يشارك الأطفال الفلسطينيون في أنشطة مهرجان غزة السينمائي، وهو فعالية صُممت لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي ولحظات من الفرح للأطفال الذين يعيشون في ظل ظروف إنسانية قاسية في حي الرمال بمدينة غزة، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
و من خلال العروض والأنشطة التفاعلية، قدّم المهرجان راحةً وسعادةً نادرة للأطفال المتضررين من الأزمة المستمرة، وبينما يحتفي العالم في 20 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بـ"يوم الطفل العالمي"، للتأكيد على حق الأطفال في الحماية والتعليم والحياة الكريمة، تحضر مأساة أطفال فلسطين هذا العام بأقسى صورها، في ظل حرب مدمّرة وحصار خانق تركا آثارًا عميقة على حياتهم وأمنهم النفسي والجسدي ومستقبلهم التعليمي.

أرقام صادمة: آلاف الشهداء والجرحى من الأطفال
وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية أكدت في بيان لها لمناسبة يوم الطفل العالمي، أن أكثر من 19 ألف طفل وطفلة من طلبة المدارس ارتقوا شهداء، ونحو 28 ألفًا أُصيبوا بجروح متفاوتة الخطورة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، في العدوان الإسرائيلي الذي تصفه المؤسسات الفلسطينية بـ"حرب الإبادة الجماعية".
وأشار البيان إلى تضرر مئات المدارس ورياض الأطفال ومراكز الطفولة ودور الحضانة والملاعب، بشكل كامل أو جزئي، في قطاع غزة والضفة الغربية، ما حوّل الكثير من المؤسسات التعليمية إلى ركام أو مراكز إيواء للنازحين، وأفقد مئات آلاف الطلبة حقهم في بيئة تعلم آمنة ومستقرة.
من جهتها، أوضحت وزارة التنمية الاجتماعية أن أكثر من 18 ألف طفل استشهدوا، وأن نحو 4700 طفل وامرأة ما زالوا في عداد المفقودين تحت الأنقاض، إضافة إلى قرابة 50 ألف طفل فقدوا أحد الوالدين أو كليهما، ما ضاعف الاحتياجات الاجتماعية والنفسية والإنسانية في المجتمع الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة.

حقوق الأطفال بين النصوص الدولية وواقع الحرب
تذكّر وزارة التربية في بيانها بأن يوم الطفل العالمي خُصص دوليًا للتأكيد على حقوق الأطفال في الحماية والتعليم والكرامة والرعاية واللعب، كما نصت عليها المواثيق الدولية، وعلى رأسها "إعلان حقوق الطفل" الصادر عام 1959 و"اتفاقية حقوق الطفل" المعتمدة عام 1989.
وأكدت أن أطفال فلسطين "لا يطالبون بأكثر من حقهم الطبيعي في العيش بكرامة في بيئة آمنة ومستقرة تضمن لهم تعليمًا حرًا وآمنًا ونوعيًا"، مشددة على أن استمرار استهداف المدارس وطرقات الوصول إليها، وحرمان الأطفال من مقاعد الدراسة، يمثل انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وبيّنت الوزارة أن ما يجري في غزة والضفة الغربية والقدس والمناطق المصنفة "ج" يتجاوز لغة الأرقام الباردة، فهو "حكايات لأطفال قُطعت أحلامهم فجأة، وطموحات تبددت تحت ركام المنازل والمدارس، وذكريات علقت بين صفوف دراسية مهدمة وملاعب لم تعد صالحة للعب".

عدوان وحصار: الواقع الإنساني للأطفال في غزة والضفة
وزارة التنمية الاجتماعية وصفت اليوم العالمي للطفل هذا العام بأنه "يأتي في ظل آثار خطيرة للعدوان على غزة والضفة، حيث يعيش الأطفال أوضاعًا إنسانية قاسية تفتقر إلى أساسيات الحياة".
وأوضحت أن استمرار الحصار ونقص الغذاء والدواء أدى إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وتراجع القدرة على تقديم العلاج في المستشفيات والمراكز الصحية، في ظل تدمير البنية التحتية الصحية واستهداف الطواقم الطبية.
وأشارت إلى أن المئات من المدارس في غزة دمرت أو حُولت إلى مراكز إيواء، ما تسبب بتعطل العملية التعليمية، وحرمان آلاف الطلبة من بيئة تعليمية آمنة، وتحوّل الصفوف الدراسية إلى أماكن مزدحمة بالنازحين، بما يحرم الأطفال من حقهم في التعلم واللعب في آن واحد.
وتابعت الوزارة أن أكثر من 350 طفلًا يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي في ظروف تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير الحماية والرعاية، في انتهاك واضح لاتفاقية حقوق الطفل التي تحظر اعتقال الأطفال تعسفيًا أو تعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة.

صدمات نفسية وعنف أسري وتزايد عمالة الأطفال
لا تقف معاناة الأطفال عند حدود القصف والنزوح، بل تمتد إلى الفضاء الأسري والاجتماعي. فقد سجّلت المديريات الميدانية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية ارتفاعًا في بلاغات العنف النفسي والجسدي والإهمال، نتيجة الفقر والنزوح والصدمات العميقة التي لحقت بالأسر المتضررة.
وبيّنت الوزارة أن تدمير المدارس، وتركّز العائلات في مراكز إيواء مكتظة، وفقدان مصادر الرزق، أدت جميعها إلى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي، واضطرار بعض الأطفال للانخراط في أعمال شاقة لإعالة أسرهم، في ظل انعدام الدخل أو فقدان المعيل.
وحذرت من تزايد ظاهرة عمالة الأطفال في غزة والضفة الغربية، بما تحمله من مخاطر صحية وتعليمية واستغلال محتمل، مؤكدة أن فرق الحماية الاجتماعية تتابع هذه الحالات قدر المستطاع، رغم صعوبات الوصول إلى العديد من المناطق المنكوبة، خاصة في قطاع غزة.
وزيرة التنمية الاجتماعية د. سماح حمد أشارت إلى أن "العدوان والحصار خلّفا آثارًا عميقة على الطفولة الفلسطينية لن تُمحى بسهولة"، مؤكدة أن الوزارة تعمل، بالتعاون مع شركائها المحليين والدوليين، على توسيع خدمات الحماية والدعم النفسي والاجتماعي، وتقديم المساعدات الطارئة للعائلات، رغم شح الإمكانات والانتهاكات المتكررة لبيئة العمل الإنساني.

شهادة أممية: وضع كارثي لأطفال غزة
من جهتها، تواصل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" التحذير من التداعيات الكارثية للوضع الإنساني في قطاع غزة على الأطفال، مجددة دعوتها إلى وقف إطلاق نار إنساني فوري، لحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وضمان الوصول الآمن والمستدام للمساعدات.
وتشير تقديرات اليونيسف إلى أن أكثر من مليون طفل يعيشون في قطاع غزة في ظروف مدمرة، تتسم بالدمار الواسع النطاق، والهجمات المتواصلة، والنزوح المتكرر، والنقص الحاد في الأساسيات، مثل الغذاء والماء والأدوية.
وتؤكد المنظمة أن "لا ملاذ آمنًا للأطفال في غزة"، إذ قُتل وجُرح آلاف الأشخاص، بينهم عدد كبير من الأطفال، وشُرد نحو 1.7 مليون شخص، كثير منهم هجّروا عدة مرات، ودُمرت منازلهم وتشتتت عائلاتهم، ما ترك آثارًا نفسية عميقة قد تمتد لسنوات طويلة.
وتوضح اليونيسف أن الأطفال في غزة يواجهون اليوم "الآثار المميتة للأمراض وسوء التغذية"، بعد حرمانهم من المياه النظيفة والغذاء الكافي والرعاية الصحية الأساسية، بفعل استمرار الأعمال العدائية وتقييد دخول المساعدات.

دعوات للحماية والمساءلة وتعافي التعليم
وزارة التربية والتعليم دعت، في بيانها، إلى توفير حماية عاجلة للأطفال وطلبة المدارس في فلسطين، ودعم جهود الإغاثة والتعافي التعليمي لأطفال وطلبة غزة، وإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية في المناطق المتضررة، بما يضمن استئناف العملية التعليمية في بيئة آمنة تراعي الاحتياجات النفسية للطلبة والمعلمين.
كما شددت على ضرورة توسيع برامج الدعم النفسي والاجتماعي في المدارس والمجتمعات المحلية، للتعامل مع الصدمات المتراكمة التي عاشها الأطفال، ومواصلة الاستثمار في تعليم نوعي عادل يعزّز منعتهم وصمودهم، ويمنحهم الأمل في مستقبل أفضل رغم قسوة الواقع.
وفي السياق نفسه، دعت وزارة التنمية الاجتماعية المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، والتحرك الجاد لوقف الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري وآمن ومستدام، مع التركيز على احتياجات الأطفال الأكثر هشاشة.
وطالبت الهيئات الحقوقية الفلسطينية والدولية بتوثيق جرائم استهداف الأطفال ورفعها إلى المحافل القضائية الدولية، باعتبارها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مؤكدة أن "استمرار الإفلات من العقاب يشجع على مزيد من الانتهاكات ويُبقي حياة الأطفال مهددة في كل لحظة".

يوم الطفل العالمي من غزة: نداء لحماية الطفولة لا للاحتفال بها فقط
في المحصلة، يأتي يوم الطفل العالمي هذا العام بالنسبة لفلسطين ليس مناسبة احتفالية، بل منصة لرفع صوت الأطفال الذين حُرموا من أبسط حقوقهم، بين شهيد وجريح ومفقود وأسير ويتيم ونازح.
أطفال فلسطين، كما تؤكد بيانات وزارتي التربية والتنمية ومنظمات الأمم المتحدة، يعيشون اليوم واحدة من أقسى اللحظات في تاريخ الطفولة المعاصر، حيث يتقاطع القصف مع الجوع، والنزوح مع الحرمان من التعليم، والصدمات النفسية مع غياب الأفق السياسي.
وفي هذا اليوم الذي تتزين فيه شعارات العالم بكلمات "الحماية" و"التعليم" و"الكرامة"، يذكّر الواقع في غزة والضفة الغربية والقدس بأن حقوق الطفل ليست نصوصًا على الورق فحسب، بل التزامًا أخلاقيًا وقانونيًا يتطلب تحركًا دوليًا جادًا لوقف الحرب والحصار، وضمان بيئة آمنة لكل طفل فلسطيني، كي يعود إلى مقعد الدراسة وملعب الحي وحضن أسرته، لا إلى قائمة الضحايا أو سجلات المفقودين.
تقرير مصور بعدسة (عمر أشتوي) لأنشطة مهرجان غزة السينمائي، وهو فعالية صُممت لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي ولحظات من الفرح للأطفال الذين يعيشون في ظل ظروف إنسانية قاسية في حي الرمال بمدينة غزة، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.





















