في خطوة تعكس اتساع النفوذ الإيراني في العراق، أقر البرلمان العراقي في 19 يناير 2025 قانونًا جديدًا يمنح لجنة الأمن والدفاع البرلمانية سلطات إشراف واسعة على جهاز المخابرات الوطني العراقي. يرأس هذه اللجنة أحد أعضاء منظمة بدر المدعومة من إيران، وهو ما يعزز الهيمنة الإيرانية على مفاصل الدولة العراقية، بما في ذلك جهاز الاستخبارات الذي يُعد من المؤسسات الأكثر حساسية وتأثيرًا.
الإطار القانوني لتعزيز السيطرة
يأتي قانون جهاز المخابرات الوطني الجديد ليمنح لجنة الأمن والدفاع البرلمانية صلاحيات إشراف مباشرة على هذا الجهاز. منظمة بدر، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، تعد من أبرز الفصائل التي استفادت من هذا التعديل القانوني. وفقًا لمراقبين سياسيين، فإن هذا الإطار الجديد يهدف إلى تقليص الاستقلالية التي كان يتمتع بها جهاز المخابرات الوطني، وجعله أكثر توافقًا مع المصالح الإيرانية.
يشير محللون إلى أن هذا القانون لم يكن ليتم تمريره دون دعم مباشر من الفصائل الشيعية الموالية لإيران داخل البرلمان العراقي. هذه الخطوة تُعد جزءًا من استراتيجية أوسع لإيران تهدف إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال السيطرة على مؤسسات الدول المجاورة، وخاصة تلك التي تتمتع بأهمية استراتيجية مثل العراق.
التعيينات الموالية لإيران: أداة لتعزيز النفوذ
تعيين "حميد الشطري" كرئيس لجهاز المخابرات الوطني العراقي في ديسمبر 2024 يعد دليلاً آخر على النفوذ الإيراني المتزايد. الشطري، الذي شغل سابقًا منصب مساعد إداري لرئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، يُعرف بولائه لإيران وللأجندة التي تسعى لتعزيز سيطرة طهران على العراق.
ساهم الشطري في دعم الحملة القمعية التي استهدفت حركة الاحتجاجات الشعبية المعروفة بـ"حركة تشرين"، التي اندلعت في أكتوبر 2019. هذه الحملة التي قادتها الميليشيات المدعومة من إيران أظهرت بوضوح مدى النفوذ الإيراني على القوى الأمنية العراقية، بما في ذلك جهاز المخابرات.
يُعتبر هذا التعيين جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة هيكلة جهاز المخابرات بحيث يتماشى مع مصالح إيران، من خلال إحلال شخصيات موالية لإيران في مواقع قيادية وحساسة.
أهداف إيران من السيطرة على جهاز المخابرات العراقي
تسعى إيران إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية من خلال تعزيز قبضتها على جهاز المخابرات الوطني العراقي:
تعزيز النفوذ الإقليمي: يمثل العراق حجر الزاوية في السياسة الإقليمية الإيرانية، حيث يُستخدم كمنصة لتمديد النفوذ الإيراني إلى دول أخرى في المنطقة، مثل سوريا ولبنان. السيطرة على جهاز المخابرات يمنح إيران القدرة على توجيه سياسات العراق الخارجية والأمنية بما يخدم مصالحها.
تحجيم المعارضة الداخلية: السيطرة على جهاز المخابرات تتيح لإيران وشركائها المحليين مراقبة المعارضين العراقيين الذين قد يشكلون تهديدًا لنفوذها. هذا يتضمن النشطاء السياسيين، وحركات الاحتجاج، وحتى الأصوات المعارضة داخل الأجهزة الأمنية العراقية.
تقويض النفوذ الأمريكي: تُعتبر العراق ساحة مواجهة بين إيران والولايات المتحدة. من خلال السيطرة على جهاز المخابرات، تستطيع إيران رصد التحركات الأمريكية داخل العراق والعمل على تقويضها، مما يضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة.
التداعيات الداخلية
أثارت هذه التطورات مخاوف متزايدة داخل العراق. يرى الكثيرون أن السيطرة الإيرانية المتزايدة على جهاز المخابرات تمثل تهديدًا لاستقلالية الدولة العراقية وقدرتها على اتخاذ قرارات سيادية. كما أن التغلغل الإيراني يعزز الانقسامات الطائفية والسياسية داخل البلاد.
تعد حركة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في عام 2019 مثالًا واضحًا على الغضب الشعبي المتزايد من النفوذ الإيراني. ومع استمرار محاولات إيران للسيطرة على المؤسسات العراقية، بما في ذلك جهاز المخابرات، فإن هذه الاحتجاجات قد تتجدد بقوة أكبر.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
لم تمر هذه الخطوات دون أن تثير قلقًا لدى بعض القوى الإقليمية والدولية. تنظر الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة بقلق إلى محاولات إيران لتحويل العراق إلى دولة تابعة تعمل كامتداد لنفوذها الإقليمي. وقد يدفع هذا الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات مضادة، مثل تعزيز دعمها للحكومة العراقية المستقلة أو زيادة الضغط على الفصائل المدعومة من إيران.
إقليميًا، تتابع دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، هذه التطورات عن كثب. تُعتبر السيطرة الإيرانية على جهاز المخابرات العراقي تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة، حيث يمكن استخدام العراق كمنصة لزعزعة استقرار دول الخليج.
التحديات أمام النفوذ الإيراني في العراق
على الرغم من محاولات إيران لتعزيز قبضتها على جهاز المخابرات الوطني العراقي، إلا أن هذا النفوذ ليس مضمونًا على المدى الطويل. هناك عدة عوامل قد تعيق جهود إيران:
الغضب الشعبي: يستمر الشعب العراقي في التعبير عن استيائه من النفوذ الإيراني المتزايد. الاحتجاجات المتجددة قد تؤدي إلى تقويض جهود إيران للسيطرة على مؤسسات الدولة.
الضغوط الدولية: قد تتزايد الضغوط الدولية على الحكومة العراقية لوقف التغلغل الإيراني، خاصة إذا تصاعدت التوترات الإقليمية.
التحديات السياسية الداخلية: الانقسامات داخل الطبقة السياسية العراقية نفسها قد تشكل عقبة أمام إيران. فليس جميع القوى السياسية الشيعية على وفاق مع طهران، وبعضها يسعى إلى تعزيز استقلال العراق.
خاتمة مستقبل النفوذ الإيراني في العراق
تعتبر السيطرة الإيرانية على جهاز المخابرات الوطني العراقي جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذها في المنطقة. على الرغم من النجاح الذي حققته طهران في هذا المجال حتى الآن، إلا أن الطريق إلى السيطرة الكاملة ليس سهلاً. التحديات الداخلية في العراق، إلى جانب الضغوط الإقليمية والدولية، قد تحد من قدرة إيران على تحقيق أهدافها.
في النهاية، يبقى العراق ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تسعى كل قوة لتعزيز نفوذها على حساب الأخرى. ومع استمرار هذه الديناميكيات، يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لإيران أن تستمر في توسيع هيمنتها على حساب استقرار وسيادة العراق؟
اشارات مرجعية https://www.understandingwar.org/