاس وتقييم ما يجري  دون مكابرة ومبالغة بل بقراءة موضوعية واقعية للمرحلة التي نعيشها وتعيشها المنطقة برمتها والذهاب دون تسويف ومماطلة والابتعاد عن توفير اي ذريعة أو فرصة يترقبها الاحتلال للعودة لمسلسل النار والدمار الذي لم نعد نحتمل. 

إن المسؤولية الوطنية تتطلب تظافر الجهود المخلصة  لاستعادة مكانة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية سياسية وليست مجرد قضية امنية وإنسانية كما يراد لها أن تكون، ومرة أخرى اقول ان مثل هذه المهمة العاجلة  لا يمكن لأحد القيام بها سوى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا مستندة لتضحيات شعبنا على مدار قرن من الكفاح الوطني ولما اكتسبته من خبرةٍ وعلاقات  سياسية ودبلوماسية على المستويين الاقليمي والدولي و لما حققته أيضاً وحصلت عليه كذلك من اعترافات وقرارات دولية بمكانة القضية الفلسطينية وحق شعبنا في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس.  

وبالعودة للأيام والساعات التي تسبق ساعة الصفر لتنفيذ الاتفاق فإن التجارب الطويلة تؤكد ان القصف سيشتد ودائرته ستتسع نحو ارتكاب المزيد من المجازر حتى الدقائق الاخيرة قبل بدء التنفيذ الأمر الذي يتوجب من الجميع الحذر والانتباه والحدِ من التنقل والتحرك إلا للضرورة القصوى ليتجنب شعبنا المزيد من الخسائر في اللحظات الأخيرة والحاسمة.

إن من واجه المجاعة والموت وصمد في أتون المحرقة وهي في أوجها عليه أن يكون حذراً من أن يطاله اللهيب في لحظاته الأخيرة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت