برزت خلال الأيام الأخيرة خلافات جوهرية بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بغزة، والتي أفضت في تشرين الأول/أكتوبر 2025 إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس». وبينما تسعى واشنطن إلى تسريع الانتقال نحو ترتيبات الإعمار، تؤكد تل أبيب أنّ أي إعمار مشروط بنزع السلاح وإحكام السيطرة الأمنية، وسط تقديرات إسرائيلية بأن «حماس» تعمل على إعادة تثبيت نفوذها داخل القطاع.
طريق تفاوضي «على شفير طريق مسدود»
أفادت القناة 13 الإسرائيلية بأن محادثات مكثّفة جرت بين الطرفين خلال الأسابيع الماضية، ونقلت عن مسؤولين مشاركين فيها قولهم إن المباحثات «على شفير طريق مسدود». ويعود السبب، وفق القناة، إلى تعثر الجهود الأميركية لتشكيل قوة دولية تتولى الملفات الأمنية الحساسة وفي مقدمتها نزع سلاح غزة، إذ تميل إدارة ترامب إلى تجاوز عقدة القوة الدولية والانتقال مباشرةً إلى مسار الإعمار.
في المقابل، وصف مسؤول أمني إسرائيلي هذا الطرح بأنه «غير مقبول على إسرائيل»، مؤكداً: «لن يكون هناك إعمار من دون نزع السلاح؛ هذا يتعارض مع خطة ترامب كما نفهمها… غزة يجب أن تكون منزوعة السلاح». ويضيف المصدر أن عجز واشنطن عن تجميع قوة متعددة الجنسيات يدفعها إلى حلول وسط «لا تقبلها إسرائيل في الوقت الراهن».
«حماس» تعيد التموضع… وأزمة «نفق رفح»
في ذروة الخلاف، تشير معلومات أمنية إسرائيلية إلى أن «حماس» بدأت خلال الأسبوع الماضي نصب حواجز داخل القطاع وفرض رسوم على حركة الشاحنات، ما يُقرأ في تل أبيب بوصفه دلالة على تعاظم القدرة الاقتصادية والإدارية للحركة، وعلى «تعزيز الحكم» في مناطق واسعة، وفق ما نقلته القناة 13.
ويُضاف إلى ذلك ملف مقاتلي رفح المحاصرين في نفق جنوبي القطاع، والذي بقي عالقًا على طاولة الوسطاء. وتقدّر أجهزة الأمن الإسرائيلية عددهم بـأقل من 100 مسلّح، إلا أن حساسية القضية تستنزف المفاوضات وتؤخر الاتفاق على حزمة الانتقال إلى المرحلة الثانية.
واشنطن تدفع للأمام… وتلوّح بقرار أممي
بالتوازي، تواصل الإدارة الأميركية الضغط للدخول في المرحلة الثانية من الخطة، وتعمل – بحسب ما ذكرته هيئة البث «كان 11» – على مشروع قرار أمام مجلس الأمن يحدّد صلاحيات القوة الدولية التي يجري طرحها للعمل في غزة بالتعاون مع عناصر من الشرطة الفلسطينية. غير أن مسار التفويض الأممي لا يزال مرهونًا بالتوافقات، فيما تصطدم التعهدات بقوام القوة ومهامها بتحفظات سياسية ولوجستية من عدة عواصم.
خيار تل أبيب البديل: خطة لنزع السلاح واستئناف القتال
على وقع الشكوك في قدرة خطة ترامب على التقدم بوتيرتها المعلنة، تستعد المنظومة الأمنية الإسرائيلية – وفق «كان 11» – لوضع خطة موازية لـنزع سلاح حماس مع إمكانية استئناف القتال إذا فشل المسار الحالي. ونقلت القناة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «السؤال ليس هل سيجري نزع سلاح حماس، بل من سينفّذ ذلك ومتى».
«غزّة الجديدة»… شقٌّ شرقي تحت إدارة دولية
إلى ذلك، كشفت صحيفة «هآرتس» أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تفاجأت بمصادقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على طلب أميركي يتيح البدء بمشروع واسع تحت مسمى «غزّة الجديدة»، ينطلق من رفح التي شهدت تدميرًا واسعًا، ثم يمتد إلى مناطق شرقي «الخط الأصفر» الذي تراجع إليه الجيش الإسرائيلي بعد سريان التهدئة.
يقوم المشروع على تقسيم فعلي للقطاع إلى منطقتين:
«غزة الجديدة» شرق الخط، تحت إدارة دولية وإشراف الدول الوسيطة وبدء الإعمار فيها.
«غزة القديمة» غرب الخط، حيث يقطن نحو مليوني فلسطيني.
ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني وصفه للخط الفاصل بأنه «جدار برلين الخاص بغزة»، في إشارة إلى خطر تكريس الانقسام الجغرافي على المدى القريب.
فجوة داخلية في إسرائيل حول «اليوم التالي»
تُظهر التسريبات، بحسب «هآرتس»، اتساع الفجوة بين الأذرع الأمنية والعسكرية من جهة، والدوائر السياسية من جهة أخرى، إذ لم تُطلع الأولى على تفاصيل دقيقة حول هندسة اليوم التالي التي تقودها واشنطن، كما أنها لا تشارك بصورة فاعلة في عملية صنع القرار المرتبطة بملفات غزة. هذا التباين يعقّد صياغة موقف إسرائيلي موحّد، ويضع اشتراطات الجيش (نزع السلاح أولاً) في مواجهة حسابات سياسية ودبلوماسية متغيرة.
في السياق الإغاثي، جُمّدت عمليات «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة من واشنطن وتل أبيب داخل القطاع خلال الأيام الأخيرة، بسبب سريان وقف إطلاق النار ودخول مئات شاحنات المساعدات، وفق ما أفادت به مصادر إسرائيلية. ويطرح التجميد تساؤلات حول تنسيق توزيع المساعدات وحول دور الهياكل الإدارية المرشحة لإدارة الخدمات في المرحلة الانتقالية.
تتّفق الروايات الإسرائيلية المختلفة على أن مسار المرحلة الثانية محكوم اليوم بسؤالٍ مركزي: هل يُطلق الإعمار قبل اكتمال ترتيبات نزع السلاح والقوة الدولية، أم بعدهما؟
– واشنطن تميل إلى الإسراع بالإعمار لتثبيت وقف إطلاق النار وتخفيف المعاناة الإنسانية وخلق «حقائق اقتصادية» على الأرض.
– تل أبيب تتمسّك بأن نزع السلاح شرط مُسبق لأي إعادة بناء، وتلوّح بـخطة بديلة إذا تعثّر المسار الأممي.
وبين هذين الخيارين، تتكثف حسابات الداخل الإسرائيلي، وتتزايد مؤشرات إعادة تموضع حماس، فيما تبقى أزمة رفح ومركّبات القوة الدولية العقدتين الأكثر إلحاحًا على طاولة الوسطاء.
