قررت أن أنأى بنفسي عن انتقاد مواقف محمود عباس السياسية، وطالما كان الوطن للجميع، فمن الممكن أن تكون السياسة فن القفز على حبال المتغيرات، ولكن حين شاهدت محمود عباس مباشرة على القناة الثانية الإسرائيلية في الثاني من نوفمبر، اشتعلت النيران في دمي، ولاسيما أن وعد عباس قد جاءت في الذكري الخامسة والتسعين لوعد بلفور المشئوم.
لقد ظل شعبنا يتذكر هذا اليوم بالمظاهرات والهتاف ضد المجرم بلفور، حتى جاءت السلطة الفلسطينية، وألغت الذاكرة الفلسطينية، وشطبت الذكرى، وبدل أن يتوجه عباس إلى الشعب الفلسطيني بكلمة يؤكد فيها على الثوابت الوطنية، استعاض عن ذلك بكلمة إلى اليهود، سعى من خلالها إلى اقناعهم بأنه لا يضمر لهم شراً، وأنه لا يحقد عليهم، وأنه لن يسمح لفلسطيني بأن يمس أمن اليهود بسوء، وأنه صادق في تخليه عن الوطن فلسطين، وقال حرفياً: لقد زرت صفد مرة من قبل، ومن حقي أن أزور صفد لا أن أعيش فيها،
وأضاف: فلسطين الآن في نظري هي حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لها، هذا هو الوضع الآن وإلى الأبد، هذه هي فلسطين في نظري، إنني لاجئ لكنني أعيش في رام الله، وأعتقد أن الضفة الغربية وغزة هي فلسطين، وما عدا ذلك من الأرض فهي ملك لليهود.
فهل يوافق رجال فتح على ذلك؟ وماذا تبقى لكم من حق العودة؟ ماذا تبقى لنا من حقوق في فلسطين التي صارت إسرائيل؟ وهل تخلى الشعب الفلسطيني عن مدينة صفد ويافا وحيفا وعكا وعسقلان واسدود واللد والرملة إلى الأبد؟ هل يوافق اللاجئون الفلسطينيون في الشتات على هذا الموقف السياسي الذي قضى على الحلم بالعودة إلى فلسطين؟ وهل سيتخلى أصحاب القرى الفلسطينية التي دمرها اليهود عن تاريخهم وتراثهم ودينهم؟،هل سيوافق أهل قرية حمامة وبيت دراس والجورة والسوافير وعبدس وبشيت وقطرة وزرنوقا وبربرة؟ هل ستوافقون على كلام عباس الجدي والصريح في التخلي النهائي عن فلسطين؟ وماذا ستقولون للشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحرير فلسطين؟ ومن منكم سيعتذر للأسرى الذين أمضوا عشرات السنين من حياتهم في السجون؟ ومن منكم سيعتذر للجرحى؟ ومن سيعترف أمام العالم العربي بأننا نحن الفلسطينيين كذابون، لقد كذبنا حين قلنا: فلسطين لنا، ولقد كذبنا حين هتفنا: بالروح والدم نفديك يا فلسطين. ولقد كذبنا على أنفسنا حين سكتنا على عباس الذي يقول: إن الضفة الغربية وغزة فقط هي فلسطين، ولن اسمح بانتفاضة ثالثة ما دمت حياً، ولن اسمح بالعودة للإرهاب! فيا أبناء حركة فتح: هل أنتم إرهابيون؟ ويا شعب فلسطين، هل كانت التضحيات العربية والفلسطينية السابقة؛ هل كانت عملاً إرهابياً ضد اليهود المساكين العائدين إلى وطنهم؟!.
أزعم أن وعد عباس لليهود؛ بأن لا حق له في العودة إلى مدينة "صفد" المغتصبة، أزعم أن هذا الوعد أكثر خطورة على الأمة العربية والإسلامية من وعد بلفور لليهود.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت