حكم غزة بين التحديات الدولية والانقسامات الداخلية.. ما القادم؟

مستقبل الحوكمة في غزة بعد الحرب: السيناريوهات المحتملة والتحديات القائمة

مخيم جباليا شمال قطاع غزة.jpeg

بعد 15 شهرًا من الحرب المدمرة، يواجه قطاع غزة تحديات غير مسبوقة في إعادة الإعمار وإدارة شؤونه الداخلية، وسط أزمة إنسانية وسياسية عميقة. فبينما تحقق اتفاق وقف إطلاق النار تقدمًا بطيئًا، لا تزال الأسئلة الجوهرية حول مستقبل الحكم والإدارة في غزة دون إجابة واضحة. فمن سيتولى مسؤولية إعادة الإعمار وإدارة الخدمات الأساسية؟ وما السيناريوهات المحتملة في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والإنسانية التي يواجهها القطاع؟

تحديات إعادة الإعمار والإدارة

وفقًا لتقارير البنك الدولي والأمم المتحدة، فقد انكمش اقتصاد غزة بنسبة 83% خلال عام 2024، بينما تعرضت 90% من البنية التحتية لأضرار جسيمة، بما في ذلك المستشفيات، المدارس، وشبكات المياه والكهرباء. كما أن 1.9 مليون فلسطيني نزحوا من منازلهم، مما جعل الوضع الإنساني في غزة واحدًا من أسوأ الأزمات العالمية.

لكن التحدي الأكبر يكمن في تحديد من سيتولى إدارة القطاع خلال المرحلة المقبلة. ومع تباين المواقف المحلية والدولية، يبرز أربعة سيناريوهات محتملة لإدارة غزة بعد الحرب.

ومع تدمير المؤسسات الحكومية أو تعطلها، أصبح الوضع الإداري في غزة في حالة من الفوضى، مما يستدعي البحث عن حلول حوكمة جديدة لضمان استقرار الأوضاع وإعادة بناء القطاع أهمها إعادة بناء المؤسسات الحكومية إدارة الأوضاع الأمنية إعادة الإعمار الاقتصادي الحصول على الاعتراف الدولي.

يقول ستيفان إمبلاد، مدير البنك الدولي للضفة الغربية وغزة "مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فإن التحدي الرئيسي الذي نواجهه هو البدء في عملية إعادة الإعمار بشكل فعال ومستدام. يعتمد نجاح هذه العملية على توافق سياسي محلي ودعم دولي واضح. إعادة إعمار غزة ليست فقط مسألة مالية، ولكنها تتطلب وجود حكومة فعالة قادرة على تقديم الخدمات الأساسية لملايين الفلسطينيين الذين تضرروا من النزاع."

ويضيف مدير البنك الدولي "ستقوم مؤسساتنا قريبًا بوضع إطار للتعافي وإعادة الإعمار، والذي سيكون بمثابة خطة استراتيجية لتوجيه هذه العمليات. تعتزم السلطة الفلسطينية استخدام هذا الإطار لإرشاد تخطيطها للتعافي على المدى القصير والمتوسط والطويل."

السيناريوهات المحتملة لإدارة غزة بعد الحرب

إعادة تمكين السلطة الفلسطينية يُعد هذا السيناريو الأكثر تداولًا في الأوساط الدبلوماسية، حيث يمكن أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة بمساعدة عربية ودولية، وذلك ضمن إطار اتفاق سياسي جديد يضمن إعادة توحيد الضفة الغربية وغزة تحت سلطة مركزية واحدة.

التحديات: الحاجة إلى توافق سياسي داخلي مع الفصائل الفلسطينية، خاصة مع حركة حماس. إعادة بناء المؤسسات الحكومية والأمنية التي تعرضت للدمار. ضمان تدفق الدعم الدولي دون عراقيل سياسية.

في هذا السياق، يرى مراقبون أن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة قد تواجه صعوبات كبيرة اذا لم ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل بين الفصائل الفلسطينية داخل القطاع يضمن دمج القوى المختلفة في إطار إدارة موحدة.

إنشاء إدارة دولية مؤقتة بإشراف الأمم المتحدة اقترح بعض الخبراء تشكيل إدارة مدنية مؤقتة تحت إشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، تتولى مسؤولية إعادة إعمار القطاع وإدارة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة.

التحديات: رفض فلسطيني محتمل لمثل هذه الإدارة باعتبارها وصاية دولية. الحاجة إلى موافقة إسرائيلية لضمان تدفق المساعدات والإمدادات. محدودية صلاحيات الأمم المتحدة في فرض قرارات تنفيذية على الأرض.

تشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية يقترح هذا السيناريو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل مختلف الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس وفتح، لإدارة غزة تحت إشراف عربي ودولي.

يواجه هذا السيناريو تحديات أيضا أهمها : صعوبة التوصل إلى اتفاق سياسي في ظل التوترات الحالية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس موقف إسرائيل والمجتمع الدولي من مشاركة حماس في الحكم. الحاجة إلى خطة واضحة لإعادة بناء الأجهزة الأمنية والإدارية.

يُعتبر هذا السيناريو الأكثر قابلية للتنفيذ، لكنه يتطلب تنازلات سياسية كبيرة من جميع الأطراف الفلسطينية، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن.

استمرار الوضع الراهن تحت إدارة حماس في حال فشل جميع السيناريوهات السابقة، قد تستمر حماس في إدارة غزة كما هو الحال منذ عام 2007، مع محاولات لتعديل سياستها الخارجية لضمان تدفق المساعدات وإعادة الإعمار.

التحديات: استمرار الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على القطاع.غياب الاعتراف الدولي بحكومة تقودها حماس. احتمالية اندلاع جولة جديدة من الصراع إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي دائم.

الدور الدولي والإقليمي في مستقبل غزة

يرى المراقبون أن مستقبل الحوكمة في غزة لن يكون ممكنًا دون دعم إقليمي ودولي واضح. وقد أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن استعدادهم للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، لكنهم يشترطون وجود حكومة فلسطينية شرعية ذات قدرة على الحكم الرشيد.

يقول ألكسندر ستوتزمان، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى فلسطين: "أي عملية إعادة إعمار في غزة يجب أن تتم في إطار حكومة فلسطينية شرعية تحظى بدعم المجتمع الدولي."

ويضيف "منذ أواخر عام 2023، يعمل الاتحاد الأوروبي مع البنك الدولي والأمم المتحدة بشكل جماعي على تقييم الأضرار ووضع خطط للتعافي وإعادة الإعمار. تم تنفيذ كل هذه الجهود بالتنسيق الوثيق مع الجهات الفلسطينية المعنية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية. تعزيز هذه الشراكات، بالإضافة إلى التعاون مع الشركاء التنمويين، سيكون أمرًا حاسمًا لأي عملية تعافٍ وإعادة إعمار مستقبلية."

في هذا الصدد، تعهدت دول عربية، مثل مصر وقطر، بدعم جهود إعادة البناء، لكن مدى فعالية هذا الدعم سيعتمد على التوافق السياسي بين الفصائل الفلسطينية وأصحاب المصلحة الإقليميين.

ما المطلوب لضمان استقرار الحوكمة في غزة؟

لضمان نجاح أي نموذج حكم مستقبلي في غزة، هناك حاجة إلى اتخاذ عدة خطوات رئيسية، تشمل: إعادة بناء المؤسسات المدنية والأمنية لضمان تقديم الخدمات الأساسية بشكل منتظم. إعادة تأهيل البنية التحتية لضمان حياة كريمة لسكان القطاع. تحقيق توافق سياسي فلسطيني داخلي يمنع تكرار سيناريوهات الانقسام. وضع آلية تمويل شفافة تضمن تدفق المساعدات وإعادة الإعمار دون عقبات. تنسيق الجهود الدولية بين الأمم المتحدة والبنك الدولي والجهات المانحة.

ورغم تنوع السيناريوهات المحتملة، يبقى مستقبل غزة مرهونًا بالتوافقات السياسية بين الأطراف الفلسطينية والمجتمع الدولي. وفي ظل الاحتياجات الهائلة لإعادة الإعمار، سيكون تحقيق الاستقرار السياسي والإداري مفتاحًا أساسيًا لإنقاذ القطاع من كارثة طويلة الأمد.

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة