مقال مناقشة فى مستقبل حركة فتح- الحلقة الأولى

بقلم: عبد ربه العنزي


علمتنا تجربة فتح التنظيمية ان اكثر ما استنزف جهدها، وأهدر طاقتها، وافسد تجانسها، هو الاختلاف الذي تراكم فأصبح نوعا من الخلاف الذي شق وحدة صفها، وسددت فتح الحركة والقيمة والتاريخ فواتير باهظة، ودفعت ثمن خلافاتها من قوتها وجماهيريتها وفعالية برامجها.
ان فتح ليس بخير، مقدمة كان يجب ان ندركها بعد انتخابات المجلس التشريعي عام2006، وتعاظمت أزمتها بعد الانقلاب الذي شهدته غزة عام2007، وكان آخر هذه الانتكاسات الانتخابات المحلية التي أجريت في الضفة الغربية عام2012. وبين هذه المحطات الثقيلة هذه كانت مئات المشاهد التي تستوجب الصحوة، والمراجعة، وإعادة التقدير، والتقييم الموضوعي، والهيكلة المحكمة.
فترة طويلة من الإخفاقات المتتالية التي لم تجد منقذا، صحيح تعددت المبادرات الارتجالية والعشوائية، لكنها في العموم كانت دوما تصطدم بعقول وقيادة غير قابلة للتطور، انهمكت كل الطاقات في فتح تقدم مبادرات وحلول واقتراحات،ضاعت الجهود في البحث عن تسويات هشة، وتموضعات جهوية وشخصية وانتهازية، انشغل الجميع في السؤال عن الحل، وأفرغت الحركة عمليا من الفعل والبرنامج والتخطيط والانجاز.
المؤتمر السادس لم يكن الحل بقدر ما عزز تناقضات فتح وتشرذمها وتبايناتها، فاتسعت هوة الاختلاف، وظهرت الفئوية ، وتم التأكيد على خطيئة فتحاوية قديمة جديدة ،التأكيد على انغلاق مستويات التدوير في نخبة القيادة، كان المؤتمر قد ظهر وكأنه شكل من أشكال التكليف والتعيين. وضربة محبطة لإجهاض فرصة جيل الشباب، خاصة ان العمر الزمني للشباب يبدأ في فتح بعد الخمسين، كان المؤتمر للأسف تجسيدا للازمة وليس حلا لها.
لا ارغب في عقد مقارنات تاريخية أو معاصرة بين فتح ومثيلاتها من الأحزاب في موضوع أجيال وأعمار قياداتها، لكن المؤكد والذي يجب ان نقتنع به ان الحركة تمر بمرحلة شيخوخة عقلية وعضلية ، شيخوخة على حساب أجيال متتالية من شباب فتح وشبيبتها، شيخوخة تجبر حركة تاريخية كبيرة ان تستخدم في خطواتها على عكازات ، في حين ان قوتها وشبابها يمكنهم ان يحملون الوطن وقضيته وتحدياته بقوة الأسود واندفاعاتها.
فتح تواجه مشكلة في قيادتها، عقلها التنظيمي، مبررها النضالي، وحدتها، جيل كبير في فتح يتكدس منذ عشرين سنة وأكثر دون ان يكون قابلا للصعود إلى السلم التنظيمي، ودون ان يكون خارج الحركة رسميا، جيل بالآلاف خاض تجارب تنظيمية نقابية أو عسكرية أو طلابية ، يجد نفسه مجرد عضوا مجمدا، وعلى العكس نكتشف نفس الوجوه "العواجيز" القديمة على رأس الهرم التنظيمي منهم من له نصف قرن عضوا في اللجنة المركزية.
قراءة التاريخ النضالي لفتح يستدعي ان ندرس أسباب قوتها سابقا. يمكنني الاجتهاد في هذا الشأن لأشير إلى ثلاثة عوامل جعلت فتح هي الحركة الطليعية والأكبر والأكثر جماهيرية:
أولا: الكفاح المسلح ضد الاحتلال الذي جند قطاعات واسعة لمواجهة الاحتلال. خاصة فئات الشباب، والسلاح كان الرد الشجاع في تلك المراحل التاريخية الذي منحها مصداقية وجماهيرا واحتراما. فأين هو الآن؟
ثانيا:المال، حيث كانت فتح تتلقى المساعدات والتبرعات المالية، بل وان تحتفظ بميزانيات هائلة كفيلة بتحقيق جزء من بناء مؤسساتها العسكرية أو السياسية أو الإعلامية أو النقابية. فأين مالها الآن؟
ثالث: ياسر عرفات، الشخصية الكاريزمية المركزية التي أجادت التصرف والجذب والالتفاف حول شخصها والذي كان قرينا عضويا لفتح الحركة والتنظيم. وقد اغتيل مع سبق الإصرار والترصد.
ان أي محاولة لبناء فتح أو إصلاح هيكليتها أو استعادة مكانتها لا تطرح كيفية التعويض عن بدائل موضوعية لهذه الأسئلة ستظل محاولات عشوائية تفتقر إلى التخطيط البنيوي الاستراتيجي. المطلوب عملية تحديث تشمل الإجابة عن إطار هيكلي محكم وفاعل، وإعمال لبرنامج يوضح حقيقة الدور النضالي المطلوب من فتح في المرحلة الراهنة، والاعتماد على عمل مؤسسي جماعي قيادي كبديل لغياب كاريزمية الرئيس.
المطلوب عملية تتجاوز محاولات الإصلاح إلى آليات تغيير جذرية تتناسب مع كم التحولات التاريخية التي مرت وتمر بها فتح. تغيير يراعي مبادئ التحديث في العمل الحزبي والياته وبرامجه وخططه. تغيير يعالج أزمة القائد الواحد الذي يمكنه ان يأخذ الحركة في مغامرات اجتهاده وتفسيراته، تغيير يحترم الجيل الثمانيني بمنحه دور استشاري ومعنوي لا دور تنفيذي وميداني، لان في ذلك مخالفة لسنة الحياة وحركتها.
وللحديث بقية

عبدربه العنزي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت