تشهد العلاقة بين مصر وحركة حماس توترًا سياسيًا متصاعدًا في الكواليس، بعد تصريحات مثيرة للجدل أطلقها رئيس الحركة في قطاع غزة، الدكتور خليل الحية، وُجّهت مباشرة إلى القيادة والشعب المصري، ما أثار ردود فعل غاضبة في القاهرة وفتح باب أزمة صامتة قد تُعيد رسم خريطة الوساطة في الملف الفلسطيني.
وفي خطاب علني وجّه خلاله رسالة للمصريين، قال الحية: "يا أهل مصر وقادتها، كيف تسمحون بموت أخواتكم على حدودكم؟"، في إشارة إلى معاناة الفلسطينيين المحاصرين على معبر رفح وحرمانهم من الغذاء والدواء، وسط تصاعد المجاعة في القطاع المحاصر.
غضب مصري ورسائل إعلامية حادة
ردّت وسائل الإعلام المصرية سريعًا على تصريحات الحية، معتبرة إياها إهانة مباشرة لمصر وشعبها، وتجاهلاً للدور الذي تلعبه القاهرة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في سبيل وقف العدوان الإسرائيلي والتخفيف من معاناة سكان قطاع غزة. وشنّ إعلاميون مقربون من النظام المصري حملات هجومية وصفت الحية بأنه "يتنكر للجهود المصرية"، واعتبرت تصريحه بمثابة "تحميل غير مباشر لمصر مسؤولية ما يجري في غزة".
واستندت بعض التحليلات المصرية إلى أن الحية تجاهل السبب الأساسي في معاناة الفلسطينيين، والمتمثل في استمرار العدوان الإسرائيلي، متهماً حماس بـ"اللعب بالنار في توقيت حساس للغاية".
تجميد الاتصالات بين القاهرة وحماس
ووفق مصادر مطلعة تحدثت لاذاعة زمن، فإن هذه التطورات أدّت إلى تجميد الاتصالات السياسية بين مصر وقيادة حركة حماس، حيث ترفض القاهرة في الوقت الراهن الاستجابة لأي محاولات من قبل قيادة الحركة لإعادة فتح قنوات التواصل أو احتواء الخلاف.
وتشير المعطيات إلى أن الموقف المصري يتجه نحو التصعيد الصامت، دون إصدار بيان رسمي، في وقت تلعب فيه القاهرة دورًا أساسيًا في رعاية مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، إلى جانب جهودها في ملف إعادة الإعمار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
هل تنتقل الوساطة من مصر إلى تركيا؟
في ظل هذا التوتر، بدأ الحديث يتصاعد في الأوساط الدبلوماسية عن إمكانية تراجع الدور المصري في الوساطة، وانتقال الملف إلى دول أخرى مثل قطر وتركيا، خاصة في ظل وجود قيادة حركة حماس حاليًا في تركيا وتنامي الدور التركي في المنطقة.
من جهته أكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، أن مصر تتعرض لحملة مغرضة، وادعاءات بشأن إدخال المساعدات إلى غزة.
واستنكر عبدالعاطي، خلال تصريحات صحفية، الحملة الممنهجة ضد الدور المصري الداعم للشعب الفلسطيني، والتي "تعكس أغراضا مشبوهة ومضللة"، مبينا أن مصر قدمت كمية كبيرة من المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى قطاع غزة.
وشدد على أن مصر ستواصل جهودها لدعم حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه وإقامة دولته المستقلة.
وأكد أن مصر تلعب دورا استثنائيا وثابتا في دعم القضية الفلسطينية انطلاقا من مسؤولياتها التاريخية، مستعرضا جهودها النشطة على المستويين الدبلوماسي والإنساني لدعم الشعب الفلسطيني، إيمانا بعدالة القضية الفلسطينية وضرورة إنهاء معاناة الفلسطينيين في غزة.
ويتساءل مراقبون: هل الأزمة الحالية عابرة وستنتهي عبر وساطات خلف الكواليس واعتذار غير معلن؟ أم أن الخلاف دخل مرحلة حرجة قد يصعب تجاوزها قريبًا، ما قد يعيد ترتيب مراكز النفوذ الإقليمي في الملف الفلسطيني؟ خصوصًا في ظل استعصاء التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، واستمرار الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة.