طولكرم - وكالة قدس نت للأنباء
منذ ستة عشر عاما ويزيد، يحاول العامل الفلسطيني "م.ن" الأربعيني الحفاظ على لقمة عيشة وعائلته التي يحاول أرباب العمل في المصانع الإسرائيلية ، مصادرتها بالمعاملة القاسية وسلب حقوقه وحرمانه من أبسط المتطلبات مقارنة مع نظيره الإسرائيلي "المدلل" على حد تعبيره.
وفي نقاش تواصل لساعات .. وجد العامل "م.ن" احد سكان مدينة طولكرم متنفسا للحديث عن المعاناة اليومية التي يكابدها أثناء عمله في مصنع "ياميت" الإسرائيلي، حيث سارع و"بعفوية" إلى تقليب صور للمهام الشاقة الموكلة إليه بالمصنع، احتفظ بها على جواله الخاص ، لتكون البداية، للحكاية الواقعية المؤلمة، والتي تسرد تفاصيل القهر والحرمان والاستغلال "الفاضح".
أشغال شاقة يقابلها "شغل ستات" ..
"الأشغال الشاقة والمهام المتعبة ما بشتغل فيها اليهودي، بسلمونا اياها احنا الفلسطينيين " قال العامل"م.ن" وهو يصف التمييز العنصري في التعامل بينه ونظيره الإسرائيلي من قبل إدارة المصنع.
وأضاف "أرباب العمل في المصنع لا يقوموا بتكليف العامل الإسرائيلي بالأعمال التي تشكل خطرا على حياته كـ (جلخ) الحديد و(اللحام) ونقل مواسير ذات أوزان ثقيلة وغير ذلك" .
وقال" الإسرائيلي يعيش "رفاهية" بالعمل على حسابنا نحن الذين نعمل أضعاف أضعافه ولكن نحن نعمل براتب يصل إلى اقل من نصف راتبه الذي يتقاضاه دون مشقة".
وتعليقا على عدم الاكتراث بالعامل الفلسطيني، وتحميله فوق طاقته، قال عماد درويش من اللجنة العمالية في مصنع "ياميت" الإسرائيلي" العمال الإسرائيليين بشتغلوا (شغل ستات) في حين نكلف نحن بالمهام الصعبة والتي تحتاج لجهد وتشكل خطرا على حياتنا".
وبين درويش أن مصنع ياميت"الأم" الموجود في منطقة قلنسوة داخل إسرائيل والذي يضم فقط عمالا اسرائيليي، لا يقوم بأي أعمال لها علاقة بالتصنيع أو أي أعمال "خطرة"، وإنما يستلم الفلاتر الزراعية مصنعة وجاهزة دون بذل أي تعب يذكر".
وأضاف " بينما فرع ياميت الواقع غرب طولكرم والذي يعمل فيه العمال الفلسطينيين يقوم بتكليفهم بأعمال مرهقة جسديا تتسبب لهم بالضغط النفسي والجسدي ناهيك عن التمييز في المعاملة .
مصانع غير قانونية ..
فإلى الغرب من مدينة طولكرم ، وتحديدا في المنطقة الفاصلة ما بين أراضي 1948 وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، تم إقامة أكثر من (12) مصنعا إسرائيليا مثل"جيشوري، مصنع ديكسون غاز،ياميت ، تال ايل والسول اور"،إضافة إلى وجود مصانع متخصصة بصناعة البطاريات وطلاء المعادن والدباغة والجلود والورق والاسفنج .
وتشكل هذه المصانع غير القانونية خطرا على سكان مدينة طولكرم بيئيا وصحيا بالإضافة إلى تأثيراتها الضارة على العامل الفلسطيني الذي يتعرض يوميا للأبخرة السامة والمخلفات القاتلة والتي أدت إلى زيادة حالات السرطانات في المدينة وبخاصة بين العمال.
وأحد الأسباب التي ساعدت على إقامة هذه المصانع وتمكين وجودها، سيطرة الاحتلال على الأراضي الزراعية التابعة للفلسطينيتين بالإضافة إلى استغلال العامل الفلسطيني الذي يعيش تحت وطأة البطالة وانعدام فرص العمل، للعمل مقابل أجر زهيد.
ومنذ عام 2010 لم يتمكن العامل "مازن.ع" من سكان مدينة طولكرم وحتى يومنا هذا من إيجاد عمل بديل يستطيع من خلاله تأمين لقمة عيشه وعائلته، خاصة بعد تسريحه وأكثر من 50 عاملا على اثر مشاكل مادية وقعت في مصنع "المشاتيح".
وجدير بالذكر أن أرباب العمل الإسرائيليين يقومون بالتنسيق والمتابعة مع الارتباط الإسرائيلي لمنع إصدار تصاريح أمنية للعمال الذين يختلف المصنع معهم ويرغب بتسريحهم وفصلهم.
هذا ويصبح العامل الفلسطيني عرضة للملاحقة من قبل مخابرات الاحتلال وجيشه، اللذان يرصدان قضايا العمال بشكل دقيق.
تصاريح أمنية .. وسماسرة..
وفي السياق ذاته، أوضح محمد بليدي رئيس نقابة العاملين في الصناعات الغذائية والزراعية أن العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل إسرائيل مقسومين لثلاثة أقسام منهم من يحصل على عمل من خلال مكاتب الاستخدام، وهؤلاء يمتلكون تصاريح عمل، وآخرون يعملون بتصاريح تجارية، إضافة إلى من يحصلون على تصاريح بأنهم عمال مستوطنات أمثال عمال المصانع.
وأشار إلى أن عدد العمال الفلسطينيين الذين يدخلون بتصاريح للعمل بالمستوطنات بلغ عددهم 22.250عامل.
وكشف أن أكثر من 15.000 يدخلون المستوطنات للعمل بدون تصاريح كـ "عمال زراعيين" في مواسم قطف العنب والحمضيات والتمور، وهؤلاء رواتبهم ضئيلة جدا تبلغ حوالي 50 شيكل يومية مقارنة بالأعمال الشاقة المكلف بها، يذهب منها 20 شيكل للسماسرة ناهيك عن المواصلات.
وبين بليدي أن وضع هؤلاء العمال صعب وخطير للغاية في ظل انتهاك حقوقهم وحرمانهم من أبسط مطالبهم، مؤكدا أن يومية "العامل الزراعي" الإسرائيلي تبلغ حوالي 170 شيكل .
وقال إن" أكثر من 90% من عمال المصانع الإسرائيلية هم فلسطينيون."
امتيازات مفقودة ..
وحول الامتيازات التي يكفلها القانون الإسرائيلي، ويحرمها رب العمل للعامل الفلسطيني، قال العامل "م.ن" أن الإسرائيلي يتمتع بأيام الاستجمام والرفاهية فيما نحرم نحن منها ".
وأضاف " نحصل على 24 يوم كإجازة سنوية، يخصم منها أعيادنا والتي نأخذها على حسابنا الخاص، ليتبقى 16 يوم فقط، خلافا للإسرائيلي الذي يحصل على 24 يوم كإجازة دون خصم إضافة إلى العيدية التي تقدر بـ 300 شيكل بينما نحصل نحن على 120 شيكل ".
إلى ذلك، تقوم إدارة المصنع بخصم العطلة الأسبوعية"السبت" من أجرة الفلسطيني فيما يتم احتسابها للإسرائيلي بأجر مدفوع".
وأوضح أن العامل الإسرائيلي عند تعرضه لإصابة العمل يحصل على إجازة تقدر بـ30 يوم بينما الفلسطيني يزداد الضغط عليه ويتواصل تهديده بالتسريح من العمل في حال تأخره عن الالتزام بالعمل .
وقال " ينعم الإسرائيلي باجرة شهرية، بينما نحن نحصل على أجرة يومية غير منصفة لطبيعة عملنا القاسي ناهيك عن الراتب المرتفع للإسرائيلي مقارنة بالراتب الزهيد الذي نحصل عليه، مشيرا إلى أن الكثير من المصانع لا تزال تطبق القانون الأردني والذي يحرم العامل من حقوقه وامتيازاته ".
ظروف عمل قاسية..
وفي هذا الصدد، استعرض رئيس نقابة العاملين بليدي المخاطر التي يتعرض لها عمال مصنع "ديكسون جاز" جراء انبعاث روائح كريهة وسامة يتعرض لها العامل الفلسطيني خلال قيامه بإعادة استخدام غاز الـ proom الكيميائي الخطر والذي يستخدم لتعقيم الأرض الزراعية.
وكشف عن موت ثلاث عمال فلسطينيين حرقا ، بالإضافة إلى تعرض ثلاثة آخرين للإصابة بمرض السرطان .
ومن الإجراءات التعسفية التي تستهدف العامل الفلسطيني قال بليدي إن "مصنع البلاستيك الإسرائيلي لا يوفر إجراءات السلامة والأمن وظروف العمل الصحية للعامل الفلسطيني حيث يقوم بصهر البلاستيك في قلب مكب االنفايات دون توفير "تواليت" أو مغسلة للتعقيم.
وأضاف أن" هذا المصنع يشكل خطرا جسيما على العمال، خاصة وانم يضطرون إلى الأكل والعمل في نفس المكان وهو مكب النفايات
وحول الحرمان من ابسط الحقوق، قال عماد درويش من اللجنة العمالية " التمييزات كثيرة فمثلا الإسرائيلي يتم توفير الشاي والقهوة والحليب والنسكافيه والراديو طيلة الوقت الذي يمكثه بالمصنع، بينما يحرم الفلسطيني من ذلك فيما يقدم له فقط الشاي والقهوة وفي أوقات محددة .
انجازات اللجنة العمالية..
واستعرض عماد درويش الانجازات التي استطاعوا انتزاعها من أرباب العمل الإسرائيليين قائلا.." استطعنا تحقيق الحد الأدنى للأجور وتطبيق القانون الإسرائيلي على العامل الفلسطيني في مصنع ياميت حيث يتقاضى الفلسطيني 212 شيكل بعد أن كان يتقاضى 80 شيكل فيما يحصل الإسرائيلي على 500 شيكل يومية لثماني ساعات" .
وأضاف " استطعنا توفير إجراءات الأمن والسلامة حيث قمنا بالضغط لتوفير شفاطات لشفط الأبخرة والأدخنة والغبرة وبرادة الحديد، بالإضافة للكمامات وملابس العمل الواقية وغير المتوفرة بالسابق ".
ومن انجازات نقابة العاملين أنها استطاعت تشكيل مجموعة من اللجان العمالية في غالبية المصانع التي يعمل فيها الفلسطينيين.
جدير ذكره، أن أعضاء اللجنة العمالية لا تستطيع التواصل مع النقابة بسبب تهديدات أرباب العمل الإسرائيليين بالفصل لذلك يتم التعامل معها بشكل غير مباشر حيث يتم استعراض مشاكلهم واحتياجاتهم دون علم أحد ـ حسب تأكيدات رئيس النقابة.
ويحاول أعضاء اللجنة العمالية بمصنع "ياميت" العمل من أجل ضم العامل الفلسطيني للتامين الوطني لضمان راتب التقاعد والتوفيرات ."
أيضا السعي لتوفير الاستجمام حسب القانون الإسرائيلي بحيث يحصل العامل سنويا على ستة أيام نقاهة وترفيه من إدارة المصنع بأجرة 400 شيكل عن كل يوم وهذا يحرم منه الفلسطيني فيما يحصل عليه الإسرائيلي إضافة إلى توفير التأمين الصحي .
معاناة يومية .. وإذلال مقصود..
وتطرق العامل "م.ن" للمعاناة التي يكابدها كبقية زملائه، للوصول إلى مصنع "ياميت" نتيجة المعاملة السيئة على البوابة الأمنية ، حيث يتعرضون لعمليات الإذلال اليومي والتفتيش المستفز وغير ذلك من الممارسات اللانسانية بحقهم, مشيرا إلى أن العامل الفلسطيني المغلوب على أمره هو " الضحية " .
ويضطر عمال المصانع كافة من الدخول عبر بوابة مدخل مصنع "ياميت" وذلك لإجراءات أمنية، حيث تفتح البوابة لساعات معينة بعد أن تم تجهيزها بكاميرات مراقبة وجهاز للفحص ، وبعد اجتياز العامل المرحلة الأولى يقوم بالدخول إلى"معاطات " تقوم بلفه للوصول إلى المخرج التي يؤدي للمصانع الأخرى
وقال محمد بليدي "نحن مع العمال الفلسطينيين لآخر رمق" داعيا أنصار النقابات العمالية في العالم إلى الضغط على إسرائيل للتعامل مع الفلسطينيين على قدم المساواة مع نظيره الإسرائيلي".
وأشار إلى قيام نقابة العاملين بمتابعة قضايا العمال مع " مؤسسة عنوان العامل" الموجودة داخل إسرائيل لمتابعتها قضائيا وبشكل قانوني".
وطالب بليدي المشغل الإسرائيلي بضرورة توفير عمل ملائم لضمان وصول العامل بشكل آمن لعملهم، مشيرا إلى التمييز "الواضح" و"الغير طبيعي" بالأجر والمعاملة وشروط الاستخدام وظروف العمل.
تقرير- همسه التايه ـ لمضمون جديد