موقف سعودي مريب تجاه الوضع في سورية؟/زياد ابوشاويش

بقلم: زياد أبو شاويش

حين صرح الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود قبل عدة أشهر بضرورة وقف القتل الذي تمارسه الحكومة السورية ضد الشعب الشقيق كان التفسير واضحاً بعد لقاء الملك السعودي برئيس الولايات المتحدة، وقلنا في حينه أن تحفظ المسؤولين السعوديين عادة تجاه قضايا عربية خلافية يظهر أن خروج الملك عن هذا السياق جاء نتيجة ضغط هائل مارسته واشنطن عليه.


أمس كرر وزير الخارجية السعودي ذات الموقف خارج سياق المعالجات المعروفة للمملكة عبر سحب مندوبيه من فريق لجنة الرقابة العربية، وأعلن ويده (القابضة على ورقة يقرأ منها) ترتجف، وتهتز معها كلماته المتشنجة حول رفض مملكته المشاركة في التغطية على قتل الأشقاء السوريين على حد قوله، وأن بلاده قررت عدم منح الغطاء والشرعية لهذا القتل العنيف من الحكومة السورية لشعبها..هكذا !؟


الموقف السعودي جاء مناقضاً لواقع الحال كما رصدته عدسات وعيون المراقبين العرب وحضورهم المباشر في مواقع الأحداث، وفي كافة بؤر التوتر والاشتباك، هذا الواقع القائل كما ورد في تقرير المراقبين أن العنف في سورية قد انخفض منسوبه كثيراً عن الفترة السابقة منذ وصول هؤلاء المراقبين، وأن القتل كذلك أو سقوط الضحايا من طرفي الصراع قد قلت أعداده.


ولعل المؤتمر الصحفي للفريق الدابي رئيس بعثة المراقبين العرب في مقر الجامعة العربية أمس كان واضحاً إلى الحد الذي دفع إحدى الصحفيات للتساؤل عن حقيقة أعداد القتلى والضحايا كما يجب أن تكون عليه إذا أخذنا أقوال بعض وسائل الإعلام بعين الاعتبار والتقارير المزورة عن مشاركة الدبابات والطائرات الحكومية في قتال المتمردين أو المسلحين أو ما يسمونه الجيش الحر، هذه الأعداد التي لابد أن تعلو عن رقم التسعمائة كما توردها مصادر المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان كمعدل شهري لهؤلاء القتلى.


المثير أيضاً أن السيد سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي كان يقرأ بحرارة مفتعلة محاولاً أن يضفي على لهجته أكبر قدر من المصداقية لتعاطفه أو بالأحرى نفاقه للسوريين في الوقت الذي نتذكر جميعاً كيف كانت تصريحاته عام 2006 إبان العدوان الصهيوني على لبنان وسقوط آلاف القتلى والجرحى جراء الغارات الوحشية للطائرات والزوارق والدبابات الإسرائيلية التي اجتاحت جنوب لبنان وعملت فيه تدميراً وقتلاً. لقد صرح الفيصل حينها وبذات الحماس والتأثر في الاتجاه المعاكس محملاً حزب الله مسؤولية الجرائم الإسرائيلية ضد الأشقاء في لبنان.


إذن ما الذي يجعل المملكة السعودية تقف اليوم لتذرف الدموع على قتلى الشعب السوري بينما تتجه الأمور للتهدئة وربما للعثور على حل يحفظ دماء الأشقاء ويحفظ كذلك وحدة بلدهم ويمنع تدويل قضيتهم؟ إن الإجابة عن هذا يجب أن يسبقها نظرة على أحوال الديمقراطية "العظيمة" التي تلقي بظلالها و"نعيمها" على الأشقاء في مملكة آل سعود، بل لابد من رصد حالة حقوق الإنسان كما يعممها السيد الفيصل وأقرانه من أبناء العائلة الحاكمين في بلد لم يشهد أي استقلال حقيقي أو حرية قرار منذ نشأته على حساب الهاشميين في العقد الثالث من القرن الماضي. ليس هذا فحسب، بل وكذلك يجب أن نلقي نظرة واقعية على قواعد العدو الأمريكي في منطقتنا وأين تتمركز هذه القواعد، والأهم إلقاء نظرة تاريخية على مسيرة سعودية مليئة بالتآمر على عروبة المنطقة ووحدة الأمة العربية، ولعل وثائق ويكيليكس وغيرها مما كشفته المراجع يثبت تورط حكام المملكة في التآمر على مصر وعلى التجربة الناصرية، وقد كانت مأساة الانقسام بين شطري الوحدة المصرية السورية من تدبير آل سعود وبأموالهم.


إن الملاحظة اللافتة هو هذا التنافس في العمالة وخدمة المشروع الأمريكي في المنطقة بين آل سعود في مملكتهم وآل ثاني في دويلتهم، وربما يفسر هذا حرارة الكلمات وارتجاف يد الفيصل أثناء حديثه عن القتلى السوريين وضرورة رفع الغطاء عن النظام في دمشق.


الحالة السورية المتجهة للتهدئة رغم الزيت الذي تصبه فضائيات الفتنة وأموال النفط والغاز من دول القواعد الأمريكية لإبقاء التوتر وأعمال القتل تستدعي سلوكاً آخر من السعودية وحكامها قبل فوات الأوان، وتحويل القرارات من جامعة النفط العربية لمجلس الأمن ما كان ليتم لولا الموقف السعودي المعادي لآمال السوريين وحلمهم في استعادة الأمن والأمان لربوع بلدهم.


إن التوجه السعودي للتنافس في العمالة مع القطريين لن يكون في مصلحة مستقبل المملكة أو حكامها، وعلى كافة الأطراف ذات الصلة أن تعلم (وهي بالتأكيد تعلم) أن بقاء الخراب والفتنة في سورية من خلال تشجيع المعارضة على القتال والاستقواء بالغرب سيكون وبالاً على الجميع وسيقدم أكبر خدمة للعدو الصهيوني وأمريكا. كما أن انهيار الاقتصاد السوري أو إضعاف الجيش والتحريض على تمرد بعض قطعاته سيكون على حساب المواجهة مع العدو وسيقود حتماً لحرب طاحنة طويلة ستطال شظاياها كافة دول المنطقة،،، ولات حين مندم.