أعربت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني عن رفضها الشديد لاعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2803، معتبرة أنه يكرّس احتلالًا أجنبيًا جديدًا للأرض الفلسطينية وينتهك الحق غير القابل للتصرّف للشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وجاء القرار استنادًا إلى “الخطة الشاملة لإنهاء صراع غزة” ذات النقاط العشرين، التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سبتمبر/أيلول 2025، دون مشاركة أي من ممثلي الشعب الفلسطيني.
اتهامات بتكريس احتلال جديد عبر “مجلس السلام”
وفق المنظمات الفلسطينية، تمنح الفقرة الرابعة من القرار صلاحيات واسعة لـ “مجلس السلام” الذي يرأسه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بما يشمل إدارة الموارد المالية والهجرة والإدارة المدنية وإعادة إعمار غزة. وتقول المنظمات إن هذه الصلاحيات تُشكّل نظامًا إداريًا أجنبيًا مفروضًا على غزة، في ظل غياب أي آلية رقابة أو مشاركة فلسطينية ذات شرعية.
وتشير المؤسسات إلى وجود مخاطر تتعلق باستخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط، خصوصًا مع إشراك جهات مثيرة للجدل مثل “مؤسسة غزة الإنسانية” (GHF).
قوة الاستقرار الدولية (ISF) ومخاوف من عسكرة إدارة غزة
بموجب القرار، تُوكل لـ قوة الاستقرار الدولية (ISF) مهمة نزع سلاح غزة وتنفيذ الخطة الأميركية. وترى المنظمات أن هذه المهمة لا تستند إلى أساس قانوني دولي، وتتناقض مع البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الذي يؤكد حق الشعوب في مقاومة الاحتلال والهيمنة الاستعمارية.
كما حذّرت من تعاون القوة الجديدة مع ميليشيات محلية سبق اتهامها بدعم عمليات عسكرية ضد المدنيين، معتبرة أن ذلك يعزز المخاطر على السكان.
استمرار السيطرة الإسرائيلية على “المنطقة الأمنية”
بحسب المؤسسات الفلسطينية، يستمر الجيش الإسرائيلي في تمركزه داخل ما يسمى “المنطقة الأمنية” على طول قطاع غزة، الأمر الذي يرسخ السيطرة الفعلية على المجالين الجوي والبحري الفلسطينيين، ويمهّد — وفق المنظمات — لمسار ضم جديد وتكريس نظام الفصل العنصري والتهجير القسري.
اتهامات للأمم المتحدة بالتواطؤ في تقويض القانون الدولي
انتقدت المنظمات نص القرار لعدم تضمّنه أي بنود تتعلق بمساءلة إسرائيل عن الانتهاكات الموثقة، بما في ذلك الأفعال التي تصفها منظمات حقوقية بأنها ذات طبيعة إبادة جماعية. وترى المنظمات أن القرار يطبع “الجرائم التاريخية” ويتجاهل قرارات الأمم المتحدة السابقة، ولا يعترف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
تعارض مع آراء محكمة العدل الدولية
تقول المؤسسات إن القرار 2803 يتعارض مع الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية، خصوصًا رأي أكتوبر/تشرين الأول 2025 الذي شدد على ضرورة ضمان وصول غير مقيّد للمساعدات الإنسانية عبر الأونروا. فالقرار — وفق المنظمات — يمنح مجلس السلام سلطة التحكم في إدخال المساعدات وتوزيعها دون سقف واضح للكميات.
مخاوف من استغلال الموارد الطبيعية وإغراق غزة بالديون
وانتقد البيان الأمم المتحدة لتمريرها القرار، معتبرًا ذلك تواطؤًا مباشرًا في الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، وتجاهلًا كاملًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. وقالت المؤسسات إن القرار يطبع الجرائم التاريخية ويستبعد أي بنود للمساءلة، ولا يذكر الانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة رغم اتساع الأدلة بشأنها، ما يشكّل، بحسب البيان، تراجعًا خطيرًا في التزامات مجلس الأمن.
وقالت المؤسسات إن القرار يضرب وحدة الأراضي الفلسطينية ويعمّق التفتيت المفروض على قطاع غزة، ويقصي الفلسطينيين بالكامل عن أي دور حقيقي في إعادة الإعمار التي ستخضع لسيطرة جهات دولية ومقاولين أجانب. كما حذّرت من أن التوجه نحو تمويل الإعمار عبر قروض من مؤسسات مالية دولية سيغرق غزة في الديون ويكرّس التبعية الاقتصادية، بينما يفتح الباب لاستغلال الموارد الطبيعية في المنطقة البحرية لغزة من دون ضمانات لحماية حقوق الفلسطينيين فيها.
وأشار البيان إلى أن القرار يتعارض مع الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية، خصوصًا رأي أكتوبر/تشرين الأول 2025 الذي شدد على ضرورة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة دون قيود عبر وكالات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها الأونروا، بينما يمنح القرار الجديد مجلس السلام سلطة إدارة المساعدات وتوزيعها من دون تحديد كمياتها، وهو ما يسمح باستخدامها كأداة ضغط تُمكّن استمرار الانتهاكات.
كما تجاهل القرار حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، في مخالفة واضحة لقرارات الأمم المتحدة، رغم أن غالبية سكان غزة هم من اللاجئين منذ عام 1948. وشددت المؤسسات على أن القواعد الآمرة في القانون الدولي، وعلى رأسها حق تقرير المصير، تسمو على أي قرار يصدر عن مجلس الأمن إذا تعارض معها.
وفي ختام بيانها، دعت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني الدول إلى رفض تنفيذ القرار 2803، واتخاذ خطوات عملية تضمن حماية الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال والفصل العنصري، وإقامة آليات دولية مستقلة للمساءلة، وضمان مشاركة الفلسطينيين في إدارة الإعمار، وفرض عقوبات على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي.
ووقعت على البيان شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية ومجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية.
