الحصار المشدد يتحوّل إلى سلاح تجويع جماعي: غزة على حافة كارثة إنسانية

تكية في خانيونس

في مشهد يلخص عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، يصطف عشرات الأطفال والنساء في مدينة خان يونس حاملين أواني فارغة، في انتظار وجبة طعام بسيطة قد تكون الوحيدة في يومهم، وسط شُح حاد في المواد الغذائية نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي المشدد، الذي فُرض منذ استئناف العدوان بشكل مفاجئ، في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار.

في أحد مراكز الإغاثة الشعبية المعروفة باسم "التكيات"، يبدأ العمل يوميًا منذ ساعات الصباح لطهي قدور ضخمة من الأرز تُعد في الهواء الطلق باستخدام الحطب، وسط تجمع مئات الأهالي خلف الحواجز الإسمنتية، بعضهم يلوّح بالأواني الفارغة، وآخرون يجهشون بالبكاء. هذا المشهد، الذي بات يتكرر يوميًا، لم يعد استثناءً في سجل الأزمات العالمية، بل تحول إلى واقع مرير تعيشه غزة المحاصرة.

يقول أحد مسؤولي التكية: "نقوم يوميًا بطهي عشرة قدور من الأرز، بالكاد تكفي بين 300 إلى 400 عائلة. كل شخص يحصل فقط على مغرفة واحدة، وهناك أطفال يبكون في الطابور. هذا لم يعد وضعًا طارئًا، بل نحن في قلب مجاعة حقيقية، إذا استمر الحصار ومنع دخول المواد الغذائية".

تواجه غزة مجاعة حقيقية تلوح في الأفق، وسط شح كبير في المواد التموينية داخل الأسواق وارتفاع أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة، إضافة إلى الانعدام الكامل للحوم والخضروات. تعتمد معظم المبادرات الشعبية على تحضير وجبة واحدة يوميًا من الأرز فقط، دون أي مصادر بروتينية، وتُوزع بالحد الأدنى على مئات العائلات، في وقت يعجز فيه المواطنون عن تأمين الحد الأدنى من الغذاء. ويؤكد برنامج الغذاء العالمي أن توقف المخابز مرتبط بنقص حاد في غاز الطهي والدقيق.

منذ إعادة فرض الحصار، توقفت بشكل شبه تام إمدادات الطحين، والزيت، والسكر، والخضروات، واللحوم. وتحولت التكيات الشعبية إلى ملاذ أخير لعشرات آلاف العائلات في القطاع، بعد انهيار منظومة الإغاثة الدولية والمحلية.

أزمة الغذاء تضرب الأطفال أولًا. إذ تشير تقارير أممية إلى أن أكثر من مليون طفل فلسطيني في غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويعيشون على وجبات غير مكتملة، أو لا يحصلون على الطعام إطلاقًا في بعض الأيام. ويظهر في الفيديو أطفال لا تتجاوز أعمارهم العاشرة وهم يتدافعون للحصول على حصص صغيرة من الأرز، في مشهد يعكس أن المجاعة لم تعد مجرد تهديد، بل أصبحت واقعًا ميدانيًا، يتفاقم مع كل يوم يمر دون تدخل حقيقي.

وسط هذا الانهيار الكامل، تتواصل دعوات المؤسسات الحقوقية والإنسانية للمجتمع الدولي من أجل التحرك العاجل لإنهاء الحصار وفتح المعابر لإدخال الغذاء والدواء والوقود، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة، خاصة في جنوب القطاع، حيث أصبحت مدن مثل خان يونس ورفح آخر نقاط صمود للمدنيين بعد التهجير القسري لمعظم سكان شمال غزة.

منظمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أصدرت بيانات متزامنة هذا الأسبوع تؤكد أن الوضع الإنساني في غزة بلغ مرحلة الكارثة. وأشارت تلك المؤسسات إلى حرمان مئات آلاف الأطفال من الغذاء الكافي، مع تسجيل وفيات بسبب الجوع، ونقص المياه، والرعاية الصحية، في غياب تدخل فاعل من المجتمع الدولي.

إن ما يحدث في غزة اليوم هو جريمة تجويع جماعي تُرتكب بحق أكثر من مليوني إنسان. في كل مرة يُسكب فيها قدر من الطعام، تقف أم تصارع لأجل أطفالها، وطفل ينتظر بصمت، وأسرة لا تعرف إن كانت ستتناول طعامًا في اليوم التالي أم لا.

بناء على ذلك، دعت المؤسسات الإنسانية والحقوقية إلى تحرك دولي فوري لوقف سياسة الحصار والتجويع الجماعي، وتأمين ممرات إنسانية آمنة لإدخال المساعدات العاجلة إلى جنوب قطاع غزة، مع مطالبة جهات محلية بإعلان غزة منطقة منكوبة، وإيفاد بعثات دولية لتوثيق ما وصفته بـ"جريمة التجويع المتعمد" التي ترتكبها سلطات الاحتلال.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - خانيونس