تقرير أحمد زقوت - قطاع غزة : تسببت الحرب الأخيرة على قطاع غزة بدمار واسع النطاق طال مختلف جوانب الحياة اليومية للسكان، مما أدى إلى أزمة بيئية وصحية غير مسبوقة، تركزت الأضرار في تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ما أدى إلى تلوث المياه وازدياد انتشار الأمراض، كما أسفرت عمليات القصف عن تلوث الهواء والتربة، إضافة إلى تدمير المحميات الطبيعية والمصادر الزراعية، مما أدى إلى تدهور الأمن الغذائي وتفاقم الأوضاع المعيشية، ويواجه السكان تحديات كبيرة في تأمين المياه النظيفة والغذاء الصحي، وسط غياب الدعم الدولي الكافي لمعالجة هذه الكوارث البيئية.
كارثة بيئية تهدد صحة السكان
يعيش أشرف العبادي في خيمة بمركز إيواء شمال غزة بعد تدمير منزله، يصف لـ "قدس نت" الوضع الصحي والبيئي بالمأساوي، قائلاً: "المياه الملوثة هي مصدرنا الوحيد للشرب والطهي، مما سبب لي ولعائلتي أمراضًا مثل الإسهال والنزلات المعوية، بينما المياه العادمة تغمر الشوارع، وتتكدس النفايات دون جمع منتظم، مما يزيد من انتشار الروائح الكريهة والأمراض مثل الربو الذي أصاب طفلي الصغير، وهو ما يزيد من معاناتنا اليومية".
أما المواطن توفيق العطار، فيوضح لـ "قدس نت"، أنّ "المحاصيل الزراعية، سواء كانت خضروات أو فواكه، تلوثت بشكل كبير من الغبار المتطاير من الأنقاض والقصف، ما جعل من غير الممكن الحصول على منتجات زراعية صحية وسليمة، أضطر لتناول ما أجده رغم علمي بتلوثه، لأنني لا أملك رفاهية الاختيار بين الطعام الآمن والملوث، ما يشكل خطرًا على صحتي"، مشيراً إلى أنّه "حتى المحاصيل المزروعة حديثًا بعد توقف الحرب تأثرت بالتلوث سواء بالأتربة أو المواد السامة الناتجة عن القذائف والقنابل".
من جهته، الشاب حازم عابد، يشير لـ "قدس النت"، إلى أنّ "الأنقاض تملأ الشوارع والطُرقات وتؤثر على حركتنا"، مبيناً أنّ "الأنقاض تحتوي على مواد ملوثة وخطرة مثل الزجاج المكسور والمعادن، مما يعرض صحة الجميع، وخاصة الأطفال، للخطر"، مطالباً بضرورة التدخل العاجل من قبل المسؤولين والمنظمات الإنسانية لإزالة الأنقاض وتحسين البيئة لحماية السكان.
خبير بيئي: أزمة غير مسبوقة في غزة تهدد الحياة
وفي غضون ذلك، يؤكد الخبير البيئي والزراعي نزار الوحيدي، لـ "قدس نت"، أنّ "غزة تواجه أزمة بيئية غير مسبوقة بسبب الحرب الأخيرة، حيث دُمرت مكونات البيئة من هواء وتربة ومياه، ووصل التلوث لمستويات تهدد الحياة، مشبهاً الوضع بهيروشيما ونجازاكي التي ارتفعت درجة حرارة تربتها بسبب القصف النووي، ما تسبب في فقدان ملايين الأمتار المكعبة من التربة الخصبة، مما أضر بالإنتاج الزراعي، كما ساهمت عمليات التجريف وقطع الأشجار في تفاقم التصحر".
ويوضح الوحيدي، أنّ "النفايات المنتشرة تحتوي على مواد مشعة وسامة، مما أدى إلى تلوث التربة وتسربه إلى الخزان الجوفي، ما يزيد المخاطر الصحية، كما أدى تدمير البنية التحتية إلى تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع، مما حول المناطق السكنية إلى بؤر للأمراض، فيما تراكمت النفايات في الأسواق مثل سوق فراس بمدينة غزة ومراكز الإيواء، مما ساهم في انتشار القوارض والحشرات ونقل الأمراض".
ويلفت الخبير، إلى أنّ "توقف محطات المعالجة وانقطاع الكهرباء والوقود أدى إلى كارثة بيئية، حيث غمرت مياه الصرف الصحي موقع الشاليهات، وتحولت محطة الشيخ رضوان إلى مكب للنفايات، فيما تسبب التلوث الناجم عن القنابل المشعة في ارتفاع معدلات السرطان وزيادة حالات إجهاض النساء إلى جانب أمراض خطيرة تصيب الكبد والكلى والرئتين نتيجة استنشاق الهواء الملوث وتناول المنتجات الزراعية المتأثرة بالمواد السامة".
ويرى الوحيدي أنّ مواجهة الكارثة تتطلب دعمًا دوليًا لتوفير المعدات والوقود لنقل الملوثات، إضافة إلى تحسين إدارة الأزمة عبر البحث العلمي واستغلال النفايات العضوية لإنتاج الأسمدة والغاز الحيوي، مما يساعد في تقليل التلوث والانبعاثات الضارة.
مسؤول في سلطة المياه: دمار البنية التحتية يعمق الكارثة
وفيما يخص المياه، يقول مدير دائرة المصادر في سلطة المياه وجودة البيئة د. منذر سالم، لـ "قدس نت"، إنّ "الحرب دمرت أكثر من 90% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة، خاصة في الشمال، حيث تعرضت الآبار والأنابيب للتدمير، مما أدى إلى تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع والمناطق السكنية"، مضيفاً أنّ "المواطنين يعانون في غزة من نقص حاد في مياه الشرب، حيث انخفض نصيب الفرد من المياه من 120 لترًا يوميًا حسب التنصيف العالمي إلى أقل من 10 لترات، ما يدفعهم للاعتماد على المياه المحلاة المكلفة أو المياه غير المكررة من الغواطس الملوثة، مما أدى إلى تفشي الأمراض مثل الإسهال والنزلات المعوية".
ويقترح سالم، حلولاً لمواجهة أزمة المياه، منها زيادة قدرة محطات التحلية، وتوسيع توزيع المياه المحلاة عبر العربات النقالة، وإنشاء محطات تحلية صغيرة بالمناطق المتضررة، مع ضمان الرقابة المستمرة على جودة المياه، وتأمين دعم دولي للمعدات والوقود لتشغيل المحطات وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي.
رئيس جمعية بيئية: النفايات والأنقاض تشكل تهديدًا بيئيًا خطيرًا
وبشأن النفايات الصلبة، يبين رئيس جمعية أصدقاء البيئة الفلسطينية المهندس عاطف جابر، أنّ "الحرب أدت إلى كارثة بيئية بسبب تكدس النفايات وتوقف عمليات جمعها نتيجة تدمير البنية التحتية ونقص الموارد"، موضحاً أنّ "الفرد ينتج يوميًا نحو 1 كغم من النفايات، ما يفاقم الأزمة مع تراكم 2000 طن يوميًا، كما أنّ النفايات الطبية، التي كانت تُعامل بأساليب خاصة، تُرمى الآن عشوائيًا، مما يزيد خطر انتشار الأمراض".
وحول مياه الصرف الصحي، يؤكد جابر لـ "قدس نت"، أنّه "قبل الحرب كانت هناك مشاريع بملايين الدولارات لإنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، مثل محطة صوفا في شمال ووسط القطاع، لكن الحرب دمرت المحطات، مما أدى إلى تدفق المياه العادمة في الشوارع وتلوث الخزان الجوفي، الذي كان يعاني أصلًا من مشاكل الملوحة والتلوث الكيميائي والبكتيريولوجي".
وعن الأنقاض ومخلفاتها، يشير جابر، إلى أن "ملايين أطنان الركام تحتوي على مواد خطرة كالأسبست والأجسام المتفجرة"، لافتاً إلى "صعوبة جمعها ونقلها بسبب محدودية المساحات المتاحة".
وبخصوص الغطاء النباتي والتغير المناخي، يوضح رئيس الجمعية، أنّ قطع الأشجار من محميات طبيعية مثل وادي غزة ساهم في تغيرات مناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التصحر، كما أنّ الانبعاثات الناتجة عن تدمير المباني والقصف زادت من الاحتباس الحراري، مما أثر على غزة والمناطق المحيطة بها، إذّ أنّ تلوث الهواء لا يعرف حدودًا.
ويدعو جابر إلى ضرورة إزالة النفايات والأنقاض قبل البدء في إعادة الإعمار، وإنشاء مكبات صحية للتخلص من المخلفات بشكل آمن، وزراعة الأشجار لاستعادة الغطاء النباتي والحد من التصحر والتغير المناخي وتحسين جودة الهواء.
متحدث بلدية غزة: تراكم 170 طنًا من النفايات أجبرنا على استخدام مكبات عشوائية
ووفقًا للمتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه، فإنّ المدينة تعاني من أزمات صحية وبيئية بسبب تدمير الاحتلال للبنية التحتية، حيث تراكمت أكثر من 170 طنًا من النفايات وتسربت المياه الصحية، مما يشكل تهديدًا صحيًا خطيرًا، خاصة للأطفال، مشيراً إلى أنّ البلدية اضطرت لاستخدام مكبات نفايات عشوائية بعد تدمير أكثر من 85% من آليات البلدية ومنع وصول طواقمنا إلى المكب الرئيسي.
ويطالب النبيه، عبر "قدس نت"، السماح بإدخال الوقود والآليات الثقيلة لتشغيل الخدمات والتعامل مع النفايات، محذرًا من أنّ "تراكمها قد يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية، مما يفاقم الأزمة الصحية ويستغرق حلها سنوات".
تواجه غزة كارثة بيئية وصحية غير مسبوقة بسبب الدمار الشامل الذي طال بنيتها التحتية، ما أدى إلى تلوث المياه وانتشار النفايات وانهيار شبكات الصرف الصحي، ما يتطلب جهودًا عاجلة محليًا ودوليًا لتوفير الوقود والمعدات وإعادة تأهيل البنية التحتية، لضمان بيئة أكثر أمانًا وصحة للسكان.