أنتم اليوم بالخيار بين التجديد واختيار جديد، وفي كلتا الحالتين أنتم مسؤولين عن قراركم، ومحاسبين عن اختياركم، فلا أحد يملك سلطته عليكم غير إخلاصكم لله وصدقكم مع الشعب والوطن، وكلكم مسؤولٌ وحريص، ويتطلع لأن يكون على قدر المسؤولية والأمانة التي أناطها به شعبه وأبناء حركته، والتجديد أو اختيار جديد هو مسؤولية واحدة، فالقديم شرعيته منكم مستمدة، والجديد منكم يصبح الأقوى وصاحب الشرعية، فلا قديم يقوى على أن يتقدم دون قراركم، فهو ضعيفٌ دونكم، عاجزٌ من غيركم، ولا جديد يستطيع أن يرشح نفسه دون دفعكم واختياركم، وفي الحالين شروطكم هي الأساس، وضوابطكم هي المعيار، ومحدداتكم هي الفيصل، فلا تخطئوا الاختيار إن كان جديداً، ولا تترددوا في فرض الشروط ووضع الضوابط والمحددات إن كان تجديداً.
واعلموا أن الأول المقدم والمختار دوماً ليس بشخصه فقط، ولا بذاته دون غيره، إنما هو ببطانته ومن حوله، وهو برهطه وجمعه، وصحبه وأقربائه، فإن كان خيَّراً وصاحب فضلٍ وتقوى وأمانة، يخاف الله ويراقبه في السر والعلن، ويحرص على شأن أهله وشعبه، ويكون باراً بأهله وإخوانه، رحيماً رؤوفاً، لطيفاً غير فظ، ودوداً محباً، إلفاً ومألوفاً، عادلاً زاهداً أميناً، فإنه تلزمه بطانة الخير ورفقة الحق، التي تصدق نصحه، وتحسن مشورته، وتكون صادقة معه في نقل المعطيات، ووضع المستجدات بين يديه، ممن لا تستغل المنصب، ولا تستفيد من الموقع، ولا تسعى لتمرير ما تريد من خلال موقعها، فالقائد الأول والمسؤول المقدم على مكانته وقدره وقيمته، فإن سياسته تحددها بطانته، فإن كانت بطانة خير فقد حسنت سياسته، وإن كانت بطانة سوء فقد هلكت وأهلكته، وضاعت وأضاعته.
واعلموا أنها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي أسسها خيرة رجال فلسطين، وأشرف على تربية أبنائها سنين طويلة أعظم قادتها ورجالها الأماجد، وبناة صرحها الأول، الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والمربي الكبير الأستاذ عبد الفتاح دخان، فقد رحل الأول لكن الثاني الذي كان دوماً أولاً ما زال موجوداً، فعودوا إليه وأصغوا إليه السمع، إذ لا حاجة له، ولا مأرب شخصي عنده، ولا منزلة ينتظرها وهو صاحب المنزلة، ولا تقدير يتوقعه وهو من يعطي التقدير، إنه النقاء والصفاء، إنها الأب الحاني والولد الكريم، إنه المربي الفاضل والأستاذ الرائد، فخذوا منه وتعلموا، واعلموا أنه من البقية الصالحة، ومن القيادة الصادقة، خذوا من نصحه وقدموه، واستمعوا لكلامه ووقروه، وأنصتوا إليه ولا تقاطعوه، وحُق لحركةٍ سبق رجالها شهادةً، وغاب أبطالها أسراً، وضحى من أجلها الكثيرون ألماً ومعاناةً وجرحاً وإبعاداً، وصدق بها الشعب والأمة وآمنوا بها، أن تكون قيادتها خيرة راشدة صادقة، منها تنهض ومن صفوفها تبرز، تقدمها الخيرة وتختارها الصفوة.
واعلموا أن حركتكم منصورةً بإذن الله، مؤيدةً بحول الله، محروسةً بحفظ الله، بفضل مؤسسيها المخلصين، وشهدائها الخالدين، وأسراها الرجال الميامين، وشعبها الصابر، وأبنائها العاملين، وجنودها الأخفياء المستورين، إنها عليةً عند الله وفي خلقه، سنيةً في الدنيا والآخرة، بفضل صبر الأمهات، وجلد الرجال، ودفع الأخوات، واحتساب البنات، ويقين الشيوخ، وإيمان العجائز، وأحلام الصغار وأماني الشباب، فلا تخشوا على الحركة إن جاء جديد، وقاد المسيرة آخر، فهذه حركةٌ اللهُ يرعاها ويكلأها بعنايته وفضله، وأما إن جاء القديمُ وجددتم له البيعة، وعقدتم عليه العزم، فكونوا له خير الناصحين، وأشد المحاسبين، وراقبوا عمله، وتابعوا جهده، ولا تتركوه وحده يجلب من يشاء ويقصي من لا يريد، فهذه حركة الأمة ونتاج الشعب الفلسطيني، تأسست من أجله وتعمل لصالحه، وتسهر على راحته، وتعمل على تحقيق أهدافه والوصول إلى غاياته، فلا تتركوه وحده يرسم الخطط، ويقرر بذاته أو مع خاصته، وألزموه بشورى حكيمة، ومشاورة سديدة، لئلا يخيب القرار ويضل الشعب إذا لم يستشر.
عهدٌ جديدٌ نترقبه وفجرٌ آخرٌ ننتظره، بقادمٍ قائدٍ جديد، أو بقديمٍ بثيابٍ جديدة، وسياسةٍ مغايرة، أنتم من يصنعها، وأنتم من يضمنها، فهذا يومٌ من أيام الله الخالدات، التي قال فيها خالدٌ بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وقد قدمه صحبه، وأجمع عليه جنده، وهو سيف الله المسلول، وقد أحاط به جند الرومان من كل مكان، فوقف بتواضع القادة، وزهد الصحابة، وصدق أهل الجنة وقال "إن هذا يومٌ من أيام الله، لا ينبغي فيه التفاخر ولا التعالي، فتعالوا نري الله أعمالنا، ونمتاز بصبرنا"، فكان نصر الله المؤزر الذي تنزل في يرموك الشام على صحب رسول الله، فاختاروا اليوم أيها الأحبة خالداً، وكونوا كصحب محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا تخشون في الله لومة لائم، فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحمُ الراحمين.
يتبع ...
[email protected] بيروت في 24/4/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت