قاهرة السعدي: سأسمي مولودتي الجديدة لينا

 


تنهض المحررة قاهرة السعدي صبيحة كل يوم ليس استعدادا لعدد الادارة وان ما  زالت تتذكره وتتحدث عنه لزوجها وابناءها الاربعة كلما دقت الساعة السادسة صباحا ،معلنة بداية يوم جديد في رحلة العذاب التي اغلقت بحكم مؤبد لثلاث مرات ، فقضت  عشر سنوات تكتوي بنيران العذاب والألم  والمعاناة وسط الدعوات والامنيات فاستجاب الله لدعاءها ، وكانت على موعد مع الحرية في الدفعة الاولى من صفقة "الوفاء للاحرار" التي وقعتها حركة حماس وإسرائيل , وفي يوميات حياتها وهي تواصل المشوار نحو التحرر من لحظات ما زالت تؤثر فيها وخاصة على صعيد المرض ، تتذكر قاهرة في اليوم الأول من العام الجديد ،أمنياتها التي تحدتث عنها في نفس المناسبة من العام الماضي وكررتها في آخر لقاء نشر  قبل خمس شهور في ذكرى اعتقالها، وفيه تحدثت عن أمنيتها قائلة "نأمل  أن يتذكرنا العالم  بصلاة أو دعاء أو صرخة أو كلمة حق  أو يشاركوا أطفالنا إضاءة شموع الأمل لحرية كاملة غير منقوصة بكرامة ، حرية  لن نساوم عليها ولن نتنازل أو نتخلى عنها ، وإن لم تكن اليوم ففي الغد القريب ، فالصبر رفيقنا والدعاء سلاحنا ولن نفقد الأمل ما دام الله معنا" ، لتضيف عليها اليوم قائلة " الحمد لله الذي استجاب لجزء من دعواتي،ونشكر المقاومة على الانجاز العظيم الذي حررنا بالصمود والتضحيات والثبات فكسرت المعايير وجعلت المستحيل حقيقة،لقد كان  سر صمودنا وسلاحنا في مدافن الأحياء هو الإيمان والانتماء والدعاء والصبر والأمل ولذلك كان الله معنا وكرمنا بالفرج ، لكن ما زال هناك جرح ينزف في قلبي لان هناك اخواتي واخواني ما زالوا يتجرعون الألم خلف القضبان وفي مقدمتهم أقدم أسيرة لينا الجربوني وهم مثلنا  يحلمون بالأمل ، ولن نشعر براحة أو سعادة حتى ننتصر لحقهم في الحرية" ،وأضافت " أقول لهم ولأختي لينا، نعم مهما طال ليل الظلم ، موعدنا مع الحرية قريب ، فرقوا الأجساد وأرواحنا تحتفل بنفس تقاليدنا وطريقتنا في العام الجديد، كما كانت في كل عام ، فما زلنا معكم ولن نتحرر دون حريتكم  ".


 


العام الماضي في السجن..


 تتذكر ورغم انهماك قاهرة في ترتيب أمور حياتها ومنزلها الذي انتهت من تأثيته وتجهيزه لتحتضن أبنائها الذين دفعوا الثمن الأكبر في غيابها،فإنها في العام الجديد تتذكر  تفاصيل هذا اليوم في العام الماضي في الأسر حيث  كانت تعيش مع رفيقة دربها لينا الجربوني في غرفة واحدة في  سجن "هشارون".


 


وتقول " في مثل هذا اليوم وعلى مدار عشر سنوات،عشت مع لينا في غرفة واحدة ، وتقاسمنا مع كل الأسيرات  مرارة السجن وقساوة السجان التي  جعلت كل الأعياد والمناسبات والأيام  واحدة،ففيها كنا نبكي ألما وحنينا لشوقنا لأهلنا والحرية،ودوما كنا نتساءل  لماذا نعيش في  سجن ونحرم من ابسط حقوقنا وأحلامنا ، أحلامنا لم تكن معقدة بل  كانت ككل إنسان على وجه الأرض،أن نمارس طقوس حياتا بأمان، نعيش ونتحرك ونحلم بأمان ، ونعانق الحرية ونلتقي بأحبتنا ونعيش معهم ونضحك ونفرح ونحتفل بالاعياد".


 


وتضيف " لم نكن نعرف طعم النوم أو الراحة وآلاف الأسئلة تخنقنا و دوما نتساءل هل من يتذكرنا في هذه المناسبات  لأن حياتنا وأرواحنا كانت تعيش دوما معهم وكان شغلنا الشاغل هم، ويرافق ذلك منغصات الاحتلال لأنه كان يحاول أن يحرمنا أحلامنا وينغص علينا حتى لحظة الفرح ولو تمكنوا أن يقطعوا عنا الهوى لقطعوه".


 


وبينما كان العالم يحتفل بعامه الجديد،وأعياده بطرق مختلفة ، تقول المحررة قاهرة " في الأسر،كنا نحتفل بقلوب تبكي لأن كل شيء ممنوع حتى الحلويات ممنوعة ، كنا نجهزها بطريقتنا ونحاول أن نتجاوز لحظة الأسر بالأغنيات والأناشيد والصلوات،وكنا نسعد عندما نتعاون معا لتصنيع حلوياتنا على طريقتنا لنسترجع لحظات الفرح،ولكن السجانات والسجانين كانوا لنا بالمرصاد،هدفهم التنغيص علينا حتى عندما يشاهدوا بسمة فرح على وجهي كانت تثير غضبهم واستفزازهم ،وعندما يرتفع صوت الدعاء أو النشيد قليلا كانوا يقتحمون الأقسام ويعاقبوننا لأن الفرح في قائمة الممنوعات،ورغم ذلك كنا نصر على الحياة وكسر القيود ورسم الأحلام والآمال، ولكن كثيرة هي الأيام التي قضيناها معاقبين من اجل ذلك  ".


 


العام الجديد في الحرية..


في جنبات منزلها الذي بني حديثا في مخيم جنين بعدما دمر الاحتلال منزل زوجها في مجزرة نيسان 2002 ، تسعى قاهرة وزوجها المحرر ناصر السعدي لاستعادة حياتهما بظلال أبناءهما الذين كبروا وأصبح بعضهم في ريعان الشباب محمد(17 عاما (، وساندي التي التحقت بالجامعة، ودنيا ومحمد تحاول أن تعوضهم عن أيام العذاب على بوابات السجون ،فيأتي العام الجديد وقاهرة تواصل تنظيم أمور حياتها، فرحة وهي تقوم بأعمالها المنزلية،تطبخ لأبنائها ما يشتهون،وتصنع لهم الحلوى حتى التي تعلمتها في السجن.


 


وتقول "في هذه الأيام أعيش مشاعر اسعد أم في العالم وأتمنى أن لا يمر إنسان وتحديدا امرأة بتجربة الظلم والسجن والقهر والحرمان،لأن هذه المرحلة كانت من أقسى تجارب حياتي"، وتضيف " كانت عشر سنوات عجاف أسعى لشطبها من ذاكرتي لأنسى الم وحزن  بعدي عن فلذات أكبادي ،فكانت أمنيتي أن أربيهم واراهم يكبرون أمامي، أشاركهم لحظة فرحهم ووجعهم أمام عيني،فقد مرت سنوات عديدة وأنا أراقب نموهم من بعد،وكان ذلك يؤلمني، كنت ادعوا الله أن يمنحني القوة لأكسر قضبان السجن وانتفض على سجاني واحتضنهم دون حاجز، أن اشطب قوانينهم الطاغية ودعوت الله كثيرا وبفضل الدعاء مَن الله علي بالفرج وأنا اليوم فعلا أعيش دوري كأم ، وأملي أن يوفقني الله لأعوض زوجي وأبنائي وتكون حياتنا فرح رغم أن ذلك مستحيل لاستمرار اعتقال أخواتي الأسيرات وإخواني الأسرى وخاصة القدامى وذوي الأحكام العالية والمرضى،استمرار اعتقالهم حزني وألمي المستمر ".


 


تعانق قاهرة ساندي ومحمد ورأفت ودنيا ، وتقول "أنا متفائلة في العام الجديد ،بنيلي الحرية،احد أحلامي تحققت بعد عشر سنوات من الغياب والعذاب والألم والحرمان، فقد عدت لوطني ومدينتي ومخيمي ومنزلي وزوجي وعانقت أولادي الأربعة ،وعدت لأهلي وأحبائي ورغم الفرحة الكبيرة التي تملكتني إلا أن هناك وجع وصرخة تلازمني ، من المستحيل أن أنسى رحلة العذاب التي استمرت  10 أعوام تجرعت فيها كل صنوف الألم مع أخوات وإخوة كانوا في الله لي خير عون ما زالوا يتجرعون هذا الألم ويحلمون كما حلمت بعناق الحرية وهي بإذن الله قادمة وقريبة  ".


 


السجن في عيون قاهرة..


المحررة قاهرة التي انتزعها الاحتلال من بين أبناءها الأربعة في 8-5-2002 ،ليزج بها في غياهب السجون  التي اغتصبت حرية  زوجها وأشقاءها وأعمامها وأقرباءها ، قالت إن " السجن  يعني لها  قبر نعيش فيه أحياء ، ولن أنسى يوما  أوجاعه،وجع الغربة في وطني أصعب شيء، كان أولادي قريبين مني  وفي نفس الوقت حواجز كثيرة تفصل بيننا،سجان غاصب يمنع أم من لمس أبناءها كان ذلك اكبر وجع، لن أنسى محاولات  الذل التي تعرضنا لها ونحن نحاول أن نكابر ونعلو عليه ونتحداه  لكنه موجود في السجن،سجان اصغر منك سنا يتحكم بحياتك ولكنه لا يحترم إنسانيتك وكل القيم والمعايير،كنت ابكي عندما أتخيل شكل أبطالنا وقادتنا المناضلين كبار السن وسجان بمثل عمر أبناءهم ويرغمهم على الوقوف على العدد".


 


وأضافت " اكبر ألمي   يوجعني دوما ولن أنساه سياسة  التفتيش العاري لنا كأسيرات، فقد أعادت مصلحة السجون  فرض هذا القانون الذي يمنح السجان اقتياد الأسيرة إلى غرفة منعزلة وإرغامها على  خلع الملابس وإخضاعها للتفتيش العاري،ولن أنسى أنني كنت دوما ابكي خلال منع أبنائي  من الزيارة خاصة عندما كبروا، علما أنني لدى اعتقالي  تركتهم صغارا ساندي( 8 سنوات( ومحمد (7 سنوات( ورأفت(5 سنوات( ودنيا(3 سنوات( ، ورغم تحرري لا يمكن أن أنسى كل لحظة عذاب في السجن ".


 


احتفال مؤجل..


ورغم تنسمها هواء الحرية،وكسر الصفقة للمعايير وحكمها المؤبد،فان  المحررة قاهرة لن تشارك العالم ونساءه احتفالات الفرح في العام الجديد،وتقول " دوما حلمت بقضاء عيد أو مناسبة سعيدة مع زوجي وأبنائي،وجاءت صفقة الوعد الصادق لتحقق الأمل وتنتصر لأحلامنا،ولكن كان عيد الأضحى صعبا ومؤلما، تماما كما العام الجديد ما زال مناسبة للحزن،فقلبي ما زال خلف الحديد مع كل الأسيرات والأسرى وخاصة رفيقة دربي وعمري لينا الجربوني التي ستبقى قريبا وحدها في السجن،كيف افرح في العام الجديد وصورتها لا تفارق مخيلتي ، فأنا سأعيش نادمة لأنني سمعت كلامهم ووعودهم وتركتها في السجن"،وأضافت "لينا بطلة فلسطينية عظيمة،مدرسة شجاعة ونضال وتحدي وبطولة،أدت واجبها عندما نادى الوطن،ولكن عندما حانت ساعة الحرية تركوها في السجن،إنه شعور مؤلم يلازمني كل لحظة، لأن لينا  كانت يجب أن تكون الأولى وقبلنا جميعا في الصفقة ،ولأن الندم لا يجدي ستكون صلواتي ودعواتي وأمنياتي في كل يوم لحريتها وكل الأسيرات والأسرى فلن تكتمل لوحة الفرح دون حريتهم ".


 


ربيع العام الجديد..


قاهرة التي لم تكن تتوقع أن تتحرر خاصة وأن إسرائيل أعلنت عدة مرات رفض الإفراج عنها،لكنها تعيش حاليا أول أيام العام الجديد في منزلها،بين صور رفيقاتها الأسيرات،والمحررات دون أن تتوقف عن الحديث عنها والعمل لأجل حريتهم جميعا لذلك تقول "رسالتي لم تتغير لأن لوحة أمنياتي لم تكتمل، وعلى رأسها استكمال  الوحدة وإنهاء الانقسام وهي رسالة ونداء كل الأسرى ليكون العام الجديد عام الوحدة لأن تحققها يعني الحرية للأسرى وفلسطين،ولو كان هناك وحدة لكانت نتيجة الصفقة أفضل بكثير،أما الحلم الأكبر، فهو أن نرى ربيع الحرية الذي ينتشر في ربوع الوطن العربي يعم في فلسطين بتحرير الأسيرات والأسرى وتبيض السجون هذه أهم أولوية،ويجب أن تكون في المقدمة "، وأضافت " نأمل أن يكون هناك إستراتيجية واضحة وجدية لأنها الطريق  لتحرر الجميع،وبكل صدق أقول إن القيادة والقوى والفصائل  والمسؤولين قادرين على تحقيق ذلك  بوحدتهم وموقفهم الجدي  سيكون تحرير قريبا حتى لا نترك إسرائيل تستفرد بالأسيرات والأسرى  ".


 


المحررة قاهرة السعدي، ودعت العام الماضي السجن،وتستقبل العام الجديد وهي تشجع كريمتها ساندي على التفوق والنجاح في جامعتها، تتابع باقي أبناءها وتدرسهم ،وتستعد  للالتحاق بالجامعة ومواصلة دراستها،وتواظب على التدريب للحصول على رخصة سياقة، والأهم أنها وزوجها وأبناءها ينتظرون فرحة المولود الجديد، مؤكدة أنها ستسميه لينا إذا كانت بنتا لتبقى لينا معها في كل مكان وزمان ولتكون بشرى بحريتها وكل الأسرى.


 


تقرير/ علي سمودي