يواصل الفيلم الوثائقي «بين عالمين» للمخرج الفلسطيني إياد أبو روك إحراز حضور لافت في المشهد السينمائي الدولي، بعد سلسلة من المشاركات المميزة في مهرجانات عالمية، وترشيحه للعرض في محافل ثقافية كبرى داخل أوروبا وخارجها. ويأتي هذا الاهتمام المتزايد ليؤكد موقع السينما الفلسطينية في الخطاب الإنساني العالمي، وقدرتها على الوصول إلى جمهور واسع حين تُروى قصصها بصدق وعمق بصري.
الفيلم، من إنتاج شركة «روك آرت برودكشن» وإخراج إياد أبو روك، تبلغ مدته خمسة وثلاثين دقيقة، وتم تصويره بالكامل في النرويج خلال العام الماضي. ويرصد العمل حوارًا إنسانيًا بين جيلين فلسطينيين عاشا المنفى بطرق مختلفة: جيل يسير نحو السبعين ممثلاً بشخصية يحيى آل كلاب، الذي يحمل ذاكرة المنفى الطويل، وجيل المخرج نفسه الذي يعيش تجربة الاغتراب والبحث عن هوية جديدة في أوروبا.
يعتمد الفيلم على بناء بصري شاعري يدمج بين المشهد الطبيعي في النرويج وصوت الذاكرة القادمة من فلسطين، ليعكس حالة العيش «بين عالمين» — عالم الجذور الذي لا يغادر الروح، وعالم الحياة الجديدة الذي يفرض شروطه وأسئلته. ومن خلال لقطات هادئة ومساحة كبيرة للتأمل، يقدّم العمل سردًا إنسانيًا بعيدًا عن اللغة السياسية الصاخبة، مقتربًا من التجربة الفردية بوصفها جزءًا من الرواية الفلسطينية العامة.
وشارك الفيلم مؤخرًا في مهرجان الثقافة الدولي بمدينة كراتشي – باكستان، حيث حظي باهتمام واضح من الجمهور وصنّاع السينما، خصوصًا لتجسيده العلاقة بين الذاكرة والمنفى، ولقدرته على خلق جسر شعوري بين فلسطين والنرويج من دون خطاب مباشر. كما تم ترشيح الفيلم للعرض في كندا ضمن فعاليات مهرجان دولي آخر، مما يعكس توسع دائرة الاهتمام العالمي بالأفلام التي تتناول قضايا الهوية واللجوء والذاكرة من منظور إنساني.
وفي تصريح للمخرج إياد أبو روك، أكد أن الفيلم «محاولة لإعادة بناء الجسر المقطوع بين الماضي والحاضر، بعيدًا عن ثنائية الضحية والجلاد، ومقتربًا من جوهر الإنسان داخل التجربة». وأضاف أن استقبال الجمهور للفيلم في باكستان وكندا «كان بمثابة دليل جديد على قدرة القصة الفلسطينية على ملامسة المشاهد أينما كان، حين تُروى بلغة صادقة وصورة قريبة من القلب».
ويُعرف أبو روك بحضوره المتنامي في المشهد السينمائي النرويجي، وبأسلوبه الذي يمزج الواقعية بالشاعرية، ويمنح الشخصيات مساحة واسعة للتعبير عن تجاربها دون تدخل. كما يعمل منذ سنوات على تطوير مشاريع وثائقية تتناول قضايا الإنسان والهوية والذاكرة، مما جعله ضمن الأصوات الجديدة المؤثرة في السينما الفلسطينية المعاصرة في المهجر.
«بين عالمين» يشكل خطوة جديدة في مسيرة أبو روك الإبداعية، ويعزز المكانة التي باتت تحتلها السينما الفلسطينية في المهرجانات الدولية، حيث تتقدم الرواية الإنسانية على كل خطاب آخر، ويصبح الفن مساحة لبناء جسور جديدة بين الشعوب والثقافات
