في وقت تتصاعد فيه حدة المجاعة في قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر، وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان سلسلة من الهجمات التي نفذتها قوات الاحتلال ضد تكيات الطعام وتجمعات المدنيين الباحثين عن الغذاء، في إطار ما وصفه بسياسة "التجويع الممنهج" و"استخدام الجوع كسلاح حرب".
ضحايا بالمئات واستهداف مباشر للمدنيين
خلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت وتيرة استهداف مراكز توزيع الطعام ومبادرات الإغاثة الشعبية التي تقدم وجبات ساخنة للأسر النازحة والجائعة. وأدى ذلك إلى مقتل 17 مدنيًا خلال الأيام القليلة الماضية، إضافة إلى عشرات الجرحى، في سلسلة غارات جوية نفذتها طائرات مسيرة إسرائيلية.
في أحد أبرز الهجمات، قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية خيمة للنازحين في مخيم الأمل بالعودة غرب خان يونس، في تمام الساعة 12:30 من ظهر يوم الاثنين 7 أبريل 2025، بينما كان المواطنون يصطفون أمام تكية "القلوب الرحيمة" للحصول على الطعام. الهجوم أسفر عن استشهاد 7 أشخاص، بينهم طفلان، وإصابة 25 آخرين، من بينهم صاحب التكية وعدد من العاملين فيها.
وفي اليوم التالي، توفي ثلاثة من الجرحى متأثرين بإصاباتهم، ليرتفع عدد الضحايا نتيجة هذا القصف إلى 10 شهداء. وقال محمد جمعة محمد يحيى، صاحب التكية، في شهادته لباحث المركز: "بينما كنا نوزع الطعام للنازحين، سمعنا صوت انفجارين، ورأيت العمال ملقين على الأرض، وكنت أنا مصابًا في قدمي. ساد الهلع، وبدأ الناس ينقلون المصابين بالعربات والسيارات المدنية... عندما عدت وجدت دمارًا واسعًا في التكية، بما في ذلك أدوات الطهي وخزانات المياه".
استهداف منظم وممنهج للتكيات
في حادثة أخرى، استهدفت طائرة مسيرة تكية الخير في مخيم خان يونس صباح السبت 5 أبريل، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة من العاملين فيها: بلال أبو مصطفى، محمد أبو مصطفى، ومحيي الدين الخواص. وفقًا لشهادة والد أحد الضحايا، فإن التكية كانت تعمل بشكل تطوعي، وتوفر وجبات يومية للنازحين في المنطقة منذ أكثر من عام.
كما وثق المركز استهدافًا آخر بتاريخ 26 مارس، حين قصفت طائرة إسرائيلية مجموعة مدنيين قرب تكية النصيرات الخيرية في وسط القطاع، ما أدى إلى استشهاد أربعة مواطنين، بينهم أحد العاملين في التكية، وإصابة 15 آخرين.
أرقام صادمة: 26 تكية و37 مركز إغاثة تحت القصف
ووفق بيانات صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن جيش الاحتلال استهدف بشكل مباشر 26 تكية طعام وأكثر من 37 مركز توزيع مساعدات منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023 وحتى نهاية مارس 2025. هذه المؤسسات كانت تمثل الملاذ الأخير لعشرات آلاف الأسر التي فقدت كل مصادر الغذاء بسبب الحصار.
إغلاق المعابر ووقف الإمدادات الغذائية
وتأتي هذه الهجمات بالتزامن مع استمرار إغلاق المعابر الحدودية من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 2 مارس 2025، ومنع دخول أي مساعدات إغاثية، بما في ذلك الطحين والمواد الغذائية الأساسية. ونتيجة لذلك، توقفت جميع المخابز في القطاع عن العمل منذ تسعة أيام، وهو ما يهدد بوقوع كارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة أكثر من مليوني فلسطيني.
نفاد الغذاء وارتفاع الأسعار
وبحسب رصد ميداني للمركز الفلسطيني، فإن الأسواق في غزة خالية تقريبًا من المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق، السكر، الزيت، الأرز، والخضروات، بينما نفدت اللحوم والدواجن والأسماك بالكامل منذ أكثر من شهر. وارتفعت أسعار السلع القليلة المتبقية أضعافًا مضاعفة، مما جعل أغلب العائلات عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية. وباتت التكيات والمبادرات الشعبية هي المصدر الوحيد للطعام في القطاع، رغم أنها نفسها أصبحت أهدافًا مباشرة للقصف.
جرائم موثقة ومطالبات بالعدالة الدولية
وصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان هذه الهجمات بأنها تمثل جريمة حرب وفقًا لميثاق روما، مشيرًا إلى أن محكمة العدل الدولية كانت قد أصدرت تدابير مؤقتة تلزم إسرائيل بالسماح بإدخال المساعدات والخدمات الأساسية إلى القطاع.
كما أشار التقرير إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، بتهم تتضمن استخدام "التجويع كسلاح حرب"، ضمن سياق الإبادة الجماعية.
دعوة لتحرك دولي عاجل
وجّه المركز دعوة عاجلة إلى المجتمع الدولي والدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، لتحمل مسؤولياتهم القانونية، والتحرك الفوري لوقف المجازر والضغط لفتح ممرات آمنة لإدخال الغذاء والدواء إلى السكان المحاصرين، ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في قطاع غزة.