يحتفل العالم بالأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية بين 24 و31 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، بعدما أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2021، للتأكيد على أولوية الوصول إلى معلومات واقعية وآنية ومتعددة اللغات، وتعزيز كفاءات الأفراد في البحث عن المعلومات وتقييمها والتعامل معها في الفضاء الرقمي.
وفي ظل هذه المناسبة، قال مركز الميزان لحقوق الإنسان إنّها تحلّ على الفلسطينيين في ظروف «بالغة القسوة» جرّاء الحرب على قطاع غزة، موضحاً أنّ حتى اتفاق وقف العدوان بتاريخ 13/10/2025 سُجّلت وفاة 67,139 فلسطيني/ة وصلت جثامينهم إلى المستشفيات، بينهم 10,160 امرأة و19,450 طفلاً منهم 450 رضيعاً، فيما لا يزال 9,500 آخرون في عداد المفقودين. وأضاف المركز أنّ قوات الاحتلال قتلت 1,670 من أفراد الطواقم الطبية، و140 من الدفاع المدني، و176 من طواقم البلديات، فيما تُوفّي 460 شخصاً بسبب التجويع وسوء التغذية بينهم 154 طفلاً. كما أصيب 169,583 فلسطيني/ة نُقلوا إلى المستشفيات، بينهم 4,800 بحالات بتر، و1,200 بحالات شلل، و1,200 بحالات فقدان للبصر، إضافة إلى اعتقال حوالى 6,700 فلسطيني/ة.
وبشأن الأضرار المادية، أشار المركز إلى أنّ عدد المباني المتضرّرة منذ 07/10/2023 وحتى 08/07/2025 بلغ 190,115 مبنى؛ منها 102,067 دُمّرت بالكامل، و41,895 تضرّرت بدرجة متوسطة. وبلغ عدد الوحدات السكنية المتضرّرة حتى 27/09/2025 نحو 330,500 وحدة. كما دُمّر 71 مستشفى، و293 مدرسة وجامعة، و246 مسجداً، فيما سُوّيت أحياء ومدن كاملـة بالأرض، بما في ذلك خيام النازحين والأبراج السكنية.
استهداف الإعلام وقطع الاتصالات
أكد المركز أنّ الصحافيين والعاملين في الإعلام كانوا هدفاً مباشراً خلال العدوان، إذ قُتل 303 صحافي/ة وعامل/ة في الحقل الإعلامي، بينهم 38 امرأة، ومن ضمنهم 95 مراسلاً و108 مصوّراً، فيما أُصيب 433 صحافياً وصحافية، واعتُقل نحو 48 آخرون. ويرى المركز أنّ هذه الأرقام تعكس محاولة منهجية لحجب الحقائق ومنع نقل الوقائع للجمهور.
وفي السياق نفسه، قال المركز إنّ قطع الاتصالات والإنترنت عن غزة جرى «قصداً ولمدد طويلة»، ما يعزل القطاع ويعيق أعمال الإغاثة والتوثيق. وذكر أنّ آخر انقطاع واسع كان في 12/06/2025 بعد استهداف الخط الرئيسي الأخير للفايبر، ما تسبب بـ«شلل شبه تام» في قطاعات حيوية، لا سيما الصحة والإغاثة والتعليم، وقيّد تواصل جمعية الهلال الأحمر مع طواقمها وأثّر على قدرة المستشفيات وخدمات الإسعاف والدفاع المدني في تلقي نداءات الاستغاثة وتزويد الصحافيين ببيانات دقيقة عن الضحايا. كما عطّل الانقطاع التعليم عن بُعد خلال فترة اختبارات مدرسية تُجرى عبر الإنترنت، وحرم طلبةً فرصهم التعليمية.
سيطرة على البنية التحتية و«عسكرة» التكنولوجيا
لفت المركز إلى أنّ سلطات الاحتلال تتحكّم بالطيف الترددي والبنية التحتية الفلسطينية وتفرض قيوداً تقنية تُجبر السكان على استخدام شبكات الجيل الثاني (2G) غير الملائمة للاحتياجات المعاصرة، خصوصاً في أوقات الحرب والطوارئ. وبحسب المركز، لم يعد الفضاء الرقمي مجرّد امتداد للواقع، بل تحوّل إلى ساحة صراع رمزي ومجال مراقبة غير محايد تُمارس فيه الرقابة ويُقصى الصوت المخالف، وتُحدَّد فيه شروط الظهور والبقاء وفق اعتبارات سياسية ومجتمعية وخوارزمية.
وقال المركز إنّ السلطات الإسرائيلية تستغل التكنولوجيا لتعزيز السيطرة وعسكرة الذكاء الاصطناعي عبر أنظمة مثل «Lavender» و**«Habsora»**، تُسوَّق عالمياً بوصفها حلولاً أمنية، لكنها تُستخدم فعلياً في استهداف المدنيين دون تدخل بشري كافٍ. وأشار إلى أنّ نحو 75% من بنية الاتصالات والإنترنت في غزة تضرّرت جزئياً أو كلياً، مع انقطاعات متكررة وتقييد كبير لوصول الفلسطينيين للخدمات.
دعوة إلى حماية الحق في المعرفة
أكد المركز أنّ حجب المعلومات وتغييب الحقائق خلال الحرب ينتهك حق الجمهور حول العالم في الوصول إلى الدراية الإعلامية والمعلوماتية، وفي الاطّلاع على ما يجري من انتهاكات جسيمة لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وأضاف المركز أنّ صمت المجتمع الدولي وتقديم دعم أميركي كامل للحرب يتقاطعان مع الأمر التنفيذي الأميركي رقم 14203 الصادر عن وزارة الخزانة، والذي استهدف ثلاث مؤسسات فلسطينية رائدة في مجال حقوق الإنسان — مركز الميزان ومؤسسة الحق والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان — «بسبب تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية في مسار الإنصاف والمحاسبة»، على حد تعبيره.
ودعا مركز الميزان لحقوق الإنسان الأطراف والهيئات الدولية إلى ما يلي:
التدخل الفوري لإجبار سلطات الاحتلال على وقف جريمة الإبادة الجماعية ووقف العقاب الجماعي واستخدام التجويع والتعطيش كسلاح.
حماية أرواح المدنيين في غزة عبر رفع الحصار وضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية بأقصى حد ممكن.
تفعيل آليات المساءلة وتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وإنهاء الحصانة ومنع الإفلات من العقاب، وإلزام دولة الاحتلال باحترام القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة.
تأمين الحماية للصحافيين/ات، وتوثيق الانتهاكات المرتكبة بحقهم، وتوسيع حملات التضامن معهم.
تمكين الجهات المختصة من تقديم الخدمات المنقذة للحياة، ورفع القيود عن حصول المرضى على الرعاية الصحية والسماح بسفرهم للعلاج في الخارج، وتسهيل مرور المساعدات والوقود وإرساليات الأدوية والمستلزمات الطبية كافة.
معالجة ملف المفقودين وضمان عدم إفلات مرتكبي الاختفاء القسري من العقاب.
إدانة الأمر التنفيذي 14203 والضغط على الولايات المتحدة لإلغائه، وضمان سلامة وحماية عمل وطواقم مؤسسات حقوق الإنسان التي تواجه مخاطر متزايدة بسبب قيامها بواجبها القانوني.
ويرى مركز الميزان أنّ الأسبوع العالمي للدراية الإعلامية والمعلوماتية يسلّط الضوء على حقّ الناس في الوصول إلى الحقيقة، ويؤكد الحاجة إلى بيئة اتصال آمنة وإعلامٍ قادر على العمل بحرية في غزة. ويشدّد على أنّ حماية المدنيين والقطاع الصحي والإعلاميين، وضمان تدفّق المعلومات والمساعدات، وتفعيل المساءلة الدولية، هي متطلبات عاجلة لا يمكن تأجيلها إذا أُريد للأسبوع العالمي أن يترجم إلى حق ملموس في المعرفة والنجاة.