لقاءات عمان "الاستكشافية"، الحديث الدائم عن ضرورة عودة المفاوضات مجددا في ظل رفض الحكومة الإسرائيلية وقف أنشطتها الاستيطانية، مصير القضية الفلسطينية بعد الثورات العربية مع انسداد أفق عملية السلام واستمرار حالة الانقسام مع بطء عجلة تطبيق بنود اتفاق المصالحة..
هذه الملفات ناقشتها وكالة قدس نت للأنباء في مقابلة مع الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني د.إبراهيم أبراش في قراءة للوضع السياسي، وما ستحمله الأيام القادمة خاصة بعد تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس عقب لقاءه مع العاهل الأردني باستعداد الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات في حال اعتراف إسرائيل بحدود الدولة الفلسطينية.
ويرى المحلل أبراش أن تصريحات الرئيس أبومازن تعبر عن حالة إحباط شديد وفقدان الأمل بأن تُغير إسرائيل أو واشنطن مواقفهما من المفاوضات، وهي تصريحات جاءت بعد جولة أوروبية لا يبدو أنها كللت بالنجاح، موضحا بانه عندما يُحيل الفلسطينيين القرار النهائي بالنسبة للعودة للمفاوضات لاجتماع لجنة المتابعة العربية في الرابع من الشهر القادم، فإنما يأتي ذلك لعدم قدرتهم على اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن ورغبة الرئيس أبومازن بإشراك العرب في أي قرار.
تنازل أو مرونة…
ويعتقد أبراش أن استعداد القيادة الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات يؤكد على أنه لا بدائل حقيقية أمام الرئيس أبومازن وعند الفلسطينيين بشكل عام، ولكنه يريد أن يصدر هذا القرار من لجنة المتابعة العربية، أو يصدر عن هذه اللجنة ما يسهل عليه اتخاذ قرار العودة للمفاوضات.
ويقول:"هذا تنازل أو مرونة في المطالب الفلسطينية حيث كانت منظمة التحرير تشترط وقف الاستيطان والاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67،والتصريحات الأخيرة لم ترهن العودة للمفاوضات بوقف الاستيطان وحتى بالنسبة للدولة فطالب الرئيس عباس باعتراف إسرائيل بحدود الدولة ولم يقل على حدود 67″ .
خطورة وإضرارا بالقضية…
ويضيف أن القيادة الفلسطينية وبسبب غياب البدائل للمفاوضات وبسبب انشغال العرب والعالم بقضايا الثورات العربية والملف الإيراني والأزمات الاقتصادية (…)، مستعدة للتجاوب مع المبادرة الأردنية ومع الضغوط الأوروبية والأمريكية. مرجحا عدم استبعاد العودة للمفاوضات مجددا "وفي هذه الحالة ستكون المفاوضات أكثر خطورة وإضرارا بالقضية الفلسطينية في ظل وجود حكومة نتنياهو".
وفيما يتعلق باللقاءات "الاستكشافية" التي تجرى في عمان لإحياء ملف المفاوضات وهل فشلت في إحراز التقدم المأمول لاستعادة مسار عملية السلام، يقول أبراش" لم تفشل الجهود الأردنية بل مهدت الطريق لعودة فلسطينية غير مُهينة لطاولة المفاوضات".
ويشير إلى أن التسوية بالأساس وبشكل عام لم تفشل، فهناك فرق بين القول بتوقف المفاوضات والقول بفشل التسوية السلمية، في ظل غياب البدائل وإصرار القيادة الفلسطينية على أن المفاوضات خيار استراتيجي وفي ظل الانقسام وفي ظل نفس الفريق المفاوض ونخبة السلطة،وهذا يؤكد على أنه "لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات، وأقصى ما يمكن أن تُحققه منظمة التحرير هو عودة غير مُهينة لطاولة المفاوضات".
ويفسر المحلل أبراش حديث الرئيس أبومازن عن استعداده لأي طلبات إسرائيلية بخصوص الأمن مع الاشتراط بعدم تواجد أي إسرائيلي على الأرض الفلسطينية، قائلا :" تصريحات المراد منها ليس فقط طمأنة الحكومة والشعب في إسرائيل بان الدولة الفلسطينية الموعودة لن تشكل خطرا على إسرائيل, وإنما في ذلك رسالة للعالم الخارجي الذي تسعى إسرائيل لإقناعه بان الدولة الفلسطينية ستشكل خطرا على أمن إسرائيل، وأنه في حالة قيامها ستتحول لقاعدة عسكرية لإيران والتنظيمات الإرهابية"، معتبرا هذه التصريحات ليس جديدة فقد سبق وأن أعلن الرئيس الفلسطيني أنه مستعد للبحث في إمكانية أن تكون الدولة الفلسطينية القادمة منزوعة السلاح.
وتوقع بانه في حالة قبول إسرائيل بدولة فلسطينية على حدود 67 فإن منظمة التحرير أو أية سلطة فلسطينية حاكمة ستكون مستعدة حتى لوجود مراقبين أو قوات أجنبية أو محطات إنذار مبكر في الدولة الفلسطينية كما هو الحال مثلا في سيناء.
وحول انعكاس هذه التصريحات على العلاقات الوطنية بين الفصائل الفلسطينية وخاصة بين (حماس وفتح) يقول أبراش :"بالنسبة لموقف الفصائل قد تؤدي هذه التصريحات لمزيد من توتير العلاقة مع السلطة والمنظمة، ولكن علينا التأكيد أن أية دولة قادمة لن تقوم نتيجة حرب أو انتصار على إسرائيل بل نتيجة تسوية سلمية تنهي حالة الصراع".
يقرر العرب…
وحول المتوقع من اجتماع لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية في الرابع من فبراير القادم لتقيم الوضع بعد لقاءات عمان، رد أبراش بالقول :"بخصوص تحديد موقفهم اتجاه اللقاءات الاستكشافية سيكون باهتا وغير قاطع وسيكون بصيغة تعطي الضوء الأخضر للفلسطينيين للعودة لطاولة المفاوضات".
ويتابع أبراش:" قد تستجد أمور قبل الرابع من فبراير تساعد العرب على اتخاذ قرارهم، وهنا علينا التذكير بانه عندما تأزمت الأمور ثم توقفت المفاوضات قبل عامين تقريبا، استنجد الرئيس أبومازن بلجنة المتابعة العربية والتي منحته الضوء الأخضر للعودة للمفاوضات".
وعن مستقبل عملية السلام بعد الثورات العربية ووصول الحركات الإسلامية إلى سدت الحكم، وما تأثير ذلك على القضية الفلسطينية، يوضح المحلل السياسي أبراش بانه "بالرغم من مراهنات البعض بان الثورات العربية ستدعم نهج المقاومة في فلسطين وستجبر إسرائيل وواشنطن على تغيير مواقفهما من القضية الفلسطينية من خلال التسريع بعملية السلام، إلا أنه ما يجري عكس ذلك تماما".
ويضيف :" فالمقاومة توقفت بدلا من أن تتصاعد، وإسرائيل ازدادت تعنتا وعدوانا واستيطانيا، وواشنطن أصبحت أكثر تحيزا لإسرائيل وأكثر تراجعا من حيث التزامها بالعملية السلمية، والعرب باتوا أكثر انشغالا بهمومهم الداخلية".
وينوه إلى أن وصول "الإسلام السياسي" للحكم في بعض الدول العربية لن يخدم الفلسطينيين على المدى القريب بل يمكن القول إن "تأييد هذه الجماعات للقضية الفلسطينية وهي في السلطة سيتراجع عما كان عليه وهي في المعارضة. وبالتالي علينا كفلسطينيين أن نعتمد على أنفسنا من خلال إعادة استنهاض مشروعنا الوطني بدلا من المراهنة على الآخرين".
ملف المصالحة ..
على صعيد ملف المصالحة الفلسطينية وبطء عجلة تطبيق بنود اتفاق القاهرة يقول المحلل أبراش :" يبدو أن هدف فتح وحماس من تشكيل لجان المصالحة لم يكن مبنيا على قناعة حقيقية بنضج الظروف لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، بل كان بهدف تسكين الشعب ودفعه للتكيف مع واقع الانقسام".
ويتابع :" سبب كسب مزيد من الوقت في انتظار القادم من الأيام. وللأسف تحولت لجان المصالحة للجان ملهاة للشعب وللفصائل التي باتت منشغلة ومشتركة في الحالة الانقسامية بوعي منها أو بعدم وعي.وبدلا من أن تحل لجان المصالحة القضايا المكلفة بها باتت مشكلة بحد ذاتها ومنبرا للبعض من المتسللين للجانها التواقين للسلطة والوجاهة السياسية".
بطء التطبيق ..
ويرى أبراش أنه "في ظل نفس الحكومتين والنخبتين الحاكمتين في الضفة وغزة ستسير لجان المصالحة ببطء شديد، وقد لا يُعلن عن فشلها ولكنها ستستمر كهياكل بدون فاعلية، وأقصى ما ستحققه هو مصالحة إدارة الانقسام وحتى على هذا المستوى ستكون إدارة سيئة".
ولا يتوقع المحلل الفلسطيني إمكانية إجراء الانتخابات في الرابع من أيار المقبل كما أعلن الرئيس أبو مازن قائلاً :"لا توجد إمكانية لذلك، وهنا علينا أن نُذكر أن اتفاق المصالحة الذي وقع في مايو الماضي في القاهرة، ينص على تشكيل حكومة مباشرة بعد التوقيع عليه لتشرف على عملية الانتخابات، وحتى الآن لم تشكل حكومة ولا يوجد حديث عن تشكيلها".
ومن جهة أخرى ليس المهم فقط الالتزام بموعد الانتخابات بل تهيئة الظروف المناسبة لأن تؤدي الانتخابات لحل إشكالات النظام السياسي الفلسطيني وألا تتكرر تداعيات نتائج انتخابات يناير 2006 ، ويضيف أبراش :"وفي هذا السياق نؤكد على ضرورة الاتفاق والتراضي على ثوابت ومرجعيات المشروع الوطني والنظام السياسي قبل الدخول في أية انتخابات".
منظمة التحرير ..
فيما يتعلق بلقاءات الفصائل بخصوص ملف منظمة التحرير، إذا كانت مثمرة وتساهم في الوصول إلى إعادة بناء مؤسسات المنظمة، يقول أبراش إن "الأمور مرتبطة ببعضها البعض فإذا لم تتمكن الفصائل من التقدم على مستوى ملفات صغيرة مثل المعتقلين في سجون السلطتين وملف المصالحة، فكيف سيتفقون على ما هو اكبر من ذلك؟؟.
ويعتبر أن الاشتغال على ملف منظمة التحرير أمر استراتيجي ويجب أن يستمر ولكن ليس ضمن معادلة منتصر ومنهزم، بمعنى ألا تتصرف حماس من منطلق أن الثورات العربية التي أوصلت الإخوان للحكم في مصر تؤهلها للسيطرة على منظمة التحرير وتحويلها لحركة إسلامية.
ويضيف أن "هذا ما يدفع حركة فتح وقوى أخرى للتخوف من أن يؤدي إعادة بناء منظمة التحرير لتفريغها من مضمونها الوطني المتفتح والحداثي وسيطرة الإسلام السياسي عليها ." موضحا بان "صعوبات تكتنف إجراء الانتخابات وخصوصا في الشتات.مع ذلك نعتقد إن أي مصالحة يجب أن تتجاوز حسابات السلطة والحكومة والحسابات الضيقة للأحزاب وتشتغل على المصالحة الإستراتيجية وهي إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير كحركة تحرر وطني لكل الشعب الفلسطيني".