على بُعد أمتار من مكعبات أسمنتية مطلية باللون الأصفر وضعها الجيش الإسرائيلي، يعيش الفلسطيني سعد حلاوة مع أسرته في خيمة صغيرة ببلدة جباليا شمالي قطاع غزة.
ويُعرف "الخط الأصفر" بأنه خط انسحاب الجيش الإسرائيلي خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة (حماس) وإسرائيل، ويمتد داخل أراضي قطاع غزة لمسافة تتراوح بين 1.5 و6.5 كيلومتر من الحدود الشرقية. ويُقدّر أنه يحيط حاليا بنحو 47 بالمائة من مساحة القطاع بحسب خرائط نشرها الجيش الإسرائيلي.
ويفصل الخط الأصفر بين المناطق التي تخضع لسيطرة إسرائيل شرق قطاع غزة، والمناطق التي يُسمح للفلسطينيين بالعيش والتحرك فيها غربا.
في المنطقة نفسها، تبدو خيمة حلاوة وحيدة بين أنقاض المنازل التي دمرها القصف خلال العمليات العسكرية السابقة. وعلى الرغم من المخاطر ونقص الخدمات الأساسية، يرفض الرجل الخمسيني مغادرة المكان.
وقال حلاوة لوكالة أنباء (شينخوا) الصينية، إن القصف وإطلاق النار مستمران في المنطقة ليلا ونهارا، مشيرا إلى أن القوات الإسرائيلية لا تبعد سوى مئات الأمتار، مما يجعل أي تحرك محفوفا بالمخاطر.
وأضاف أن الخط الأصفر يذكّره بجدار الفصل في الضفة الغربية، موضحا أن "المشهد يشير إلى مرحلة جديدة قد تؤدي إلى فصل شرق قطاع غزة عن غربه".
ومنذ بدء وقف إطلاق النار تُسمع انفجارات عنيفة يوميا في المناطق الشرقية لقطاع غزة قال شهود عيان إنها عمليات تفجير للأنفاق والمنازل في تلك المنطقة.
ويضطر حلاوة يوميا إلى قطع مسافة طويلة سيرا على الأقدام لجلب المياه الصالحة للشرب، قائلا إن "الخدمات الأساسية شبه معدومة، ولا يغامر أحد بالوصول إلى هنا لتزويدنا بالمياه أو المساعدات".
وأوضح أنه أقام خيمته قرب أنقاض منزله الذي دُمر خلال غارة إسرائيلية، مضيفا "لا أستطيع مغادرة أرضي ومنزلي رغم المخاطر".
وأشار إلى أنه يتحرك بحذر في ساعات النهار، بينما يمنع أفراد أسرته من مغادرة الخيمة بعد غروب الشمس خشية تعرضهم لإطلاق النار.

وأدى إنشاء الخط الأصفر إلى حرمان سكان مناطق واسعة من العودة إلى منازلهم، خصوصا شرق مدينة غزة والمناطق الشرقية لمحافظة خان يونس جنوبا، ومدينتي بيت حانون وبيت لاهيا شمالا.
وفي مركز إيواء بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تعيش عائلة الشاب أحمد السطري حالة من الحزن بعد استشهاده برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء تفقده منزلهم في المناطق الشرقية من مدينة خان يونس.
وقالت والدته أمينة "خرج أحمد لتفقد منزلنا، لكنه لم يعد. لم يشكل أي خطر على الجيش، ومع ذلك أطلقوا النار عليه".
وأوضحت أن أصدقاء أحمد الذين كانوا برفقته قالوا إنهم كانوا يتفقدون أنقاض منزل العائلة الذي دمرته غارة إسرائيلية عندما بدأ الجيش إطلاق النار، فأصيب أحمد في صدره وتوفي في المكان.
ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر الماضي، استشهد 245 فلسطينيا وأصيب أكثر من 620 آخرين، وفقا لبيان صادر عن وزارة الصحة في غزة يوم الأربعاء.
كما وثق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة 282 خرقا للاتفاق من جانب الجيش الإسرائيلي منذ بدء سريانه، مشيرا في بيان يوم الاثنين إلى أن القوات الإسرائيلية "نفذت 88 عملية إطلاق نار استهدفت مناطق مدنية، و12 عملية توغل محدودة داخل الأحياء الشرقية، إضافة إلى 124 عملية قصف واستهداف، و52 عملية نسف لمبان مدنية، واعتقلت 23 مواطنا في أنحاء القطاع".

ويرى محللون أن إنشاء الخط الأصفر يأتي ضمن خطوات إسرائيلية تهدف إلى فرض واقع أمني جديد في قطاع غزة.
وقال المحلل السياسي أكرم عطا الله لـ (شينخوا) إن الهدف من هذا الخط هو إقامة "منطقة عازلة" تخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي لطمأنة سكان البلدات الاستيطانية القريبة من حدود القطاع.
وأضاف أن إسرائيل "اختارت إقامة هذه المنطقة داخل غزة لأسباب سياسية وأمنية"، معربا عن خشيته من أن يشكل الخط الأصفر أساسا لتقسيم قطاع غزة أو لترتيبات أمنية وسياسية مستقبلية.
وأوضح عطا الله أن تصريحات مسؤولين إسرائيليين توحي بأن إسرائيل "لا تعتزم الانسحاب من قطاع غزة والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر"، وأنها تسعى إلى "الإبقاء على وجود عسكري يسمح لها بتنفيذ عمليات ميدانية متى شاءت داخل غزة".
وأشار إلى أن السيطرة على المناطق الزراعية الواسعة شرق مدينة غزة وبيت لاهيا تمنح إسرائيل نفوذا مباشرا على السلة الغذائية للقطاع.
واعتبر أن استمرار الوضع الراهن مرتبط بمواقف المجتمع الدولي، موضحا أن "الضغوط الأوروبية والأمريكية وحدها قد تؤثر على السياسات الإسرائيلية في غزة"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ربطت انسحاب إسرائيل من الخط الأصفر بشروط أمنية تتعلق بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية.
وختم عطا الله بالقول إن "إبقاء هذا الوجود العسكري قد يكرّس الانقسام الجغرافي داخل غزة إذا لم تمارس القوى الدولية ضغوطا حقيقية لإنهائه".

