الـصـراع عـلـى «الأونـروا»

بقلم: عاطف أبو سيف

وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف.jpg

يشكل تجفيف مصادر الأونروا على طريق إلغاء عملها بشكل كامل الهدف الأساس للعمل الدبلوماسي الإسرائيلي وللوبي الصهيوني خلال الشهور الماضية، ويعزز مثل هذا التوجه من عودة الشعبوية الأميركية للحكم المتمثلة برجوع ترامب للبيت الأبيض، وصعود اليمين الأوروبي سواء في البرلمان الأوروبي في صيف العام الماضي أو في البرلمانات الوطنية والتي كان آخرها البرلمان الألماني. مثلاً التركيز الآن على استصدار قرارات في البرلمانات الأوروبية على المستوى الوطني من أجل وقف تمويل الأونروا وقد يتم التوجه بعد ذلك للبرلمان الأوروبي في استغلال لصعود اليمين واليمين المتطرف فيه، وهذا قد يحدث وإن لم ينجح فإن إسرائيل وضعت قضية «الاونروا» وجعلتها موضع نقاش في العمل السياسي ولاحقاً القانوني الأوروبي.

خلال الأسبوع الماضي قابلت مجموعة من أعضاء البرلمان السويسري ومجموعة من المثقفين والاكاديميين والصحافيين، وكان موضوع التصويت على وقف تمويل الأونروا جوهر النقاش. بالطبع يصعب تصديق أن دولة حامية للقانون الدولي (تذكروا أن أهم اتفاقيات القانون الدولي تحمل اسم جنيف وتم توقيعها في العام 1949) يمكن لها أن تتخذ موقفاً يعتبر مخلاً بالتزامات المجتمع الدولي، لكن مرة أخرى فإن الضغط الكبير الذي تمارسه إسرائيل والتأثير الذي تحدثه دبلوماسيتها في بعض الجوانب يمكن أن يكون له مثل هذا الأثر. الأمر يبدو صادماً حين يأتي من دولة مثل سويسرا فحتى طبيعة اتخاذ القرار في الدولة السويسرية معقد بشكل كبير ولا يسمح بسهولة باتخاذ مثل هذه القرارات.

 يبدو أنه الضغط الصهيوني الذي نجح في العمل على استصدار التشريع من مجلس النواب أو (الغرفة السفلى) التي تضم ممثلي الأحزاب المنتخبين مباشرة، ويتم العمل الآن على استصدار نفس التشريع بوقف تمويل الأونروا من مجلس الشيوخ (الغرفة العليا) التي تضم مجلس الكانتونات المكون من 46 عضواً منتخباً أيضاً. وفي حال نجح هذا الضغط فإن سويسرا ستوقف بشكل كامل تمويل الأونروا، الأمر الذي سيكون محفزاً للكثير من الدول ان تحذو  حذو «بيرن» في ذلك.

من هنا فإن العمل المتواصل قد ينجح في استصدار هذا القرار. ثمة الكثير من الجهود والتدخلات والضغوطات المقابلة التي تقوم بها الجمعيات والمؤسسات المناصرة للحقوق الفلسطينية والمدافعة عن حقوق الإنسان قد تثمر في النهاية رغم صعوبة ذلك، لكن كما قالت لي سيدة ترأس مجموعة ناشطين يواصلون حث الناس للكتابة للبرلمان ولأعضائه من أجل عدم اتخاذ القرار، فإن الأمر قد لن يمر، وفي حال لم يمر هذه المرة فإنه لن يمر بالمطلق بعد ذلك، لأن استصداره سيعني الدخول في دوامة التشريع مرة أخرى بدءاً من الحكومة وبعد ذلك الغرفة السفلى وصولاً للغرفة العليا من البرلمان. عملية معقدة، لكن خلال الفترة الماضية تم العمل عليها بقوة وضغط متواصل من قبل اللوبي الصهيوني.

لقد ركزت إسرائيل بقوة على موضوع الأونروا وقامت بتزوير الكثير من الحقائق والمعلومات عن عمل الأونروا وعن ارتباط عملها ببعض المقاتلين الفلسطينيين الذي تتهم بالإرهاب، بل إنها حاولت تشويه مؤسسات الأونروا نفسها من خلال الادعاء باستخدام هذه المؤسسات لمواقع للعمل ضد إسرائيل أو حتى استخدام وسائل النقل الخاصة بها لغايات مماثلة، وهي، أي إسرائيل، تفعل ذلك أيضاً فيما يتعلق بالقطاع الصحي من أجل تبرير قصف سيارات الإسعاف، أو فيما يتعلق بالمؤسسات الأكاديمية من اجل قصف الجامعات والمدارس. كل شيء بالنسبة لإسرائيل مباح، لذا يجب خلق قصة تجعل هذا المباح ضرورياً وواجباً وحماية لأمنها من الاعتداء والإرهاب. وبعد ذلك يتم تسويق هذه الأكاذيب بقوة حتى تصبح حقائق يصعب أن تجادل أو أن تحاول أن تفندها. ثمة قدر من الخطورة في هذه التحركات لأنها تحقق الإنجازات تراكمياً.

مثلاً قبل أسبوع تم التحريض على لقاء لي نظمه ناشر بالألمانية مع مجموعة من مجلس مدينة بازل (كلنا نعرفها بسبب المؤتمر الصهيوني الأول) تضم سياسيين وحقوقيين وأكاديميين ومثقفين، وتم اتهام الاجتماع بالتحريض ضد إسرائيل ومحاولة التأثير على قرار التصويت في البرلمان الأوروبي، وهذه ليست تهمة بالطبع، بل قصد من ورائها أن يتم وقف النشاط تحت تهديد التصعيد بوصفه جزءاً من النشاطات المعادية للسامية. اللقاء عُقد في النهاية وحقق الغايات المرجوة منه. ما أقوله إن الدعاية الصهيونية لا تدع شاردة ولا واردة إلا تقوم بمتابعتها والعمل على إحباط أي جهد فلسطيني مضاد. إن جوهر هذه الدعاية بات في تنفنيد السردية الفلسطينية التي بدأت تلقى آذاناً صاغية خلال الأشهر الستة عشر الماضية.

فطوال الوقت شكلت الحرب على غزة مدخلاً مهماً من أجل إعادة التأكيد على بشاعة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، وفتحاً شاملاً لسردية الصراع من وجهة نظر فلسطينية، وحققت هذه السردية بعض التقدم خاصة في ظل أن الإبادة التي تقوم بها إسرائيل بحق شعبنا لم تعد مجرد شعارات فلسطينية «تحريضية» أو «معاداة للسامية» تستهدف اليهود كما كانت تروج الحركة الصهيونية وماكينة الإعلام الغربي الموالي لها، بل إنها، أي هذه «الإبادة» تحدث أمام أعين الناس وعبر البث المباشر على الفضائيات، وأظن ومن خلال المتابعة أن هذا كان له دور كبير في إحداث الزحزحة في الرأي العام الغربي. ومع ذلك مثلاً ما زال أنصار إسرائيل يجعلون من استخدام كلمة «إبادة» تهمة يوصم قائلها بمعاداة السامية. في أكثر من مكان وخلال المشاركة في نقاشات وندوات في العواصم والمدن الأوروبية كان يتم مهاجمة المتحدثين حين يتم استخدام كلمة «إبادة» لأن القصد مرة أخرى تفنيد السردية الفلسطينية بشكل كامل، الأمر بالنسبة للترويج الصهيوني مجرد حرب بين طرفين، وليست حرب إبادة تشنها دولة ضد المدنيين. ولا يجب أن يفوتنا القول إن بعض الخطابات الفلسطينية المبالغ في لغتها وبلاغتها تقدم مواد مضادة للسردية الفلسطينية، يمكن الاتكاء عليها في مهاجمة القائلين بأن ما يجري حرب إبادة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت