اعتبر محللون سياسيون وعسكريون في الصحافة الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي بدأ يتوغل في مدينة غزة دون خطة واضحة للانسحاب أو إدارة مرحلة ما بعد الاحتلال، في وقت يواصل فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الضغط لتحقيق "إنجاز سريع"، رغم التحذيرات من المخاطر الميدانية والسياسية والإنسانية المترتبة على ذلك.
تهجير بطيء وتوغل بلا رؤية
بحسب المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت ناحوم برنياع، فإن المهمة الأولى التي وضعها الجيش نصب عينيه قبل احتلال مدينة غزة هي تهجير السكان إلى الجنوب، غير أن هذا التهجير يتم بوتيرة بطيئة، في ظل استمرار وجود مئات الآلاف داخل المدينة. وأضاف أن الفارق الأساسي هذه المرة هو غياب خطة انسحاب، على عكس الجولات السابقة، واصفًا ذلك بـ"الفرق الدراماتيكي".
وأشار برنياع إلى أن عملية "مركبات جدعون 2" تقترن بمخاطر مباشرة على حياة الرهائن المحتجزين في غزة، خاصة بعد أن أثبتت إفادات المفرج عنهم أن حماس تنقل الرهائن بشكل متكرر فوق الأرض وتحتها، ما يجعل ضمان حياتهم مستحيلًا. واعتبر أن نتنياهو "يخوض مقامرة غير مسؤولة" رغم معارضة رئيس الأركان إيال زامير وضباط آخرين.
غياب التحضير لـ"الحكم العسكري"
شدد برنياع على أن الاحتلال العسكري يشبه "الحمل والولادة"، حيث يجب الإعداد لإدارة شؤون السكان قبل دخول القوات، عبر تجهيز بنية حكم عسكري. لكنه أكد أن الجيش لم يجهّز أي خطط لإدارة السكان أو تهيئة القوات لذلك، واصفًا المشهد بثلاث فرق عسكرية تدخل غزة "معصوبة الأعين".
وأضاف أن نتنياهو يسعى لنسبة أي نجاح لنفسه، بينما سيلقي اللوم على قيادة الجيش في حال فشل الاحتلال أو تعقدت العملية، معتبرًا أن هذه هي استراتيجيته المتبعة منذ بداية الحرب.
ثمن دولي باهظ لإسرائيل
أوضح برنياع أن وضع إسرائيل الدولي تغيّر جذريًا؛ فبينما كان الثمن السياسي محدودًا في الأشهر الأولى بعد 7 أكتوبر، باتت إسرائيل اليوم تُعتبر "دولة مجرمة"، فيما تتراكم الأضرار السياسية والاقتصادية. واعتبر أن نتنياهو يعتمد على "ذريعة معاداة السامية" ودعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كغطاء، لكن كلاهما "آخذ في التآكل".
كما أشار إلى أن الحوار بين نتنياهو وقيادة الجيش انهار بالكامل، حيث يخشى الضباط من انتقادات سياسية وشعبية إذا عبّروا عن تحفظاتهم، ما يشكل خطرًا على الأمن الإسرائيلي.
هرئيل: الوعود لترامب تصطدم بالواقع
من جانبه، كتب المحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هرئيل أن المرحلة الحالية للحرب "لا تسير كما تخيّل ترامب"، الذي أقنعه نتنياهو بدعم عملية واسعة مقابل تعهد بإنجاز سريع. لكن على الأرض، يتعمّد رئيس الأركان زامير إبطاء وتيرة التقدم لتقليص الخسائر وحماية الجنود والرهائن.
وشدد هرئيل على أن إعادة الرهائن الأحياء لم تتحقق إلا عبر صفقات، وأن العملية العسكرية لم تحسن فرص إنقاذهم أو هزيمة حماس كما يروّج نتنياهو.
وأضاف أن رئيس الحكومة يسعى لإنجاز عسكري رمزي بين رأس السنة العبرية والذكرى الثانية لهجمات 7 أكتوبر، لكن قيادة الجيش تحذّر من أن إرسال لواء إلى قلب غزة قد يحقق اختراقًا سريعًا، إلا أن النتائج ستكون مواجهة مع حرب أنصار تستنزف القوات.
دعم ترامب مصدر قوة نتنياهو
يرى هرئيل أن أكبر ورقة بيد نتنياهو هي دعم ترامب، الذي مكّنه من استئناف الحرب في مارس، والتخلي عن صفقة تبادل أسرى في أغسطس، ومحاولة اغتيال قادة حماس في قطر في سبتمبر، وصولًا إلى اجتياح غزة حاليًا، رغم معارضة المؤسسات الأمنية.
إلا أن الانطباع السائد داخل الجيش، بحسب هرئيل، هو أنه "لا يوجد من يمكن التحدث معه"، إذ يتجاهل نتنياهو التحذيرات، ويصر على أنه الوحيد القادر على القضاء على حماس، "من دون أن يمتلك خطة حقيقية لحماية حياة الرهائن أو إدارة ما بعد الحرب".
تكشف تحليلات الصحافة الإسرائيلية انقسامًا حادًا بين المستوى السياسي والعسكري، حيث يسعى نتنياهو لتحقيق مكاسب سياسية سريعة مدعومًا من ترامب، فيما يحذّر قادة الجيش من مخاطر غياب خطة انسحاب أو إدارة، ومن التبعات الكارثية على حياة الرهائن وعلى صورة إسرائيل دوليًا.