كشفت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن السلطة الوطنية الفلسطينية منخرطة في نقاشات حاسمة مع أطراف دولية وإقليمية وفلسطينية، تشمل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، عددًا من الدول العربية، وحركة حماس، بهدف بحث مستقبل السلطة في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، وإمكانية تمكينها من استعادة دورها في الضفة الغربية والقطاع.
وقال مصدر رفيع من داخل دوائر صنع القرار في رام الله إن هذه المشاورات تتجاوز مسألة "حكم غزة"، وتشمل رؤية متكاملة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية.
السلطة وحماس: تفاهمات ضمنية على إعادة هيكلة المشهد الفلسطيني
أكد المصدر أن القيادة الفلسطينية أجرت محادثات مباشرة وغير مباشرة مع حركة حماس، عبر وسطاء عرب، في إطار مناقشات تتعلق بمستقبل الحكم الفلسطيني، مشيرًا إلى أن "هناك إشارات على استعداد لدى حماس للتخلي عن إدارة غزة وحتى النقاش في مسألة سلاحها"، في حال تم الاتفاق على مسار سياسي واقعي يقود إلى الدولة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، شرعت السلطة بإجراء تغييرات غير مسبوقة في بنيتها السياسية والإدارية، حيث دعا الرئيس محمود عباس إلى استحداث منصب نائب للرئيس، في خطوة فسّرها مراقبون على أنها محاولة لضمان انتقال سلس للسلطة وتهيئة الوضع الفلسطيني لمرحلة جديدة.
خلافات إقليمية ودولية حول مستقبل غزة
تأتي هذه التحركات وسط خلافات واضحة بين الأطراف المعنية بمستقبل غزة، إذ ترفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بقيادة بنيامين نتنياهو، عودة السلطة إلى القطاع، وتصفها بـ"الضعيفة وغير المؤهلة"، بينما تعمل واشنطن على بلورة تصوّر غير مكتمل، في حين تسعى دول عربية إلى تشكيل لجان وقوى محلية تمهّد لعودة السلطة بشكل تدريجي.
ورصدت مصادر أمنية فلسطينية نشاطًا متزايدًا لقوى الأمن في الضفة الغربية مؤخرًا، يشمل حملات أمنية وإعادة فرض النظام المدني، كجزء من سياسة "استعادة الهيبة" بالتوازي مع التحركات السياسية.
دعم أوروبي مشروط بإصلاحات داخلية
في موازاة ذلك، أعلنت المفوضية الأوروبية عن حزمة دعم مالي جديدة للسلطة الفلسطينية بقيمة 1.6 مليار يورو (1.8 مليار دولار) تُصرف على مدار ثلاث سنوات، في خطوة وُصفت بأنها دعم للتحول السياسي والإداري الجاري داخل مؤسسات السلطة.
وأكدت دوبرافكا سويتشا، مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون البحر المتوسط، أن الدعم الأوروبي سيكون مشروطًا بـتنفيذ إصلاحات إدارية جدية داخل السلطة، وقالت: "نريد أن نرى تغييرات حقيقية، فبدون إصلاح، لا يمكن أن تكون السلطة محل ثقة، لا لنا ولا لإسرائيل".
وأوضحت أن 620 مليون يورو ستُخصص للدعم والإصلاح، و576 مليونًا للتعافي المعيشي في الضفة وغزة، و400 مليون يورو على شكل قروض من بنك الاستثمار الأوروبي، رهناً بموافقات داخلية.
أول حوار سياسي فلسطيني أوروبي
تزامنت هذه التصريحات مع عقد أول "حوار سياسي رفيع المستوى" بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ووفد فلسطيني رفيع، بقيادة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، في لوكسمبورغ. ويُنظر لهذا اللقاء كجزء من دينامية أوسع يقودها المسؤولون الفلسطينيون لخلق إجماع دولي حول إعادة بناء مؤسسات الحكم الفلسطيني بما يخدم حل الدولتين.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي يُعد أكبر مانح للفلسطينيين، لا تزال إسرائيل ترفض صراحة عودة السلطة إلى غزة، كما تتهرّب من الالتزام بهدف إقامة دولة فلسطينية، وهو ما يعقّد الجهود الدبلوماسية الحالية، لكنه لا يوقفها.