الازدحام وندرة المركبات …تفاقم أزمة المواصلات في غزة

حي الشيخ رضوان في غزة، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2025

 يهتز جسد أحمد زقوت فوق عربة يجرها حمار، بينما يشق طريقه صباحاً عبر شارع مليء بالحفر والأنقاض في وسط غزة، في مشهد بات مألوفا لسكان القطاع الذين أضطر الكثير منهم إلى استخدام وسائل نقل بدائية، وسط نقص حاد في المركبات وارتفاع كبير في أسعار الوقود.

ويقول زقوت (24 عاما) والذي يعمل في برمجة التطبيقات الإلكترونية لوكالة أنباء ((شينخوا)) "أحيانا أنتظر طويلا للذهاب إلى المكان الذي أريده، رحلة عملي اليومية أصبحت معاناة حقيقية، وغالبا ما أصل متأخرا بسبب أزمة المواصلات".

ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 2023، بات سكان غزة يواجهون صعوبات كبيرة في التنقل بعد تدمير معظم الطرق الرئيسية والفرعية، إضافة إلى فقدان عدد كبير من المركبات التي كانت تشكل العمود الفقري لحركة النقل اليومية.

وترافق ذلك مع ارتفاع حاد في أسعار الوقود وتعرفة المواصلات إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعل التنقل اليومي تحدياً إضافياً للسكان في الوصول إلى أماكن العمل والمدارس والمستشفيات وتأمين احتياجاتهم الأساسية.

ومع تراجع عدد المركبات العاملة، انتشرت وسائل بدائية مثل عربات "الكارو" والعربات الصغيرة "التوك توك" التي أصبحت بديلا لوسائل النقل التقليدية، في مشهد يعكس حجم الأزمة وصعوبة التنقل داخل القطاع.

ويقول المهندس المعماري توفيق العاصي (37 عاما) لـ((شينخوا)) "اضطررت إلى المشي على قدمي لقضاء احتياجاتي، وسائل النقل الحالية محفوفة بالمخاطر ولا تتوفر فيها أدنى مقومات الأمان".

ويضيف "الشوارع مليئة بالحفر والركام، وركوب المركبات الحالية غير آمن، فضلاً عن ارتفاع الأسعار بشكل كبير".

ويؤكد العاصي أن الوقت الذي يحتاجه السكان للتنقل بين مناطق القطاع تضاعف مقارنة بما قبل الحرب، وهو ما يعكس الأثر اليومي للأزمة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

من جانبه، يستذكر السائق محمد الخالدي (50 عاماً) المشهد قبل الحرب، قائلا "كانت مفترقات غزة تعج بالمركبات، أما اليوم فقد اختفت تقريباً، وحلت مكانها عربات "الكارو" و"التوك توك"، مشيرا إلى أنه يعمل منذ 25 عاماً، ولم يشهد أزمة بهذا الحجم، حتى خلال سنوات الحصار الطويلة.

ويضيف الخالدي أن سيارته كانت تنقل أربعة ركاب قبل الحرب، أما الآن فيضطر إلى تحميل أعداد أكبر لتغطية تكاليف الوقود وقطع الغيار، بعد ارتفاع سعر لتر السولار إلى نحو 100 شيقل (30.5 دولار).

ويقول إن بعض السائقين لجأوا إلى استخدام زيت الطهي أو السولار الصناعي المنتج محليا رغم الأضرار التي قد تلحق بالمركبات.

ومع تراجع وسائل النقل التقليدية، لجأ العديد من السكان إلى حلول بديلة، مثل الدراجة الهوائية، ويقول محمد قاسم، وهو شاب يعمل في مخبز، لـ ((شينخوا)) "قبل الحرب لم أفكر في استخدام الدراجة، لكنها اليوم وسيلتي الأساسية لأنها توفر الوقت وتجنبني الازدحام".

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بلغت الخسائر الأولية في قطاع النقل نحو 2.8 مليار دولار، مع تدمير أكثر من ثلاثة ملايين متر طولي من الطرق.

كما تشير وزارة النقل والمواصلات إلى أن الجيش الإسرائيلي دمر خلال الحرب التي استمرت قرابة عامين نحو 55 ألف مركبة، أي ما يعادل 60 % من المركبات المرخصة في القطاع.

ويقول المتحدث باسم الوزارة، أنيس عرفات، لـ((شينخوا)) إن تدمير هذا العدد الكبير من المركبات أثر مباشرة على قدرة المواطنين على التنقل، وتسبب في فقدان غالبية السائقين مصدر رزقهم.

ويرى المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أن الأزمة "ألحقت أضراراً كبيرة بالاقتصاد المحلي"، موضحاً أن ارتفاع تكاليف النقل وفقدان آلاف السائقين لأعمالهم "انعكس على الحركة التجارية والقدرة الإنتاجية في القطاع".

وتشير البيانات الحكومية إلى أن الطلب على النقل يفوق العرض بشكل كبير في ظل نقص المركبات وارتفاع أسعار الوقود، ما يجعل الأزمة مستمرة وتؤثر على الاستقرار المعيشي للسكان.

ورغم مساعي الجهات المحلية ومنظمات المجتمع المدني للتخفيف من آثار الأزمة عبر تقديم دعم محدود للسائقين وتشجيع استخدام بدائل النقل، إلا أن التحديات تبقى كبيرة مع استمرار تدمير الطرق ونقص قطع الغيار وارتفاع الأسعار.

ويؤكد سكان أن الأزمة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى الأبعاد الإنسانية، إذ يعاني كثيرون من التأخر في الوصول إلى أعمالهم ومدارسهم ومراكز العلاج، ما يزيد من وطأة الحياة اليومية في قطاع يواجه ظروفاً معيشية صعبة.

وتبقى أزمة المواصلات في غزة واحدة من أبرز تداعيات الحرب، إذ يشكل نقص المركبات وارتفاع أسعار الوقود وتردي الطرق، تحدياً يومياً للسكان الذين يعتمد كثير منهم على وسائل بديلة مثل الكارو والدراجات الهوائية وسط غياب حلول قريبة لتحسين حركة النقل في القطاع.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - غزة (شينخوا)