إسرائيل تدفع الفلسطينيي لانتفاضة ثالثة

بقلم: هاني العقاد

لن تنجح إسرائيل معظم الأحيان بمخططاتها الدهائية واستخدام الشعوب لأغراض استعمارية بحته , ولن تنجح إسرائيل في استخدام الشعب المحتل لمصالحها لان هذا الشعب سرعان ما يعرف أن وجهته الحقيقية هي الاحتلال , و مهما استطاعت إسرائيل من حبك المخططات التي تنال من إستراتيجيتنا الفلسطينية الرامية للحصول على الشرعية الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية , و مهما استطاعت أن تقسم الوطن وتحاصره وتبتعد به بعيدا عن القوة التي يمكن أن تواجهها يوما من الأيام , فأنها لن تستطيع أن تمنع ثورة الشعب الفلسطيني في وجهها مرة أخري , وخاصة إذا ما كانت هذه الثورة مصدرها الجوع والإحباط السياسي العام ,وهذا ما أود أن أؤكده الآن الانتفاضة الثالثة أصبحت قريبة والطريق أمام تفجرها أصبحت سالكة وكل المراحل التي تعتبر مقدمات طبيعية لساعة الانفجار خاضها الشعب الفلسطيني وتجاوزها وقد وصل إلى مرحلة الانفجار.

تستخدم إسرائيل نفس الإستراتيجية التي تتبعها من حين إلى آخر لتركيع الفلسطينيين اليوم و الحيلولة بينهم وبين استقلالهم السياسي ,والحيلولة بينهم وبين إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تعيش على قدرات وخيرات وكفايات الوطن الفلسطيني عبر نظرية التجويع بهدف التركيع , واليوم مع إصرار الفلسطينيين على التوجه للأمم المتحدة في معركتهم الشرعية التي ستنال فيها فلسطين عضويتها بالأمم المتحدة تشدد إسرائيل حصارها على كافة مناطق الفلسطينيين بالضفة الغربية و قطاع غزة , و ليس التشديد فقط وإنما التهديد فقد هدد نتنياهو بعملية عسكرية ساحقة للقطاع و قبله هدد ليبرمان بتصفية رأس القيادة الفلسطينية الرئيس محمود عباس متهما إياه بممارسة الإرهاب الدبلوماسي , لهذا فقد عمدت أجهزتها الأمنية والاقتصادية إلى حرمان الفلسطينيين من أموالهم التي تأتي عن طريق الضرائب وحرمت الفلسطينيين من حرية التجارة الدولية بسبب قيود بروتوكول اتفاقية اسلوا المسماة اتفاقية باريس الاقتصادية والتي حان موعد التخلص منها لأنها لم تعد سوي قيود تستخدمها إسرائيل لصالح سياسياتها الابتزازية , واليوم في ممارسة ابتزازية من شانها الإسراع تحول وجهة الغضب الجماهيري الفلسطيني نحو المحتل ربطت إسرائيل بين فتح اتفاقية باريس من اجل تعديلها بما تلاءم وظروف الوضع الراهن وقبول أبو مازن في التفاوض دون شروط أو قيود ,وكما ربطت بين تعديل بنود الاتفاقية وطلب أخر يكشف نوايا إسرائيل وسوء نيتها السياسية وهي امتناع الفلسطينيين عن الذهاب للأمم المتحدة وطلب عضوية الدولة الفلسطينية .

داني أيألون نائب الوزير المتطرف ليبرمان وزير خارجية العدو قال بالحرف الواحد " لا مجال لتعديل اتفاق باريس ما دامت العملية السياسية تراوح مكانها وفي الوقت الذي تتراكم فيه الديون المستحقة على الفلسطينيين لإسرائيليين مقابل الكهرباء والوقود وغيرها مما يحصلون عليه من إسرائيل فضلاً عن استمرار النشاط الفلسطيني ضد إسرائيل في المحافل الدولية" , و يبدو أن إسرائيل الآن تضغط بكل ثقلها السياسي والاقتصادي وحتى الأمني على السلطة الفلسطينية لتمتنع عن الذهاب إلى الأمم المتحدة , ويبدو أن السلطة أمام احد خيارين إما الجوع وعدم الركوع و الانتصار للتاريخ والقضية أو الركوع والخنوع بعد أن تدفع الدول المانحة والأموال و تفرج إسرائيل عن أموال الضرائب وبالتالي تقوم السلطة بدفع الرواتب ورفعها ليتمكن الناس من العيش ولو دققنا في الخيارين لوجدنا أنها خيارات صعبة ,لكن أصعبهما أن تضحي القيادة بالشرعية الفلسطينية وتتراجع عن نيل العضوية من الأمم المتحدة والجوع أهون من فقدان حقوق الجميع و حقوقنا التاريخية , فأن جاع الشعب يعرف الشعب كيف يمكن أن يأتي بالطعام , فلا يمكن أن تبقي إسرائيل مدللة العالم تتسلح وتأكل وتنام في امن واستقرار وتنمو وتصنع مستقبل أبنائها على حساب جوع ومعاناة وفقر الشعب الفلسطيني .

إن سياسة الابتزاز والحصار والتجويع التي تمارسها إسرائيل تجاه السلطة الفلسطينية سيكون في النهاية نواح ايجابية كبيرة على مستوي دفع النضال الفلسطيني للأمام ,لان الجميع يفهم أن إسرائيل هي التي تقف وراء كل شيء وهي السبب في حالة الجمود السياسي الذي أعاق مستقبل الفلسطينيين السياسي وهى السبب وراء حصار الفلسطينيين والتضييق على معيشتهم وأن إسرائيل تخطط لإعاقة الاقتصاد الفلسطيني لأنه المدخل لإعاقة الإستراتيجية السياسية الفلسطينية نحو الدولة والسلام الشامل ,ولعل كل هذا سيدفع الفلسطينيين في النهاية إلى المواجه الحتمية مع إسرائيل وهذه المواجهة حتما ستكون الانتفاضة الثالثة التي سيشترك فيها كل أبناء الفصائل الفلسطينية وكل شرائح الشعب الفلسطيني في غزة والضفة , فلا يعقل أن يعيش الفرد في فلسطين على اقل من دولارين يوميا و يعيش الفرد في إسرائيل على أكثر من ثلاثين دولار يوميا, ولا يعقل أن يعيش الفلسطينيين على الصدقات إلى أخر العمر , ولا يعقل أن يصمت الفلسطينيين على طردهم من بيوتهم واستيطان أرضهم إلى أخر العمر ,ولا يعقل أن يعيش الفلسطينيين في سجون كبيرة تحكم إسرائيل السيطرة عليها بالجدار والحواجز والدبابات والطائرات والبوارج الحربية دون أن ينتفض الفلسطينيين باحثين عن استقلالهم و حرية دولتهم وعزتهم وكرامتهم ,ودون أن ينتفض الفلسطينيين في وجه إسرائيل و يدمروا جدارها اللعين ويحطموا أبواب سجونها المقيتة ويرفعوا أعلام الدولة الفلسطينيين على مآذن القدس وكنائسها وحواريها وأزقتها العتيقة .