أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بتراجع حاد في مؤشر أسعار المستهلك بقطاع غزة خلال أيلول/سبتمبر 2025 بلغت نسبته 13.48% مقارنة بآب/أغسطس، في حين ارتفع المؤشر في القدس (+0.89%) والضفة الغربية (+0.46%). هذا التباين قاد الرقم القياسي العام لفلسطين إلى انخفاض إجمالي قدره 8.00% على أساس شهري.
وقال «الإحصاء» إن حركة الأسعار في غزة لا تعكس ديناميات سوق طبيعية بقدر ما تعبّر عن صدمة الحرب وحركة المعابر وتدفّق الإمدادات؛ ما يفرض قراءة مفكّكة بحسب الأقاليم والسِّلع، وعدم الركون إلى متوسطٍ وطني قد يكون مُضلِّلًا لصنّاع القرار.
صورة سنوية مختلفة
رغم الهبوط الشهري، بقيت مستويات الأسعار أعلى من العام الماضي؛ إذ ارتفع المؤشر العام لفلسطين 17.65% على أساس سنوي (أيلول 2025/أيلول 2024). وجاء التفصيل كالتالي: غزة +38.29%، القدس +0.93%، فيما سجّلت الضفة الغربية -2.48% (انكماش سنوي طفيف). ويعزو خبراء هذا التناقض إلى «أثر القاعدة» بعد طفرة غلاء سابقة في غزة أعقبتها انفراجة إمدادية نسبية.
ما الذي خفّض أسعار غزة؟
يربط «الإحصاء» تراجع الأسعار في القطاع بتحسّن الإتاحة اللوجستية لا بتبدّلٍ في العرض والطلب التقليديين. ومع دخول سلعٍ أساسية وانتظامٍ نسبي للمعابر، تراجعت أسعار موادّ محورية في سلة المستهلك. وقد سُجّلت متوسطات سعرية (شيكل/وحدة) عند: السكر 13/كغم، الدقيق 5/كغم، المعكرونة 2/350غم، الأرز 6/كغم، العدس المجروش 5/كغم، الشاي 10/عبوة 100 كيس، علبة الفول 8/380غم، زيت عباد الشمس 57/3 لتر، السولار 106/لتر، الخبز «كماج» 18/كغم. وفي الخضر: البصل الجاف 61/كغم، الثوم 149/كغم، البندورة 75/كغم، الكوسا 46/كغم، الباذنجان 14/كغم، الخيار 28/كغم، البطاطا 32/كغم. كما سُجّل سعر سجائر «رويال» 120/علبة.
برغم الانخفاض، تبقى مستويات بعض الأصناف—خصوصًا الطازجة والوقود—مرتفعة قياسًا بما قبل الحرب بفعل كلف النقل والمخاطر وندرة التخزين.
القدس والضفة: ارتفاعات «طازجة» ووقود
في القدس ارتفع المؤشر 0.89% شهريًا مدفوعًا بزيادة الخضروات الطازجة (+26.55%) والبطاطا (+18.92%) والفواكه (+7.21%)، إلى جانب السكر (+4.66%) والقهوة (+3.61%) والبيض (+2.44%)، والديزل (+1.44%) والبنزين (+1.26%). وبلغت متوسطات الأسعار: بندورة 7/كغم، كوسا 14/كغم، باذنجان 9/كغم، زهرة 12/كغم، ملفوف 10/كغم، بطاطا 5/كغم، برتقال 7/كغم، موز 12/كغم، سكر 5/كغم، قهوة 74/كغم، بيض 32/2كغم، بنزين 95 عند 7.41/لتر، سولار 7.04/لتر، دجاج 23/كغم، دقيق 7/كغم.
وفي الضفة الغربية صعد المؤشر 0.46% بفعل ارتفاع البيض (+19.47%) والخضروات الطازجة (+15.05%) والمجففة (+6.98%) والفواكه (+5.03%) والبنزين (+1.11%). وظهرت متوسطات: بيض 20/2كغم، بندورة 3/كغم، كوسا 8/كغم، باذنجان وخيار 4/كغم، فلفل حار وزهرة 7/كغم، ملفوف 5/كغم، بصل 3/كغم، ثوم 18/كغم، موز 6/كغم، برتقال 5/كغم، بنزين 6.98/لتر.
كيف سحبَت غزة المؤشر العام إلى الأسفل؟
هبوط أسعار أساسيات ثقيلة الوزن في سلة غزة دفع المؤشر الوطني للانخفاض 8.00% شهريًا، مع تراجعات ملحوظة على مستوى فلسطين في: السكر (-79.32%)، الدقيق الأبيض (-57.16%)، السجائر المستوردة (-56.08%)، الخبز «كماج» (-53.22%)، البقول المجففة (-44.54%)، المعكرونة (-43.50%)، الشاي (-40.80%)، الخضروات المعلبة (-33.59%)، الخضروات المجففة (-29.78%)، الزيوت النباتية (-28.37%)، الأرز (-13.68%)، الخضروات الطازجة (-13.49%)، البطاطا (-8.61%)، الدجاج الطازج (-7.21%)، الديزل (-6.25%)، البنزين (-2.66%)، اللحوم الطازجة (-1.94%).
ماذا تعني الأرقام للأسر؟
الانخفاض لا يساوي تلقائيًا قدرة شرائية أفضل؛ فالأجور والوظائف في غزة تضررت بشدة، ما يُبقي الهشاشة الغذائية عالية رغم تحسّن الأسعار. وإزاء حساسية السوق لأي اضطراب لوجستي، تبقى قابلية الارتداد نحو الغلاء مرتفعة إذا تراجعت وتيرة الإمدادات أو أُغلقت المعابر.
قيود القياس… والتحذير المنهجي
ينبه «الإحصاء» إلى أن المؤشر—برغم أهميته—لا يلتقط وفرة السلعة للجميع، أو كلفة الوصول إليها، أو زمن الانتظار. كما قد تتغيّر جودة البدائل ومنافذ البيع في الأزمات بما يؤثر على قابلية المقارنة. لذلك يوصي بعدم استخدام المتوسط الوطني كدليل وحيد، واعتماد تفكيكٍ جغرافي وقطاعي أدقّ في التحليل ووضع السياسات.
توصيات سياساتية مستخلصة
ترتكز الاستجابة الأكثر فاعلية على تثبيت الإتاحة: انتظام المعابر وتحديد أولويات السلة الأساسية (حبوب، زيوت، بروتينات، وقود للمخابز والمستشفيات)، مع شفافية يومية في بيانات الأسعار والمخزون للحدّ من المضاربة والهلع الشرائي. وفي بيئة متقلبة، يكون الدعم النقدي الذكي للفئات الهشّة أَجدى من التسعير الإداري المرهِق، على أن تُحفظ المنافسة وتُراقَب ممارسات الاحتكار دون تعطيل التدفق. كما تُمنح «سلسلة الخبز والطاقة» أولوية قصوى لكونها مضاعِفًا يمتد أثره إلى باقي السلة.
ما الذي نترقّبه؟
سيعتمد المسار في الربع المقبل على ثبات نافذة الإمدادات إلى غزة، وتقلبات الوقود، وموسمية الطازج في الضفة والقدس. أي تعثّر لوجستي قد يعيد الضغوط صعودًا بسرعة. أمّا إذا استمر انتظام التدفق، فقد تتعمّق موجة الهبوط—خاصة في سلع الأساس—مع بقاء الأسعار السنوية مرتفعة مقارنة بما قبل الحرب.
تقود غزة المشهد السعري الفلسطيني: هبوط شهري كبير خفّض المؤشر العام، يقابله ارتفاع سنوي قوي يعكس إرث عامين من الصدمة. القراءة الرشيدة تمرّ عبر تفكيكٍ مناطقي دقيق وربط الأسعار بالإتاحة. ومع سياسة تضع قنوات الدخول والشفافية في الصدارة، يمكن تحويل الانخفاض الحالي من ومضةٍ مؤقتة إلى مسارٍ مُستدام يخفف كلفة المعيشة فعليًا، خصوصًا للأسر الأشد هشاشة في القطاع.