في «اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في الحروب»: غزة على حافة كارثة بيئية

خيام مهترئة لا تحمي من البرد أو المطر.. مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، في 5 نوفمبرتشرين الثاني 2025 (11).jpg

يوافق الخميس 6 تشرين الثاني/نوفمبر «اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية»، مناسبةٌ دعت الأمم المتحدة إلى أن تُسلَّط فيها الأضواء سنويًا على البيئة بوصفها «ضحية صامتة» للنزاعات. هذا العام تحضر غزة في الواجهة؛ إذ يصف حقوقيون ومؤسسات محلية المشهد البيئي في القطاع بأنه «كارثي»، نتيجة القصف والتجريف والتلويث واستهداف البنى التحتية للمياه والصرف الصحي وإدارة النفايات، إلى جانب الأثر الصحي الناجم عن الغبار السام والدخان والضوضاء المستمرة للطائرات.

تؤكد المعطيات الميدانية تدهورًا حادًا في خدمات المياه: معدل استهلاك الفرد في غزة تراجع إلى 3–5 لترات يوميًا فقط، فيما لا تنطبق معايير منظمة الصحة العالمية على نحو 97% من المياه المتاحة من الخزان الجوفي. وتشير التقديرات إلى خروج 86% من مرافق وأصول المياه والصرف الصحي عن الخدمة كليًا أو جزئيًا. كما دُمِّر 1,545 كيلومترًا من شبكات الصرف الصحي تدميرًا كليًا، و8.6 كيلومترات جزئيًا، وتعرّضت 20 مضخة مياه للتدمير الكامل و27 لأضرار جزئية، ما أدى إلى تدفّق مياه الصرف في الشوارع والأماكن العامة ووصولها إلى البحر، وسط نقص مزمن في الوقود وانقطاع متكرر للكهرباء يعطل تشغيل المضخات ومحطات المعالجة.

على صعيد النفايات الصلبة، ينتج سكان القطاع قرابة 2,000 طن يوميًا. ومع تعذر الوصول المنتظم إلى المكبين الرئيسيين (جحر الديك شرق غزة والفخاري في خان يونس)، تُجمع النفايات في نحو 190 موقعًا عشوائيًا مؤقتًا داخل الأحياء وقرُب مراكز الإيواء، ما يفاقم مخاطر الأوبئة والآفات. وخلال الحرب، قدّرت الجهات المختصة تراكمًا إجماليًا يقارب 710 آلاف طن من النفايات المنزلية والمخلفات البشرية والطبية الخطرة، بالتوازي مع تدمير 141 آلية و3,876 حاوية ضمن منظومة إدارة النفايات، وهو ما ينعكس مباشرة على الصحة العامة ونظافة البيئة الحضرية.

الزراعة والتربة تلقتا بدورهما ضربة قاصمة. فإلى جانب التعرية والتجريف وتراكم ملايين الأطنان من الركام فوق الأراضي، أفاد تحليل حديث لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومركز الأقمار الصناعية الأممي (يونوسات) بتعرّض قرابة 87% من الأراضي والبنى التحتية الزراعية—بما في ذلك آبار الري—لأضرار واسعة حتى أواخر أيلول/سبتمبر، الأمر الذي يضعف بشدة قدرة غزة على استدامة إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية. ويضاعف تلوّث الهواء—خاصة الجسيمات الدقيقة الآتية من تكسير الإسمنت والرماد—من المخاطر التنفسية، مع قابلية لتأثيرات مزمنة تشمل أمراض الجهاز التنفسي وتهديد أصحاب المناعة الهشة، فيما تخلق الضوضاء المستمرة للطائرات حالة ضغط نفسي وسمعي طويلة الأمد.

في هذه المناسبة، شدد مركز الميزان لحقوق الإنسان على إدانته «لاستخدام أسلحة مدمرة ومتنوعة ضد السكان والأعيان المدنية ومكوّنات البيئة»، داعيًا إلى تحرك دولي ينهي ما يصفه بـ«حرب الإبادة الجماعية»، ويحمي المدنيين ويُنهي الإفلات من العقاب. وطالب المركز الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة دولية مختصة للتحقيق في «الإبادة البيئية» واستخدام البيئة في الحرب، وفحص آثار الذخائر على التربة والهواء والمياه الجوفية، وربطها بالارتفاع الملحوظ في الأوبئة والأمراض الخطرة داخل القطاع. كما دعا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق بوصف الأفعال المرتكبة «جرائم حرب» وفق المادتين (8/2/أ) و(8/2/ب) من نظام روما.

عمليًا، يوصي المركز بإجراءات إنقاذ عاجلة تشمل فتح المعابر فورًا لإدخال المواد الضرورية لقطاعي المياه والصرف الصحي—ومنها الكلور ومرشحات التحلية وقطع الغيار—إلى جانب المبيدات والمواد اللازمة لمكافحة الحشرات والقوارض، والسماح للطواقم الفنية بالوصول إلى المكبين الرئيسيين وإعادة تشغيلهما. ويرى أن استقرار المنظومة البيئية والصحية شرطٌ لا ينفصل عن أي مسار لإعادة الإعمار والتعافي، وأن التعامل مع البيئة كأولوية—not كترف—أمرٌ حاسم للحد من الأعباء الصحية والاقتصادية في المدى القريب والمتوسط.

وبينما تُحصى الحروب غالبًا بالخسائر البشرية والمادية المباشرة، يذكّر «اليوم الدولي» بأن للبيئة كلفةً مؤجلة وقاسية: تربةٌ ملوثة، مياهٌ غير آمنة، هواءٌ محمّل بجسيمات سامة، ونُظم خدماتٍ منهكة. وفي غزة، تتقاطع هذه العناصر جميعًا تحت وطأة بنية تحتية مدمرة وحصارٍ خانق، ما يجعل الاستجابة البيئية العاجلة—إلى جانب المسارات القانونية والإنسانية—جزءًا لا يتجزأ من حماية الحياة واستعادة مقوماتها الأساسية.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة