مع اقتراب شهر رمضان 2025، تعيش غزة أجواءً حزينة ومأساوية، حيث الدمار يطغى على المشهد، والحزن يخيم على الأهالي، في وقت كان يُعرف فيه الشهر الفضيل بأنه موسم الفرح والتآلف والتراحم. ولكن للعام الثاني على التوالي، يحلّ رمضان في غزة على مدينة منهكة بالحرب، تعاني من أوضاع إنسانية كارثية.
الأسواق خاوية والزينة غائبة في رمضان غزة 2025
في العادة، كانت الأسواق تكتظ بالمواطنين الذين يشترون المستلزمات الرمضانية، وكانت الشوارع تضيء بالفوانيس وأضواء الزينة، لكن في رمضان 2025، اختفت هذه المشاهد تمامًا.
رجل الأعمال عبد المنعم لبد، صاحب مركز تسوق متخصص في الأدوات المنزلية والمفروشات شمال غزة، يقول: "لم نستورد أدوات زينة رمضان هذا العام، فالأجواء حزينة، والحزن يطغى على كل شيء. الاحتلال دمر جميع مخازني، التي كانت تحوي بضائع بأكثر من ثلاثة ملايين دولار، ولم يعد هناك مجال للاحتفال".
وفي مركز تنيرة التجاري، الذي كان يعجّ عادة بالمستلزمات الرمضانية من أجبان وألبان وتمور ومشروبات، تغيب الزينة الرمضانية احترامًا للمأساة.
يقول صاحب المركز محمد تنيرة: "لم نعلّق أي زينة هذا العام، فالحداد عام، والشهداء والجرحى والمفقودون هم أولويتنا".
ارتفاع الأسعار وانعدام القوة الشرائية في غزة
رغم توفر بعض المواد الأساسية التي سمح الاحتلال بدخولها، إلا أن الأسعار المرتفعة تفوق قدرة المواطنين، الذين فقدوا مصادر دخلهم بعد تدمير الاقتصاد.
يقول تنيرة: "لا توجد قوة شرائية، فقد فقد الناس أعمالهم، ولم يعد لديهم المال لشراء حتى الأساسيات".
رمضان في الخيام.. معاناة المشردين
في وقت تشهد الأسواق ركودًا غير مسبوق، هناك عائلات بلا مأوى تستعد لاستقبال رمضان في الخيام.
المواطن خالد أبو لبدة، الذي فقد منزله في رفح، ويعيش في خيمة في مواصي خان يونس، يقول بأسى: "هذه هي المرة الثانية التي نستقبل فيها رمضان دون منزل. أطفالي يسألون عن فانوس رمضان، لكننا لا نملك حتى ثمن الطعام. نقف ساعات في الطوابير للحصول على الطعام، ونسير مسافات طويلة لتأمين مياه صالحة للشرب".
الدمار يطال المساجد في غزة.. كيف ستكون التراويح؟
المسن سامي أبو الخير، من سكان حي الشجاعية شرق غزة، يعيش مع 20 فردًا من عائلته في منزل مدمر جزئيًا، ويقول: "حتى المشاعر الدينية سلبها الاحتلال منا، فجميع المساجد حولنا دُمرت، ولا نعرف كيف سنصلي التراويح أو قيام الليل".
وفق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، فقد استهدف الاحتلال أكثر من 1109 مساجد، منها 834 دُمرت بالكامل، ما يعادل 89% من مساجد غزة، مما يجعل صلاة التراويح في رمضان 2025 تحديًا كبيرًا.
انهيار الاقتصاد في غزة.. البطالة 80% والفقر 100%
تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن الحرب أدت إلى انهيار اقتصادي حاد، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 82%، وارتفع معدل البطالة إلى 80%، مما يجعل رمضان هذا العام الأكثر قسوة.
يقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع: "مع دخول رمضان بعد 470 يومًا من الحرب، ارتفعت البطالة إلى 80%، والفقر إلى 100%، وأصبح كل سكان غزة يعتمدون على المساعدات".
ويضيف: "معدلات الاستهلاك ترتفع عادة في رمضان، لكن في غزة اليوم، الناس لا يسألون عن الأسعار، بل يسألون: هل هناك طعام متاح أصلًا؟".
المساعدات الإنسانية.. شريان الحياة الوحيد في غزة
رغم دخول "اتفاق وقف إطلاق النار" في 19 كانون الثاني/يناير 2025، لا يزال الاحتلال يعيق وصول المساعدات، مما يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.
يقول الطباع: "المساعدات الغذائية لا تكفي لسد احتياجات المواطنين، وهناك مئات الآلاف من العائلات التي تعيش في ظروف مأساوية. كما أن نقص الوقود والكهرباء يجعل تخزين الطعام أو طهيه تحديًا يوميًا".
رمضان في غزة 2025.. صيام تحت وطأة الجوع والدمار
بينما يترقب العالم حلول شهر رمضان 2025 بأجواء روحانية، يعيش أهالي غزة معاناة غير مسبوقة. ففي ظل دمار غير مسبوق، وحصار خانق، وانعدام مصادر الدخل، لا يتساءل الغزيون: "ماذا سنأكل اليوم؟" بل: "هل سنجد ما نأكله أصلًا؟".
وفا- محمد دهمان