حل السلطة أو إلغاء "تفاهمات أوسلو" فكرتان مترابطتان، كانتا وما زالتا من الخيارات ربما القليلة والقليلة جدا أمام القيادة الفلسطينية، وقد تم تداولهما والحديث عنهما أو حولهما في أكثر من مناسبة أو مرحلة – مفصلية- من مسيرة المفاوضات "العبثية" التي شغلت الدنيا لسنوات طويلة، وتمخضت عن صفر نتائج.
لاشك أن هنالك من لا زال يتبنى "تفاهات أوسلو"، ويعتقد بانها حققت الكثير من الانجازات للشعب الفلسطيني، هذا الكلام، قد يكون فيه جانب من الصحة عندما كانت تلك "التفاهات"، لا زالت تعطي "بصيصا" من الأمل للشعب الفلسطيني بإمكانية تحقيق ولو انفراجة بسيطة في الوضع المستعصي المستمر منذ نكبة فلسطين وحتى اللحظة.
أما وقد تكشفت عورات أوسلو، وأصبحت عائقا في طريق تحقيق الأمل الفلسطيني في الحرية والاستقلال، فقد صار الحديث عن أية انجازات حققتها تلك التفاهات، وبعد ما يقارب العقدين من الزمن على توقيعها، صار حديثا اقرب إلى العبث منه إلى أي شيء آخر.
خيار حل السلطة أو التخلص من تبعات أوسلو، كان دائما موجودا على الطاولة، وكان الخوض فيه يتصاعد في بعض الأحيان، ويتلاشى ويختفي في أحايين أخرى، إلا انه وفي ظل انسداد الأفق الذي تفرضه ممارسات دولة الاحتلال، فقد صار الحديث عنه وفيه بصوت أعلى مما سبق، لا بل صار الحديث عن الحل الآخر- وهو دولة لشعبين- وهو الأكثر واقعية بحسب ما نعتقد، يبرز إلى السطح أكثر من الأوقات السابقة، خاصة في ظل استلاب الأرض ومصادرتها لصالح المستوطنين والمستوطنات، وكذلك في ظل مخططات التهويد المستمرة على قدم وساق لمدينة القدس العربية.
الأحداث التي جرت في الأراضي الفلسطينية على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية، برغم كل التحفظات التي يمكن أن تقال في هذا السياق، جعلت أركان قيادة الكيان على اختلاف توجهاتهم، يهرعون إلى العمل على "مساعدة" السلطة، من اجل التخلص من "المأزق" المالي الذي يعصف بخزينتها، هذه الخزينة الخاوية من الأموال هي في الواقع مسؤولية دولة الاحتلال، ذلك انه وبحسب القوانين الدولية، فان الأراضي المحتلة تبقى مسؤولية تلك الدولة، وهذا ما كان عليه الحال حتى أقيمت السلطة الفلسطينية، حيث استطاعت دولة الكيان، أن تتخلص بذكاء من كل المسؤوليات المالية تجاه الأراضي المحتلة، وحملتها للسلطة، كما ورطت العالم في تلك المسؤولية، وهذا احد اشد وجوه الغرابة في "تفاهات" أوسلو، حيث السؤال، كيف كان لمن وقع تلك التفاهات أن يقدم على مثل هذا الفعل.
عندما تسارع دولة الاحتلال لمد خزينة السلطة بالأموال، فهي إنما تفعل ذلك، من اجل منع انهيار السلطة، التي أدارت أمة العربان لها ظهرها، من اجل إجبار شعب فلسطين وقيادته على مزيد من التنازلات لدولة الاحتلال، برغم ان ما تحتاجه تلك الخزينة، ليس سوى مبالغ تعتبر بسيطة، إذا ما قورنت بكل ما تم ضخه من خزائن امة العربان في الحروب التي جرت في المنطقة، ابتداء من التآمر على العراق واحتلاله، مرورا بليبيا وانتهاء بسوريا.
دولة الكيان التي تعمل على إقناع المانحين مد يد العون إلى السلطة، إنما تفعل ذلك لأنها تدرك معنى انهيار السلطة، أو حلها وانتهاء "تفاهات أوسلو" إلى غير رجعة، وهي تعلم تماما ان الغضب الذي سينفجر في الشارع الفلسطيني، لن يبقى ضمن حدود مسؤوليات السلطة الفلسطينية، بل سيمتد إلى داخل الكيان، وسيتجه في نهاية المطاف إليها، الأمر الذي تعتقد بأنها في غنى عنه.
ان مجرد التفكير في حل السلطة يجعل من قادة الاحتلال يشعرون بحالة من الرعب أكثر من أي شيء آخر، وهو كابوس يؤرق مضاجعهم، حيث لعبت السلطة في الكثير من المحطات، بحسن او بسوء نية، او لمجرد انها موجودة، لعبت دورا "ملمعا" ومانعا، بصورة او بأخرى من ازدياد قبح صورة كيان الاحتلال، واستطاع الكيان أن يخادع العالم في انه يمنح الفلسطينيين حريات أكثر مما لديهم في بعض الدول العربية، وان ما يمارس هنا من ديمقراطية إنما هو بفضل ما يتم "التمنن" به من قبل الاحتلال على شعب فلسطين، لا بل لم يتردد شخص موتور مثل ليبرمان، ان يزايد على السلطة وان يطالب بانتخابات لا بد من تنظيمها في مناطق السلطة، من اجل اختيار قيادة فلسطينية.
حل السلطة بالنسبة لدولة الكيان، يعني العودة إلى الاحتلال المباشر والتماس المباشر مع شعب الانتفاضتين الأولى والثانية، وهذا يعني المزيد من فضح الصورة الهمجية لقوات الاحتلال والعنصرية اليهودية الصهيونية، ويعني بالضرورة المزيد من الخسائر في صفوف قوات الاحتلال، ويعني فيما يعني المزيد من التكاليف الباهظة لدولة الاحتلال، التي اعتادت ان يكون احتلالها منذ سنوات طويلة بلا ثمن، لا بل هو أفضل وأكثر احتلال "راحة" في السنوات الأخيرة، انه احتلال يضخ إلى الخزينة مليارات الدولارات.
في العام 2006، وعندما كثر اللغط عن حل السلطة، قال العميد الصهيوني ايلان باز والذي شغل منصب رئيس الإدارة المدنية في منطقة "يهودا والسامرة" أي في الضفة الغربية، وخلال لقاء له مع بعض الشخصيات الفلسطينية في فندق الامباسادور في القدس، "إذا انهارت السلطة، لن تستطيع إسرائيل ان تبقى صامتة بلا حراك بينما يتواجد 3 مليون فلسطيني في "المناطق"، ولابد من عودة إسرائيل لحكم هذه "المناطق". وتابع يقول: "ان إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي لهذه "المناطق" يعني تكلفة إسرائيل 12 مليار شيقل على الأقل".
هذا ما قاله العميد باز، إذن وعلى اعتبار صدقية الرقم، هذا ان لم يكن اكبر من ذلك بكثير، يضاف الى ذلك، ما يمكن ان يشكله "إعادة الاحتلال" --على اعتبار ان "المناطق محررة"-- من إحراج على المستوى الدولي والعلاقات العامة والإعلام وما الى ذلك.
فإذا كانت تكلفة إعادة انتشار قوات الاحتلال قبل ما يزيد على الأعوام الستة هي 12 مليار شيقل، فهذا يعني انها الآن تكلف اكبر من هذا الرقم بكثير، حتى لا نقول ضعف هذا الرقم، هذا على الصعيد المالي. والعميد في حديثه العلني أو المعلن، لم يتطرق الى ما سوى ذلك من تكلفة في الإصابات بين الجنود وحالة الاستنفار والتجنيد والاحتياط وسواه.
الكرم الصهيوني في دعوة المانحين لدعم السلطة الفلسطينية، لم يكن من اجل العيون الفلسطينية، لان سبب المأساة الفلسطينية هم قادة الكيان الاحتلالي البغيض، وهم شذاذ الآفاق من المستوطنين العنصريين الذين يعيثون في الأرض خرابا وفسادا، هذا الكرم إنما يأتي خوفا من انهيار السلطة، وخشية من انتقال الثورة الى داخل الكيان، ومن تحول حالة الغضب الى ثورة عارمة قد تتسم في بعض من جوانبها "بعنف" لن تستطيع دولة الكيان تحمل تبعاته ونتائجه.
التحرك الذي تقوم به دولة الكيان من اجل إنقاذ المشروع المسخ المتمثل "بتفاهات" أوسلو، يأتي بعد ان لاحظنا ان دولة الكيان، لم تتوان عن استخدام المال الفلسطيني المستحق "أموال الضرائب"، من اجل معاقبة الشعب الفلسطيني قبل أشهر معدودات، ومن هنا، فلا بد من السؤال، عن كيف يستوي الأمران؟ معاقبة السلطة بالامتناع عن دفع أموال الضرائب المستحقة قبل أشهر عدة، والآن محاولة تحشيد المانحين من اجل إمداد السلطة بالمال.
وجود السلطة تحول الى مشروع استثماري صهيوني من الدرجة الأولى، ودولة الكيان، أكثر حرصا من أي من رجالات السلطة الأكثر استفادة، على الإبقاء على هذا المشروع، وهي على استعداد لتجنيد كل القوى الصهيونية واليهودية المؤثرة من اجل الحفاظ عليه.
فإذا كانت هذه هي مواصفات هذا المشروع بالنسبة لدولة الكيان، فهي لم تعد كذلك بالنسبة الى أبناء الشعب الفلسطيني، الذين أدركوا بعد وقت طويل، انه مشروع خاسر، وانه لم يجر عليهم سوى الويلات، وهذا باعتراف كل من ساهم في ولادة هذا المشروع، وفي المقدمة السيد أبو مازن، الذي لا ينفك ليل نهار يقول ان السلطة بدون سلطة، وعليه، فانه لن يكون هنالك أي ضرر في ان تتم دراسة موضوع حل السلطة او التخلص من تبعات أوسلو التي لم تلتزم بها دولة الكيان، بشكل موضوعي ومعمق بمشاركة الخبراء والمتخصصين من اجل الوصول الى ما فيه الخير للشعب والقضية.
25-9-2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت