الاحتلال يواصل خرق وقف إطلاق النار في غزة… تصعيد ميداني، مفاوضات متعثرة، وقلق إنساني وسياسي متزايد

خيام النزوح المنتشرة وسط الدمار في شمال مدينة غزة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

يواصل الجيش الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي دخل حيّز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مع تسجيل تصعيد عسكري واسع في عدة مناطق من القطاع، بالتوازي مع حراك سياسي وأمني إقليمي، وملفات إنسانية وقضائية مفتوحة داخل إسرائيل وخارجها.

تصعيد متواصل جنوب وشرق القطاع

في اليوم الثاني والخمسين منذ بدء وقف إطلاق النار، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل "أكثر من 40 مسلحاً" خلال غارات وتفجيرات استهدفت أنفاقاً في منطقة رفح جنوب قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة، في مؤشر على استمرار العمليات العسكرية في محيط المدينة الحدودية رغم التفاهمات المعلنة.

وفي المناطق الشرقية من خانيونس، داخل ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، شهد صباح الاثنين تصعيداً جديداً، حيث قصفت المدفعية الإسرائيلية عدّة نقاط بشكل مكثّف، تزامناً مع إطلاق نار من مروحيات حلّقت على ارتفاع منخفض في سماء المنطقة، ما يعكس اتساع رقعة التوتر في المحور الشرقي للمدينة.

وعلى طول "الخط الأصفر" شرقي قطاع غزة، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي غارات استهدفت أحياء سكنية في الشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة، عبر قصف صاروخي طاول عدداً من المواقع، وسط استمرار حالة القلق بين السكان من انهيار أوسع لاتفاق وقف إطلاق النار الهش.

عمليات بحث مشتركة عن جثة أسير إسرائيلي

موازاة مع التصعيد الميداني، تتواصل الجهود للعثور على جثة أسير إسرائيلي داخل "الخط الأصفر" في شمال القطاع، حيث تعمل فرق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتنسيق مع كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في مناطق عدة بينها بيت لاهيا ومخيم جباليا.

وأكدت مصادر أن طواقم القسام والصليب الأحمر بدأت فعلياً عمليات بحث ميدانية في جباليا شمال القطاع، في إطار تفاهمات مرتبطة بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تشمل ملفات الأسرى والمفقودين.

ملف مقاتلي رفح وضغوط تركية حول جثة غولدين

في السياق ذاته، كشف عضو المكتب السياسي لحركة حماس، حسام بدران، أن الحركة أجرت مفاوضات عبر الوسطاء مع إسرائيل لحل قضية مقاتلي كتائب القسام المحاصرين في أنفاق رفح، لكنها واجهت – بحسب قوله – "مماطلة إسرائيلية وشروطاً تعجيزية وتراجعاً عن مقترحات سابقة".

من جهة أخرى، أفادت هيئة البث الإسرائيلية "كان-11" بأن تركيا حاولت الضغط على حماس لعدم إعادة جثة الجندي الإسرائيلي هدار غولدين إلى إسرائيل، في محاولة لربط الملف بمصير عناصر حماس العالقين في أنفاق رفح، الأمر الذي يعكس تشابك الملفات الإنسانية والعسكرية في المفاوضات الجارية.

حماس و"اليوم التالي": رفض لمجلس السلام وتخوف من تقسيم غزة

تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن حركة حماس تسعى إلى تثبيت حضورها في ما يُسمى بـ"اليوم التالي" في غزة، خلال مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار. وتُبدي الحركة مخاوف من سيناريو تقسيم القطاع إلى "مناطق خضراء وحمراء"، بما يحدّ من نفوذها وسيطرتها على الأرض.

ونُقل عن مسؤول كبير في حماس وصفه لـ"مجلس السلام" المطروح في الخطة السياسية بأنه "مجلس وصاية واحتلال"، في إشارة إلى رفض الحركة لأي صيغة ترى فيها محاولة لفرض إدارة خارجية على غزة، سواء كانت دولية أو إقليمية أو برعاية أطراف غربية.

تحرّك أمني إقليمي: مباحثات الشاباك في القاهرة

على المستوى الأمني، عقد رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، دافيد زيني، جولة مباحثات في القاهرة مع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، حسن رشاد، تناولت ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك ملفات الأسرى، وترتيبات الميدان، ومستقبل الوضع الأمني على الحدود مع غزة.

وتأتي هذه المباحثات في ظل دور مصري محوري في الوساطة بين حماس وإسرائيل، ومحاولة تجنيب القطاع انهياراً كاملاً للتهدئة الهشة، وسط ضغوط دولية متزايدة لتثبيت وقف إطلاق النار وتوسيع مسارات الإغاثة وإعادة الإعمار.

آلاف المفقودين ومعاناة عائلاتهم

إنسانياً، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن آلاف السكان في قطاع غزة لا يزالون يجهلون مصير ذويهم وأماكن تواجدهم، في ظل استمرار النزاع وتأثيراته العميقة على المدنيين.

وأشار الصليب الأحمر إلى أن غياب المعلومات حول المفقودين يسبب قلقاً واسعاً ومعاناة نفسية كبيرة للعائلات، داعياً الأطراف المعنية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد أماكن المختفين وتبادل المعلومات بشكل آمن ومنظّم، باعتبار ذلك التزاماً إنسانياً وقانونياً.

وفي غزة أيضاً، أعلنت وزارة الصحة، الإثنين، عن قرار دفن 15 شهيداً كانت جثامينهم محتجزة لدى إسرائيل، بعد تعذر التعرّف عليهم، في خطوة تهدف إلى إنهاء معاناة العائلات بانتظار إجراءات طويلة، مع الالتزام بالمعايير الإنسانية والدينية خلال عملية الدفن.

مزارعون يعودون إلى أراضيهم شرق خانيونس رغم القصف

على الصعيد الميداني اليومي، عاد عدد من المزارعين الفلسطينيين إلى زراعة أراضيهم شرق خانيونس، رغم تعرض تلك المناطق مراراً للقصف خلال الحرب، التي يصفها الفلسطينيون بأنها "حرب إبادة".

ويؤكد المزارعون أن هذه العودة تحمل رسالة صمود وتمسك بالأرض، إلى جانب محاولة توفير مصادر رزق في ظل انهيار اقتصادي واسع في القطاع. وتأتي هذه الخطوة في وقت تستمر فيه المخاطر الأمنية، ما يجعل العمل الزراعي نفسه نوعاً من التحدي في مواجهة سياسات التدمير والتهجير.

قلق متزايد في مستوطنات "غلاف غزة"

على الجانب الآخر من الحدود، أفادت القناة 12 الإسرائيلية بوجود مخاوف متصاعدة بين مستوطني "غلاف غزة"، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي إلغاء منظومات دفاع جوي على مسافة تتراوح بين 4 و7 كيلومترات من حدود القطاع.

القرار، الذي قالت القناة إنه يأتي في إطار إعادة انتشار لوحدات الجيش وإعادة تنظيم منظومات الدفاع، أثار حالة قلق واسعة بين سكان تلك المناطق، الذين يخشون أن يؤدي تقليص الدفاعات إلى تعريضهم لخطر أكبر في حال تجدد التصعيد، في ظل استمرار حالة التوتر على طول الحدود مع القطاع.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - قطاع غزة - القدس المحتلة