غزة على شفير المجاعة: خمسون يومًا من الحصار الكامل تفتح أبواب كارثة إنسانية غير مسبوقة

تجويع سكان غزة (4).jpg

تشهد غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، مع دخول الحصار الإسرائيلي يومه الخمسين دون أي مؤشرات على الانفراج. فقد أدى الإغلاق الكامل للمعابر ومنع دخول الإمدادات الإنسانية إلى تدهور حاد في الوضع المعيشي للسكان، ما ينذر بمجاعة حقيقية تهدد حياة أكثر من مليوني إنسان، معظمهم من النساء والأطفال.

انهيار شامل في سبل الحياة

منذ بداية مارس الماضي، أغلقت سلطات الاحتلال جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة بشكل كامل، مانعة دخول المواد الغذائية والوقود والأدوية. وأدى ذلك إلى تراجع مخزون الغذاء في الأسواق إلى أدنى مستوياته، بينما توقفت معظم المخابز، وتعطلت خدمات الطوارئ، وباتت المستشفيات عاجزة عن تقديم الرعاية الأساسية بسبب نفاد الوقود والمستلزمات الطبية.

بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن "الوضع في غزة ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، مع بدء تقليص الحصص التموينية، وشح الأدوية، وانخفاض الإمدادات إلى مستوى خطير".

الأسواق تشتعل والأسعار خارج السيطرة

في ظل انعدام الإمدادات، ارتفعت أسعار السلع الأساسية إلى مستويات صادمة. تجاوز سعر كيلو السكر 50 شيكلًا، والدقيق 30 شيكلًا، والباذنجان والبندورة 30 و20 شيكلًا على التوالي، فيما بات الحصول على الخبز أو وجبة يومية رفاهية لا يستطيع معظم السكان تحملها. تشير تقديرات محلية إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة تفوق 200% خلال شهر واحد، وتزيد بمعدل 10–15% يوميًا.

يقول أحد السكان من مخيم النصيرات: "سعر سلة الغذاء التي كنا نشتريها بـ12 دولارًا تجاوز الآن 50 دولارًا، ولا أحد يملك هذا المبلغ. هناك أسر تقضي يومها على شاي وسكر فقط، وبعضهم بدأ يعتمد على الأعشاب البرية للطهي".

أم سامي خضر: وجبة كل عشرة أيام

داخل خيمة قرب شاطئ خانيونس، تسكن أم سامي خضر، نازحة من رفح، مع أطفالها الستة. تقول: "الهدنة السابقة أعطتنا الأمل. كنا نتلقى طردًا غذائيًا يكفينا أسبوعًا، الآن نقسّمه على عشرة أيام. نخشى أن ينفد الدقيق، وحينها لا نعرف كيف سنطعم أطفالنا".

وتوضح السيدة الأربعينية أن قيمة الطرد الذي كان يباع بـ12 دولارًا صارت تتجاوز 50 دولارًا في السوق السوداء، مما يعكس حجم التدهور الاقتصادي في ظل غياب الرقابة وانعدام الأفق.

معادلة الغذاء تتحول إلى معادلة بقاء

يشير تقرير لبرنامج الغذاء العالمي، إلى أن ما يقرب من 63,000 طن من الغذاء ما زالت محتجزة على أبواب المعابر، وهي كمية تكفي لصناعة ما لا يقل عن 126 مليون رغيف خبز. في المقابل، استهلك القطاع خلال الهدنة السابقة نحو 40,000 طن فقط، وفّر منها برنامج الأغذية العالمي نحو 30,000 وجبة ساخنة يوميًا.

وبحسب تحليل المخاطر، فإن استمرار الحصار لأسبوعين إضافيين سيؤدي إلى توقف 90% من المخابز عن العمل، بينما سيعتمد أكثر من نصف السكان على النباتات البرية كمصدر غذاء، مثل نبتة الخبيزة، ما يعكس حالة الانحدار نحو مستويات غير مسبوقة من الفقر الغذائي.

الاحتلال يستهدف الأمن الغذائي مباشرة

لم تقف تداعيات الحصار عند منع دخول الغذاء، بل امتدت إلى تدمير ممنهج للبنية التحتية الزراعية. حيث تشن قوات الاحتلال هجمات برية على أراضٍ زراعية كانت تشكل مصدرًا رئيسيًا للإنتاج الغذائي، خاصة في مناطق شرق غزة وخان يونس. كما تمنع إعادة زراعتها أو الوصول إليها، ما أدى إلى توقف كامل للإنتاج المحلي، وزيادة الاعتماد على المساعدات التي لم تعد تصل.

القانون الدولي الإنساني: الحصار غير قانوني

يعد الحصار المفروض على غزة خرقًا مباشرًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استخدام التجويع كأداة في النزاعات المسلحة. ويشدد على ضرورة حماية المواد الغذائية والمياه والبنية التحتية المدنية في أوقات الحرب. ومع ذلك، لم تتخذ أي جهة دولية إجراءات فعالة لإجبار إسرائيل على احترام هذه القواعد.

في بيان أصدرته وكالة الأونروا مؤخرًا، وصفت الوضع في غزة بأنه "عقاب جماعي ضد المدنيين"، وأشارت إلى أن هناك نحو 3,000 شاحنة مساعدات إنسانية عالقة على حدود القطاع بانتظار الإذن بالدخول، فيما يواجه الداخلون خطر الموت بسبب الجوع أو القصف.

هل اقتربت ساعة المجاعة؟

تؤكد تقارير ميدانية أن المخزون الغذائي المتبقي في غزة لا يكفي أكثر من أسبوعين في أفضل الأحوال، مع استنزاف سريع بسبب الأسعار المرتفعة والطلب الكبير. ومع تصاعد الأعمال العسكرية في محيط مناطق تعتبر مخزونًا غذائيًا رئيسيًا، يبدو أن الأسوأ لم يأت بعد.

منظمة "أنقذوا الطفولة" حذرت من أن أكثر من 300 ألف طفل مهددون بسوء التغذية الحاد، فيما تعجز العائلات عن تأمين الحليب أو الرعاية الطبية، ويضطر الأطفال إلى النوم جائعين كل ليلة.

غياب الأمل وتصاعد النداءات الدولية

وسط هذه الصورة القاتمة، ترتفع الأصوات المطالبة بتحرك دولي عاجل لفتح المعابر، وضمان تدفق المساعدات دون قيد أو شرط. كما تطالب منظمات حقوقية بمحاكمة مسؤولي الحصار بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خاصة في ظل التوثيق الواسع للانتهاكات.

لكن الواقع الميداني يشير إلى غياب أي إرادة دولية حقيقية لوقف الكارثة، ما يترك غزة في مواجهة الموت البطيء، بينما تتحول معادلات الغذاء إلى معادلات للبقاء، أو شواهد قبور.

الختام: غزة بين التجويع والصمت

خمسون يومًا من الحصار لم تكسر فقط سلاسل الإمداد، بل كسرت أيضًا أعمدة الحياة اليومية في غزة. هناك جوع، وهناك صمت. وبين الاثنين، يقف شعب بأكمله يسأل العالم: كم من الوقت يمكن أن تصمد غزة؟ وكم من الأرواح يجب أن تُزهق قبل أن تتحرك الضمائر؟ في الوقت الذي أصبح فيه الخبز رمزًا للصمود، يخشى الجميع من يوم يتحول فيه إلى ذكرى، لا تُروى إلا في أخبار الكوارث.

تجويع سكان غزة (1).jpg
تجويع سكان غزة (7).jpg
تجويع سكان غزة (6).jpg
تجويع سكان غزة (5).jpg
تجويع سكان غزة (4).jpg
تجويع سكان غزة (3).jpg
تجويع سكان غزة (2).jpg
 

 

المصدر: خاص وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة