العملُ الصالحُ بالعلمِ النافعِ والأسوة ِالحسنة..

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل


العملُ الصالحُ مطلوب المؤمنين ، وهو يا عباد الله مرغوب المتقين ، سبيلُ القاصد إلى فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وهو القائدُ إلى الفردوس في الجنات ، طوبى لمن وُفِّق إليه ، ودُلَّ عليه ، ولكنَّ العملَ لا يصلحُ إلا بالعلم النافع، والعلمُ النافعُ لا يصلحُ إلا بالنية ، والعملُ والعلمُ والنيةُ كلُّ ذلك بالقدوة الكريمة والأسوة الحسنة ، ولقد أجمع المسلمون على فضل النبي صلى الله عليه وسلم وفضل أصحابه والتابعين ، فهم الذين رضي الله عنهم وهم الذين رضوا عنه ، هم القدوة الصالحة ، وهم الأسوة الحسنة ، تنزل فيهم وحيُ الله القرآنُ والسنة ، وتلقوا بالفهم الصائب العلم النافع كتاباً وسنةً من النبي صلى الله عليه وسلم ، استمعوا فَوَعَوْا ، وحُمِّلُوا فاحتملوا ، وقاموا هم بالعلم والعمل وبهم هم قام العلمُ العملُ خير قيام ، وأدوا الأماناتِ إلى أهلها ممن جاء من بعدهم ، صدروهم للإسلام وبالإسلام مشروحة ، وأيديهم بالبذل والعطاء للخلائق مفتوحة ، لا يقدمون على قول الله قولا ، ولا على أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أمرا ، رضا الله رضاهم ، ومحبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبوبهم ، آراؤهم لدلائل الوحي تابعة ، وأفهامهم من الكتاب والسنة نابعة ، فهم المصابيح في الدياجي ، والأنوارُ في الظُّلُمات ، طوبى لهم ولمن بهم اقتدى ، ويا سعدَ من بسَيْرِهم وسِيْرَتهم اهتدى ، اللهم إنا نُشهدُك أننا نحبهم ، فاحشرنا معهم يوم القيامة ، وألحقنا بهم في دار الكرامة ، وألزمنا طريقتهم فهم أهلُ الاستقامة ، جاء الإسلام فرفع الله ذكرهم ، لما آمنوا به واتبعوه وعظموا ما عظم الله تعالى رفعهم الله عز وجل وأعلى ذكرهم ، يقول سبحانه :{ ألم نشرح لك صدرك } هكذا أنزل الله الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم سورة الشرح ، ليس له وحده ؛ بل له ، ولأمته ، ولصحابته ، والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } الأنعام125 . وكل منا يفتش عن نفسه ، يفتش صدره ، ويرى : هل صدره مشروح للإسلام ؟!.. الإسلام الذي نزل على محمد ، وليس الإسلامَ الذي أضيف عليه ، وزيد عليه ، ونُقِص منه ، لا ، الإسلامُ الذي نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، وبلغه أصحابه رضوان الله عليهم ، وأصحابه رضوان الله عليهم بلغوه لنا ، وحينما يقال أصحابه فأعظم أصحابه أهلُ البيت لا نجعل أهل البيت قسماً وأصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم قسماً لا ، فآله هم أفضل أصحابه رضوان الله عليهم ، بل قال أحد العلماء إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم آله ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سلمان الفارسي منا أهل البيت" رواه الحاكم وغيره عن عمرو بن عوف المزني . وشيجةٌ ورابطةٌ وعهد ، يقره النبي صلى الله عليه وسلم ويبينه ، ويأمر به وينشره ، ويبلغه لأمته وللناس .
أيها المسلمون يا عباد الله : العمل الصالح هو ما تصلح عليه الدنيا والآخرة ، وهو في المجتمع يقوم بأصلين عظيمين :
* الأولُ إخلاصُ الدين لله عز وجل ، وإخلاصُ الاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم ،وهذا يكون بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له تكون بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه وحده دون سواه فيما جاءنا به من عند الله ورد كل شيءٍ عند التنازع والاختلاف في الدين إليه وهذا فيه صلاح الدين.
* الثاني إعمارُ الأرض بالزرع والضرع والحرث ونحو ذلك ، وسياسةُ الخَلْقِ بالحق والعدل ، وهذا فيه صلاح الدنيا .
ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى : {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) } .
فليعبدوا رب هذا البيت ، نعم .. إن الله وحده هو المستحق للعبادة – سبحانه- لأنه هو الذي خلقهم ، وهو الذي أطعمهم من جوع ، وآمنهم من خوف ، وهاتان النعمتان العظيمتان نعمة الغذاء ونعمة الأمن هما من أعظم النعم على العباد ، وكلُّ واحدةٍ منهما مرتبطةٌ بالأخرى ؛ فلا غذاء بلا أمن ، ولا أمن كذلك بلا غذاء ..
روى الإمام البيهقي في الخلافيات عن أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"فضل الله قريشًا بسبع خلال: أني منهم ، وأن النبوة فيهم ، والحجابة والسقاية فيهم ، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله ، عز وجل، عشر سنين لا يعبده غيرهم ، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن " ثم تلاها رسول الله : بسم الله الرحمن الرحيم " لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " .
أيها المؤمنون ، يا إخوة الإسلام :قال الإمام ابن كثير في التفسير : ( { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ } أي : فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى: { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }النمل:91 ، وقوله: { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ } أي: هو رب البيت، وهو الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أي : تفضل عليهم بالأمن والرخص ،فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }النحل:112-113.
روى الإمام الترمذي في السنن قال : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي : " يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ؟! " قَالَ أَبِي: سَبْعَةً سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ ،قَالَ : " فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ " ، قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ . قَالَ : " يَا حُصَيْنُ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ " قَالَ فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِيَ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي فَقَالَ : "قُلْ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي " .
عباد الله : حريٌّ بنا لزوم الجادة وقد عرفناها ، وأن نجتنب المحادة وقد كوتنا بنارها وما ألفناها ، والعودة عن الخطأ والخطيئة ، والجماعة الجماعة ، آثمٌ من فرق الصف ومزق الشمل ، ولا حجة له أمام الله ولا أمام التاريخ ، لقد أوشك الأواصر أن تتقطع بل تقطعت لولا رحمة الله ، وضاع العيال ، وعز المنال ، واجترأ الأحيمق الزنديق ، وتقدم المهلك على الشفيق ، وتأخر الوفي عن الأمام ، وانفرد الشقي بالزمام ، فحتام حتام ، فالتوبة التوبة ، والرأفة الرأفة ، أهلك الله من أهلك لولا أن يتوب ، وفرق الله من فرق لولا أن يؤوب ، ورحم الله من رحم ، وجمع الله من جمع .
عباد الله :من عمل صالحاً فلنفسه ، ومن أساء فعليها ، ولا يظلم ربك أحدا ،فالله غني عن خلقه وأعمالهم وعباداتهم ، ولكنَّ من يحسن يرجو الإحسان ، ومن يسيء فلا ينتظر إلا الإساءة ، قال عز وجل : {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }الأنعام160 ،وقال :{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف147.
وبمثل معاملتك خلق الله في الدنيا يعاملُك الله في الآخرة ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما والسياق للبخاري بسنده إلى ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " اهـ.
أيها الناس ، يا عباد الله : أعدوا واستعدوا ، والزموا طريق الصالحين، السلف الأولين، والآخرين ، أهل الاتباع والائتلاف والإنصاف ،لا أهل الابتداع والاختلاف والاعتساف ، أهل التراحم والتوادد الذين تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ، لا من ائتمر بالعسف وتوعد بالملحمة ، ومن هنا أدعو إخواننا في الدين ثم في الوطن إلى طي هذه الصفحة وملف الانقسام كله للأبد ، وليتموا مصالحتهم في القاهرة ليكون الجميع تحت نظام واحد وعلى رأي واحد ويصدر عنا جميعاً بعد الشورى قرارٌ واحد بموقف واحد ، جاهدين بأنفسنا في مرضاة ربنا ، وصلة أرحامنا ، وتوحيد صفنا، وقطع دابر اختلافنا ،فالخلاف كله شر ، وقد أذن المؤذن بالتوحيد للتوحيد ، فلتستجيبوا إخوتنا أيها المختلفون ، فالله سبحانه والنبي صلى الله عليه وسلم يناديكم ، والأمة ناطت آمالها في آلامها بعد الله بكم ، إخواننا البحر من أمامكم والمحتل من ورائكم ،فإلى متى انقسامكم؟! وليس لكم والله إلا الصدق ، والاستعانة بالصبر والصلاة ليجعل الله لكم من همكم فرجاً ، ومن مضيقكم مخرجا ،و لقد أمركم الله أمراً بدأ فيه بنفسه ،.. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ ، وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي –،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين .


..بقلم /الشــيخ ياســين الأســطل

الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة
بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت