أعلنت السلطات الإسرائيلية، فجر الإثنين، أنها سيطرت على سفينة الإغاثة "مادلين" التابعة لتحالف "أسطول الحرية"، والتي كانت متجهة إلى قطاع غزة في محاولة رمزية لكسر الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات. وأفادت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن السفينة اقتيدت إلى ميناء أسدود، ومن المتوقع ترحيل النشطاء الدوليين الذين كانوا على متنها إلى بلدانهم بعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية.
وأكد متحدث باسم جيش الاحتلال لإذاعة الجيش أن وحدة الكوماندوز البحري نفذت عملية "احتجاز" للسفينة، دون تسجيل إصابات بين الجنود أو النشطاء. وأضافت القناة 12 العبرية أن العملية تمت خلال ساعات الليل، بينما كانت السفينة تبحر في المياه الدولية قرب حدود قطاع غزة.
انقطاع الاتصال وتأكيدات من التحالف
من جهته، أعلن "تحالف أسطول الحرية" – ومقره أوروبا – في بيان عبر تطبيق تلغرام، انقطاع الاتصال مع السفينة بعد أن صعد جنود من البحرية الإسرائيلية إلى متنها، مؤكدًا أن الطاقم والركاب تعرضوا لـ"اختطاف"، وأن السفينة كانت محاطة بزوارق حربية وطائرات مسيرة حلّقت على ارتفاعات منخفضة قبل تنفيذ الاقتحام.
وذكر التحالف أن السفينة تعرضت لهجوم إلكتروني وبثت عبر أجهزتها موجات صوتية مزعجة، إضافة إلى استخدام طائرات مسيّرة من نوع "كوادكوبتر" لرش مادة غير معروفة وصفها الركاب بأنها "مهيّجة". كما أطلق جرس الإنذار على متن السفينة استعدادًا لأي عملية اقتحام محتملة.
على متن السفينة: نشطاء بارزون ومساعدات إنسانية
"مادلين" هي سفينة شراعية صغيرة انطلقت من مدينة كاتانيا الإيطالية في الأول من يونيو/حزيران الجاري، وعلى متنها اثنا عشر ناشطًا دوليًا، بينهم ستة يحملون الجنسية الفرنسية، وأبرزهم الناشطة السويدية في مجال المناخ غريتا ثونبرغ. وكانت السفينة تحمل شحنة رمزية من المساعدات الإنسانية، وتهدف إلى تسليط الضوء على الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ أكثر من 17 عامًا.
وفي تسجيل مصوّر نُشر قبل انقطاع الاتصال، قالت ثونبرغ: "إذا وصل هذا الفيديو إلى العالم، فهذا يعني أننا تعرضنا للاعتراض وربما الاعتقال. نحن هنا للدفاع عن الإنسانية، ولسنا تهديدًا لأحد".
إسرائيل تبرر وتهاجم
في بيان صدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، اعتبرت تل أبيب أن السفينة خرقت "منطقة بحرية محظورة"، وتم التعامل معها وفق القوانين المعمول بها. وأضاف البيان أن "الكمية الضئيلة من المساعدات التي كانت على متن السفينة سيتم نقلها إلى غزة عبر قنوات إنسانية معتمدة".
أما وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، فقد أمر الجيش بمنع السفينة من الوصول إلى شواطئ غزة. وفي تصريح لوسائل الإعلام، قال كاتس: "أعطيت أوامري للجيش بمنع مادلين. لغريتا المعادية للسامية ومن معها، نقول: أنتم أبواق لحركة حماس، لن تصلوا إلى غزة".
ردود فعل وتحذيرات من انتهاك القانون الدولي
منظمات حقوقية دولية انتقدت الخطوة، ووصفتها بأنها "اعتداء على مهمة إنسانية في المياه الدولية". وقال محمود أبو عودة، المتحدث باسم تحالف أسطول الحرية، إن العملية تمثل "قرصنة بحرية واضحة"، مؤكدًا أن النشطاء لم يكونوا يحملون سلاحًا أو يشكلون أي تهديد أمني.
وأكدت مصادر دبلوماسية أوروبية أن حكومات بعض الدول تتابع مصير رعاياها الذين كانوا على متن السفينة، في وقت تتصاعد فيه المطالب بإجراء تحقيق دولي في ملابسات الاعتراض.
خلفية: أسطول الحرية وتاريخ المواجهات
تحالف "أسطول الحرية" هو مبادرة دولية غير حكومية تهدف إلى كسر الحصار عن غزة عبر إرسال سفن تقل ناشطين ومساعدات رمزية. وكانت أبرز محاولاته في عام 2010 حين هاجمت البحرية الإسرائيلية سفينة "مافي مرمرة" التركية، ما أسفر عن مقتل 10 نشطاء، وأثار أزمة دبلوماسية كبرى بين إسرائيل وتركيا.
ورغم القيود والتهديدات المتكررة، لا تزال الحملة تحظى بدعم شعبي في العديد من الدول الأوروبية واللاتينية، وتستقطب شخصيات عامة وحقوقيين وإعلاميين من حول العالم.
التصعيد مستمر والحصار قائم
جاءت عملية السيطرة على "مادلين" في وقت تشهد فيه غزة تصعيدًا ميدانيًا واشتدادًا في الأزمة الإنسانية، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار شبه كامل في البنية التحتية الصحية، بحسب تقارير منظمات دولية.
وتبقى مهمة "مادلين" – رغم اعتراضها – تذكيرًا للعالم بأن الحصار لا يزال مستمرًا، وأن المدنيين في غزة ما زالوا محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية، في ظل عجز دولي عن ضمان حرية المساعدات أو حتى حرية التضامن.