غزة: خبراء يطالبون بحوار وطني بشأن السياسيات الاقتصادية

طالب خبراء اقتصاديون وممثلون عن رجال الأعمال والغرفة التجارية ومجموعة من الأكاديميين والمختصين وممثلي عن مؤسسات المجتمع المدني بضرورة تعزيز الحوار الوطني مع القطاعات الفلسطينية المختلفة وإشراك القطاع الخاص والمهتمين بالشأن التنموي والاقتصادي والاجتماعي في وضع السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية، في ظل استمرار التدهور المعيشي والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية.


 


وشدد المشاركون في ورشة عمل نظمتها الجبهة الشعبية السبت بعنوان " الوضع المعيشي في قطاع غزة" بحضور وزير الاقتصاد في حكومة غزة د.علاء الرفاتي، وقيادات من الجبهة، على ضرورة وجود حوار وطني جماعي جاد تتمكن من صوغ استراتيجية اقتصادية وفق خطة طويلة الأمد، بعيداً عن الإجراءات الاقتصادية غير المتناسقة والمتناثرة وغير مخطط لها.


 


ودعا الحضور لضرورة تجميد قرار حكومة غزة بفرض ضرائب جديدة على سلع غذائية، ووصفوها بغير القانونية، وتؤثر سلباً على القطاع الخاص، وأهمية تقليص السياسات الضريبية التي تكبد المواطن الفلسطيني ومحدودي الدخل أبشع أنواع العذاب في ظل الحصار والغلاء الفاحش، وفي ظل سياسات عشوائية من تجار السوق السوداء والأنفاق وخلق شريحة ثرية من الأثرياء، وسيطرتها على سوق العقارات والأراضي بدون أي رادع من الحكومة.


 


وطالب المشاركون في ورشة العمل بضرورة حماية المنتج الوطني، بشرط أن يكون هناك مراقبة على الأسعار، وعلى جودة هذا المنتج.


 


وشدد الحضور على ضرورة الإعلان عن موازنة حكومة غزة، وعن السياسات الاقتصادية للوزارات المختلفة وإيراداتها ومصاريفها تحقيقاً للشفافية, وطالب المجتمعون بضرورة دعم صندوق الطالب والخريجين والعاطلين عن العمل، ووضع حد أدنى للأجور يراعي الوضع الاقتصادي، ومراقبة غلاء الأسعار.


 


ودعا الحضور لوضع آلية عمل لمواجهة موضوع ارتفاع أسعار الأراضي المضطرد والشقق السكنية، ومخاطره على الأراضي الزراعية، وأهمية دعم قطاع الزراعة ومساعدة المزارعين، ووضع سياسة توريد للسلع الزراعية التي تستورد من الخارج تراعي مصلحة المزارع ومحصوله.


 


وأدار الورشة عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية جميل مزهر، مرحباً بالحضور وبالوزير رفاتي، متحدثاً عن عنوان الورشة وأهدافها، مستعرضاً العديد من التساؤلات التي تدور بين قطاعات شعبنا المختلفة، داعياً الوزير للإجابة عليها، وتضمنت هذه التساؤلات، إن كانت السياسات الاقتصادية التي تتبعها حكومة غزة تعزز صمود المواطن، أم تشيع مناخات اليأس والإحباط، وهل تشجع الاستثمار، وهل الرسوم المفروضة على ما يسمى بالكماليات من شأنها حماية المنتج المحلي؟، وهل فعلاً هذه الرسوم مفروضة على الكماليات فقط؟، أم أن هناك سلع لا يوجد لها بديل محلي؟، وهل عملت الحكومة على تثبيت أسعار السلع الأساسية لتكون بتناول الفقراء من ابناء شعبنا؟، وهل هناك رقابة على الأسعار تحول دون الاحتكار وارتفاع الأسعار؟،وهل السياسات الضريبية المعمول بها ( ضرائب ورسوم) مثلت حماية لأصحاب البسطات والمشاريع الصغيرة؟ أم عبئاً إضافياً على هوامش الدخل المحدود في ظل الحصار؟ وهل هذه الضرائب تعود بالنفع على الشرائح الفقيرة في المجتمع بشكل خدمات ( طرق، نظافة، صحة..) أم تذهب للصرف على حكومة غزة ومتفرغيها في الأجهزة الأمنية؟.


 


واستغرب من التقارير التي تشير إلى أن الأسعار في أسواق غزة أعلى منها في السوق الإسرائيلي رغم أن دخل الفرد في إسرائيل عالي جداً يصل إلى أضعاف أضعاف، وبأن الضرائب المفروضة على سعر الوقود القادم عبر الأنفاق أعلى من سعره الحقيقي، مطالباً بالكشف عن مصير الأموال التي يتم جبايتها.


 


وتساءل مزهر عما فعلته حكومة غزة من أجل دعم الفقراء خاصة، في ظل أن 41% من المجتمع يعيشون تحت مستوى خط الفقر أو في حالة الفقر المدقع، خاصة وأن موازنة الحكومة لعام 2012 حددت 1.8% من الموازنة لدعم مشاريع مؤقتة للعاطلين عن العمل، في حين خصصت 34% من موازنتها للأمن، و28% للصحة والتعليم.


 


واستغرب مزهر ما تضمنته ميزانية الحكومة لعام 2012 والتي بلغت 769 مليون دولار، حيث تذهب 405 مليون للرواتب لتشغيل ما يقارب 45 ألف موظف، متسائلاً إن كان هذا التوظيف على أساس فئوي أم إطار تكافؤ الفرص.


 


بدوره، أشار الباحث الاقتصادي محسن أبو رمضان إلى الورشة أن تكتسب أهميتها في ظل السياسات الاقتصادية الجديدة وحالة التململ المجتمعي في الضفة وغزة مع ارتفاع الأسعار، وتضرر قطاع المجتمع جراء هذه السياسات الاقتصادية.


 


ودعا لضرورة أن يشكل هذا اللقاء مدخل لتعزيز حالة الحوار الاقتصادي الوطني بعد سنوات من الانقسام السياسي والجغرافي وبعد آفاق من تشكيل حكومة.


 


واستعرض رمضان الأزمة الاقتصادية الحاصلة، مشيراً أنها ليست جديدة جراء حالة التبعية مع الاقتصاد الإسرائيلي، وبروتوكول باريس الاقتصادي الذي عمق التبعية، مشيراً أن السياسة الاقتصادية الفلسطينية الحالية اعتمدت على منافسة السوق والمنافسة الحرة جراء احتكار المال والسلع واستبدال شريحة الأعمال السابقين برجال أعمال مرتبطين بالإدارة السياسية.


 


وأكد أن هذه السياسة الاقتصادية الفلسطينية لم تراع مصالح المجتمع الفلسطيني من صحة وتعليم، ولم تدعم قطاع الزراعة، الذي له علاقة بالصمود والصراع مع الاحتلال.


 


أما الباحث الاقتصادي عمر شعبان، فقال: المؤشرات المتاحة بعد خمس سنوات على حكم حركة "حماس" هي سلبية بمجملها، على صعيد مستويات الفقر والبطالة وتدهور الخدمات العامة والتعليم، غير مسبوقة، والاقتصاد الفلسطيني تحول من اقتصاد منتج لريعي غير منتج، والجزء الآخر من هذا الاقتصاد اصبح غير رسمي وغير شفاف يصعب دراسته.


 


واعتبر أن حكومة غزة تدير السياسة الاقتصادية وفق مجموعة من الاجراءات المتناثرة وغير المتناسقة، داعياً لصياغة سياسة اقتصادية تأخذ بالاعتبار المدى الطويل، والتراجع عن بعض الاجراءات مثل دخول السلع عبر الأنفاق، أو فرض رسوم وضرائب على البضائع.


 


وأشار إلى أن السياسة الاقتصادية لحكومة غزة كانت تعتمد على المعونات الخارجية التي لا تؤدي لتنمية، والاعتماد على المواطن الفلسطيني لتمويل وتوريد موارد الحكومة، والاعتماد على المساعدات الخارجية وإرهاق المواطن الفلسطيني بكل قطاعاته بفرض ضرائب في كثير منها غير مسند قانونياً.


 


وتساءل شعبان : " هل هناك مأسسة لسياسة الأنفاق، هناك تضخم في العلاقة التجارية مع مصر، وقناة الاستيراد الرئيسية أصبحت من الأنفاق، هل هناك سياسة قائمة على المنافسة الحرة، وفق مرجعيات قانونية أم هناك تداخل بين السياسة والنشاطات الاقتصادية مثل نشاطات الأراضي والمباني والسيارات وغيرها..؟".


 


واعتبر رجل الأعمال أحمد أبو عيدة في مداخلة له أن قرار حكومة غزة فرض رسوم على سلع ما تسمى الكماليات سلبي وخطير على الصعيد المحلي والأقليمي، لافتاً أن هكذا قوانين تحتاج لتشريعات وكان يجب عرضها على المجلس التشريعي بالقراءة الأولى والثانية لإقرارها بعد ثلاثين يوم ومن ثم نشرها بالجريدة، وبعد التعديلات تعرض بموافقة ثلثي التشريعات.


 


وأشار إلى أن هناك بعض سلع الضفة فرضت عليها رسوم وحجزت بالمعبر، وهذا يعمل على تكريس الانقسام.


 


من جهته، توجه الدكتور الرفاتي في معرض مداخلته للجبهة على تنظيم هذه الورشة التي تتناول الأوضاع المعيشية والاقتصادية في القطاع، متمنياً أن يكون هذا اللقاء لصالح شعبنا الفلسطيني.


 


واستعرض الرفاتي بصورة مختصرة الاقتصاد الفلسطيني، مشيراً أنه حالة مختلفة وخاصة عن كل اقتصاديات العالم، كونه مرتبط بدرجة أساسية بالكيان الصهيوني،الذي هدف لتجميع والحاق وتدمير كل مقومات اقتصادنا.


 


وأكد الرفاتي أن استقلال الاقتصاد الفلسطيني يحتاج لسياسة طويلة الأمد، حتى نستطيع التعافي من الواقع الذي نعيشه، وهذا يحتاج إلى كل الجهود في هذا المجال، ليس على مستوى الحكومة بل على مستوى القطاع الخاص وضرورة أن يتحمل مسئوليته في بناء الاقتصاد الفلسطيني.


 


وأعلن الرفاتي أن وزارة الاقتصاد تعكف على اعداد مؤتمر تحت عنوان " آفاق الاستثمار في غزة" من أجل جذب مستثمرين من خارج فلسطين يشاركوا أبناء فلسطين في الهموم الاقتصادية والاستثمار الحقيقي في فلسطين.


 


وبخصوص فرض الرسوم على ما يسمى السلع الكمالية بهدف تشجيع المنتج الوطني، مشيراً أن هذه السلع لديها بدائل وطنية وليست سلعاً أساسية وضرورية للمستهلك الفلسطيني.


 


وشدد على ضرورة وجود حالة من التنسيق والتفاهم بين الجميع للوصول إلى قاسم مشترك، نستطيع من خلاله حفظ مصلحة الأطراف الثلاثة المنتج والمستهلك والتاجر.


 


وفي معرض إجابته لسؤال إن كانت الضرائب تعود للحكومة أو المواطن، أكد الرفاتي أن الحكومة جزء من الشعب والإيرادات التي تحصلها النسبة الأكبر منها يذهب لرواتب الموظفين، وتسيير الجهاز الإداري على حد رأيه.


 


وبالنسبة لزيادة أسعار الأراضي والشقق بأرقام قياسية، أكد الرفاتي أن مساحة قطاع غزة صغيرة وتتناقص بشكل كبير، وهو ما يعني ان الطلب أكثر من العرض لذا ترتفع الاسعار، مضيفاً أن مدينة غزة على سبيل المثال أيضاً تقع ضمن مجال خصب للاستثمار في مجال البناء، ووجود تنافس لدى المقاولين والتجار وكثير من القطاعات، وهي التي جعلت اسعار الأراضي بالذات في غزة ترتفع بشكل خيالي.


 


وبخصوص التخفيف عن الفقراء، وبرنامج التشغيل المؤقت الذي تبنته الحكومة، أكد أن هناك صندوق لتمويل المشروعات الصغيرة هدفها الفئات الصغيرة، فضلاً عن منح رئيس الوزراء للطبقات العاملة، فضلاً أن وزارة العمل والشئون الاجتماعية تقوم برعاية حوالي 30 ألف أسرة بقطاع غزة من العائلات المعدمة.


 


وأشار على أن معدلات البطالة في غزة والفقر بدأت تتراجع قليلاً، وهذا بحد ذاته إنجاز في ظل الحصار على حد وصفه.


 


وحول أزمة الكهرباء، شدد الرفاتي أن موضوع الكهرباء استراتيجي يجب حله من خلال الربط عن طريق مصر، لافتاً أن هذا يحتاج لعامين، وأن السبيل الأسرع لحل هذه المشكلة هي الحصول على الغاز الطبيعي من مصر.


 


من جانبه، أكد الدكتور سمير مدللة على ضرورة تعزيز صمود المواطن، ودعم المزارع، وضرورة ألا يكون تقليص العجز في الموازنة على حساب الفقراء سواء في الضفة أو غزة، وضرورة تخفيض تكلفة النفقات الجارية للمسئولين من سفريات وإيجار مقرات ..إلخ.


 


ودعا الدكتور مدللة لإعادة النظر في أولويات الموازنة، وتشكيل صندوق للطالب الجامعي، ووضع حد أدنى للأجور.


 


من جانبه، اقترح عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية د.رباح مهنا بأن يخرج عن هذا الاجتماع خطوات عملية بشكل محدد وملخص للاقتراحات، تقدم لحكومة غزة، وإن لم تستجيب تحول هذه القضايا والطلبات إلى نضال ديمقراطي جماهيري، وتعاون الجميع من أجل الضغط على الحكومة لتبني هذه القضايا.


 


هذا وقدم المشاركون في الورشة مداخلات متعددة اثرت النقاش وافسحت المجال لبلورة فهم مشترك حول جملة من القضايا، كما اتفقوا على جملة من التوصيات لرفعها للوزير الرفاتي وللحكومة في غزة.