قبل تصويت مجلس الأمن: إسرائيل تتهيأ لانتشار «قوة استقرار» دولية في غزة… وجدَل داخلي حول التفويض وإمكان قيام دولة فلسطينية

قاعدة كريات جات

بدأت إسرائيل خلال الأيام الأخيرة ترتيباتٍ لوجستية وأمنية أولية لاستقبال آلاف الجنود الأجانب تمهيدًا لانتشارهم داخل قطاع غزة ضمن قوة الاستقرار الدولية المزمع تفويضها بموجب مشروع قرار أميركي معروض على مجلس الأمن، والمتوقَّع التصويت عليه الاثنين المقبل، وفق ما أفادت هيئة البث الإسرائيلية «كان 11».

وتسعى تل أبيب، بحسب المصدر ذاته، إلى تفويض أممي ذي صلاحيات واسعة يتيح للقوة الدولية العمل الفعّال ضد «حماس» تمهيدًا لـنزع سلاحها وسلاح الفصائل في القطاع. وتؤكد تقديرات إسرائيلية أن طبيعة التفويض ستحدد إلى حدٍّ كبير هوية الدول المستعدة للمشاركة؛ إذ لم تُبدِ إندونيسيا سوى استعدادٍ علنيّ حتى الآن لإرسال قوات.

تفويضان محتملان: «حفظ سلام» محدود أم «فرض سلام» بصلاحيات واسعة؟

توضح «كان 11» أن مجلس الأمن يستطيع منح القوة أحد نموذجين من الصلاحيات: قوة حفظ السلام التقليدية: تُنشأ بموافقة الأطراف ومهمتها الرقابة والتوسّط ورفع التقارير، وتستخدم السلاح للدفاع عن النفس فقط دون صلاحية لفرض قرارات بالقوة.

قوة فرض السلام: لا تشترط موافقة الجميع وتملك حقّ فرض النظام وحماية المدنيين واتخاذ إجراءات عسكرية استباقية، بما في ذلك تفكيك المجموعات المسلحة ومنع التصعيد.

وبينما تدفع إسرائيل باتجاه الصيغة الثانية، تربط جهات دولية المشاركة فيها بـوضوح التفويض وحدوده، وهو ما يجعل صياغة القرار محورًا حاسمًا في مواقف العواصم المعنية.

يمينٌ حكومي يضغط على نتنياهو: رفضٌ قاطع لفكرة الدولة الفلسطينية

داخليًا، هاجم وزيرا اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على خلفية الإشارة، في صياغات المشروع الأميركي، إلى إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلاً.

سموتريتش اتّهم نتنياهو بـ«الصمت والإذلال السياسي»، مطالبًا بـ«ردّ فوري يوضح أن لا دولة فلسطينية على أرض إسرائيل».

بن غفير مضى أبعد من ذلك مُدّعيًا «عدم وجود شعب فلسطيني»، واعتبر أن «الهجرة الطوعية» للفلسطينيين من غزة هي «الحلّ الحقيقي»، ملوّحًا بأن حزبه لن يبقى في حكومة توافق على مسارٍ يقود لدولة فلسطينية.

هذه التصريحات تُفاقم الانقسام داخل الائتلاف وتضع نتنياهو بين ضغوط شركائه وبين الاستحقاقات الدبلوماسية التي تفرضها صياغة القرار الأممي ومسار خطة البيت الأبيض.

مشروع القرار الأميركي: «مجلس سلام» وقوة استقرار وممرّ نحو التسوية

من المقرّر أن يصوّت مجلس الأمن الاثنين على مشروع قرار أميركي يؤيد خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في غزة. وقد دعت واشنطن، ومعها مصر وقطر والسعودية وتركيا والإمارات والأردن وإندونيسيا وباكستان، إلى الإسراع في تبنّيه، مؤكدةً أنه «مسارٌ عملي نحو السلام والاستقرار» في غزة والمنطقة.

ينصّ المشروع على: إنشاء «مجلس السلام» كهيئة حكمٍ انتقالية لقطاع غزة تُسند رئاسته نظريًا لترامب وتستمر ولايته حتى نهاية 2027.

تفويض الدول الأعضاء بتشكيل «قوة استقرار دولية مؤقتة» تعمل بالتنسيق مع إسرائيل ومصر والشرطة الفلسطينية المُدرَّبة حديثًا، لتأمين الحدود ونزع السلاح والمساهمة في ترتيبات الأمن.

إشارة أوضح من مسودات سابقة إلى إمكان قيام دولة فلسطينية في إطار التسوية.

في المقابل، قدّمت روسيا مشروعًا بديلًا لا يتضمن إنشاء «مجلس السلام» أو انتشارًا فوريًا لقوة دولية في غزة، مع تأكيد بعثتها لدى الأمم المتحدة تمسّكها بمبدأ حلّ الدولتين إطارًا للتسوية.

«غزة الجديدة»… بين التصوّر الدولي وحسابات الميدان

بالتوازي مع مسار مجلس الأمن، تتواصل تسريبات في إسرائيل عن موافقاتٍ أولية من نتنياهو على مشروع أميركي أوسع لإطلاق عملية إعمار شرقي «الخط الأصفر» الذي انسحب إليه الجيش الإسرائيلي مع بدء التهدئة، في مساحة توصف إعلاميًا بـ«غزة الجديدة»، على أن تبقى المنطقة الغربية – حيث الكثافة السكانية – خارج نطاق الإعمار المباشر في المرحلة الأولى. وتربط مصادر أمنية إسرائيلية نجاح الإعمار بمدى صلابة تفويض القوة الدولية وقدرتها على تفكيك البنى المسلحة وفرض ترتيبات أمنية مستقرة.

قنوات اتصال مع «حماس»؟

وفي تطوّر موازٍ للمسار السياسي، ذكرت «نيويورك تايمز» – نقلًا عن مصدرين مطّلعين – أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف يعتزم لقاء رئيس «حماس» في غزة خليل الحية قريبًا، في خطوة تُقرأ ضمن اختبارات النوايا المرتبطة بملفات وقف إطلاق النار والمرحلة الانتقالية.

بين تفويضٍ أممي ما زال قيد التفاوض، وحسابات داخلية إسرائيلية مضطربة، ومساعٍ أميركية لتثبيت قوة استقرار وهيئة حكم انتقالية، تبدو المرحلة التالية في غزة معلّقة على لغة القرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن

وبين هذا وذاك، تتصاعد في إسرائيل الاشتراطات السياسية والأمنية (نزع السلاح أوّلًا)، فيما يراهن داعمو القرار على أن المسار الجديد قد يفتح، ولو تدريجيًا، نافذةً نحو تسويةٍ مستدامة تُنهي دوّامة الحرب وتُطلق عملية إعادة الإعمار على أسسٍ أكثر رسوخًا.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - القدس المحتلة