تتواصل اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وسط سياسة الإفلات من العقاب وتواطؤ واضح من قوات الاحتلال التي لا تكتفي بعدم التدخل، بل توفر الحماية للمستوطنين أثناء تنفيذهم لهجماتهم ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم. وتُعد الخليل من أكثر المناطق تضررًا من النشاط الاستيطاني بفعل وجود بؤر استيطانية في قلب المدينة، وخصوصًا في البلدة القديمة حيث يعيش السكان تحت ظروف قسرية تتسم بقيود شديدة على الحركة وإجراءات عسكرية متواصلة.
انتهاكات ممنهجة واستهداف متصاعد
وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تصاعدًا لافتًا في الانتهاكات التي ينفذها المستوطنون من اعتداءات جسدية واقتحامات وتهديدات وتحطيم ممتلكات، في محاولة لترهيب السكان ودفعهم للرحيل القسري. وبحسب توثيق المركز، شهدت مدينة الخليل خلال الربع الأول من عام 2025 نحو 46 اعتداء نفذه المستوطنون ضد المدنيين والمنشآت، ما يعكس حجم الدعم الذي يتلقاه هؤلاء من حكومة الاحتلال سواء قانونيًا أو ماليًا. وتشير هذه الأرقام إلى أن هناك سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف تفريغ المناطق الحيوية في الخليل من سكانها الفلسطينيين، في سياق التهجير القسري والتطهير العرقي المخالفين للقانون الدولي.
روايات حية من القرى المستهدفة
يسلط هذا التقرير الضوء على هذه الانتهاكات الميدانية، ويعرض شهادات حية لضحايا من قرى متعددة في محيط الخليل مثل سوسيا والطوبا وبيرين وخلة الفرن وجنبا وأبو شبان، حيث تتنوع الاعتداءات بين الحرق والتكسير والضرب والنهب والتهديد، وتنفذ كلها تحت حماية جيش الاحتلال الذي يراقب بصمت أو يشارك أحيانًا. في قرية سوسيا، تتكرر الهجمات يوميًا بقيادة مستوطنين معروفين، كما تؤكد إفادات السكان أن الاعتداءات تتسم بالعنف المفرط والاعتداء على النساء والأطفال والممتلكات. مواطنون من سوسيا يروون كيف تُهاجم منازلهم بالحجارة والهراوات وتُحرق سياراتهم أمام أنظار الجنود، دون أي رادع أو مساءلة.
الطوبا وجنبا: عنف مستمر وخوف دائم
في قرية الطوبا، يعيش السكان في حالة رعب دائم بسبب تواجد مستوطنين متطرفين يهددون الأهالي بشكل متواصل ويهاجمون منازلهم. المواطن علي راشد عوض يروي تفاصيل إحراق سيارته والاعتداء على أفراد عائلته وتخريب خيم تخزين المؤن والأعلاف. في قرية جنبا، تعرضت العائلات لاعتداء دموي واسع النطاق نفذه نحو 15 مستوطنًا مقنعًا، أسفر عن إصابات بالغة وتخريب للمساكن القديمة التي يسكنها المواطنون منذ عقود، وسط صمت الجيش.
توسع استيطاني واستيلاء على الأراضي
الانتهاكات لا تقتصر على الاعتداءات الجسدية بل تتضمن سياسة منظمة للاستيلاء على الأراضي. في واد الأعور أقام المستوطنون بؤرة استيطانية جديدة شرعوا منها بتنفيذ هجمات لطرد أصحاب الأرض، كما حدث مع المواطن خزيمة غيث الذي تعرض للضرب والعض من كلب أطلقه عليه مستوطنون مسلحون. أما في قرية بيرين، فقد وثق المركز اعتداءات ليلية على المنازل وسرقة معدات وتخريب مركبات، ضمن محاولات متواصلة لتضييق الخناق على السكان.
دعوات للمحاسبة الدولية وحماية المدنيين
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد أن هذه الانتهاكات لا تجري بمعزل عن الدعم الرسمي من سلطات الاحتلال، التي تكرّس سياسة فرض الأمر الواقع من خلال الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، ما يمثل جريمة حرب وفق القانون الدولي. ويشير المركز إلى قرار محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024، والذي يصف الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بأنه احتلال غير قانوني يجب إنهاؤه فورًا، ويطالب بإخلاء المستوطنين ووقف الهجمات الاستيطانية.
بناء على ذلك، يدعو المركز المجتمع الدولي إلى الالتزام بمسؤولياته، والتحرك الجاد لحماية السكان الفلسطينيين من عنف المستوطنين، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، كما يناشد المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق المتورطين في جرائم الاستيطان، لضمان تحقيق العدالة ووضع حد لهذه الانتهاكات المنهجية.