أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تقريرًا حقوقيًا جديدًا تحت عنوان "بتر الجسد والروح: النساء في غزة ضحايا للإبادة الجماعية"، يوثّق فيه الآثار الكارثية للهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على النساء في قطاع غزة، ويركز على تصاعد حالات بتر الأطراف بين النساء، بوصفها أحد أوجه جريمة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون.
أضرار جسدية ونفسية جسيمة في سياق حرب إبادة
أكد التقرير أن الإصابات الناجمة عن القصف الإسرائيلي لا تقتصر على الأذى الجسدي فقط، بل تشمل معاناة نفسية عميقة ومستمرة، تؤثر على حياة النساء بشكل جذري. وأوضح أن حالات بتر الأطراف التي طالت مئات النساء في غزة تدخل ضمن الفعل الثاني من جريمة الإبادة الجماعية حسب المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وكذلك المادة السادسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يشمل "إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة".
وأشار التقرير إلى أن هذه الإصابات تتسبب في إعاقات دائمة تقلل من قدرة النساء على العمل، الحركة، والاندماج في المجتمع، فضلًا عن التسبب في اضطرابات نفسية حادة كالاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة، والشعور بفقدان الهوية والدور الاجتماعي.
القصف العشوائي واستهداف النساء بأسلحة مدمرة
رصد التقرير أن الاحتلال الإسرائيلي، في سياق حرب الإبادة الجماعية، شنّ قصفًا همجيًا وعشوائيًا طال مختلف مناطق قطاع غزة دون تمييز، واستُخدمت خلاله أسلحة فائقة التدمير أسفرت عن إصابات مباشرة أدت إلى بتر أطراف مئات النساء.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد تعرضت 391 امرأة للبتر من أصل 4,500 حالة مسجلة منذ 7 أكتوبر 2024. تزامن ذلك مع انهيار شبه تام للمنظومة الصحية نتيجة استهداف المستشفيات، المراكز الطبية، والطواقم الصحية، ما أدى إلى انعدام القدرة على تقديم العناية اللازمة.
عمليات بتر في ظروف قاسية دون تخدير
وثق التقرير أن كثيرًا من النساء خضعن لعمليات بتر في ظروف غير إنسانية، وفي كثير من الأحيان دون تخدير، بسبب النقص الحاد في الكوادر الطبية والمعدات. كما أشار إلى أن الأطباء اضطروا لإجراء عمليات بتر لحالات كان من الممكن علاجها، لتجنّب تدهور الوضع الصحي أو الوفاة نتيجة نقص الإمكانيات. هذه الظروف القاسية تسببت في مضاعفات صحية خطيرة تُعيق تركيب أطراف صناعية لاحقًا وتفاقم حدة الإعاقة.
ما بعد البتر: معاناة مستمرة في مراكز النزوح
بعد مغادرة المستشفيات، تواجه النساء المبتورات واقعًا قاسيًا في مراكز النزوح، حيث تغيب الرعاية الصحية ويُفتقر لأي دعم نفسي أو اجتماعي. هذا الواقع يجعل التعافي الجسدي والنفسي شبه مستحيل، ويؤدي إلى تفاقم الألم الجسدي والصدمات النفسية، ويزيد من خطر العزلة الاجتماعية، خاصة في ظل غياب أي برامج إعادة تأهيل أو دمج.
شهادات صادمة لضحايا البتر
تضمّن التقرير 17 شهادة لنساء مبتورات وصفن فيها لحظات الرعب أثناء القصف، والتجربة المؤلمة للبتر، والواقع المأساوي بعد الإصابة. عبّرت بعضهن عن فقدانهن لأدوارهن كأمهات، عاملات، ومنتجات، وتحوّلهن إلى ضحايا للعجز والتبعية. وذكرت أخريات أن الشعور بعدم الجدوى دفع بهن نحو الاكتئاب والعزلة النفسية.
أكدت الشهادات أن الضرر النفسي يتجاوز الألم الجسدي، حيث تعاني النساء من تراجع علاقاتهن الاجتماعية، وفقدان الأمل في المستقبل، وتدهور الصحة النفسية، خصوصًا مع تضاؤل فرص الحصول على أطراف صناعية أو دعم علاجي.
الإبادة الجماعية والتمييز ضد النساء
أوضح التقرير أن الضرر الذي تتعرض له النساء جراء البتر يشكل نموذجًا واضحًا للفعل الثاني من جريمة الإبادة الجماعية، الذي يتمثل في "إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة". ويشمل هذا الأذى الإصابات الجسدية مثل البتر والتشويه، والضرر النفسي العميق الذي يعوق الحياة الطبيعية، ويؤثر سلبًا على قدرة الضحايا على الانخراط الاجتماعي أو الاقتصادي.
ونوّه إلى أن النساء يواجهن تأثيرًا مضاعفًا، نتيجة أدوارهن الإنجابية والاجتماعية، ما يزيد من حدة الصدمة النفسية، ويجعل الحاجة إلى برامج تأهيلية خاصة أمرًا ملحًا.
توصيات: وقف إطلاق النار ومحاسبة إسرائيل
دعا المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، في ختام تقريره الحقوقي، المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه حماية المدنيين في قطاع غزة، مشددًا على ضرورة الضغط الفوري على إسرائيل لوقف إطلاق النار وإنهاء جريمة الإبادة الجماعية المستمرة بحق السكان الفلسطينيين، ورفع الحصار الذي فاقم من الكارثة الإنسانية في القطاع.
وطالب المركز بفرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، بما يشمل تجميد اتفاقيات تجارة السلاح ومنع تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج التي قد تُستخدم في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، إلى جانب فتح كافة المعابر المؤدية إلى قطاع غزة لضمان إجلاء النساء المصابات وتوفير العلاج والرعاية الطبية اللازمة لهن في ظل الانهيار الكامل للنظام الصحي.
كما شدد المركز على أهمية محاسبة القادة الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، داعيًا إلى إطلاق برنامج شامل لإعادة تأهيل النساء اللواتي تعرضن لبتر أطرافهن، يتضمن تركيب أطراف صناعية، دعمًا نفسيًا واقتصاديًا، وبرامج إدماج مجتمعي تعيد لهن الكرامة والأمل في الحياة.
يؤكد التقرير أن ما تتعرض له النساء في قطاع غزة من بتر أطراف، تشويه، واضطرابات نفسية، يمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تُرتكب في وضح النهار، وسط صمت دولي مشين. ومع استمرار العدوان، تتزايد أعداد الضحايا، وتتعاظم الآثار الكارثية على المجتمع الفلسطيني بأكمله، وعلى النساء بشكل خاص، اللواتي يدفعن ثمنًا مضاعفًا نتيجة الحرب والحصار.