التاريخ لا يرحم

بقلم: مصطفى إبراهيم


الحشود الكبيرة التي خرجت للاحتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية وحركة فتح في غزة أظهرت صدمة و عجز القيادة الفلسطينية بكل مكوناتها السياسية المنقسمة على ذاتها، وأنها بعيدة عن شعبها ولا تتلمس حاجاته وتفكيره، وغير مؤمنة بقدرات وإمكانات الفلسطينيين العظيمة، وعن عدم فهم حقيقتهم وطبيعتهم ومزاجهم، واعتقدت تلك القيادة أن الفلسطينيين وصلوا الى حال من الاحباط سوف لا تقوم لهم قائمة، و سيظلوا على هذه الحال من السكون والاستسلام، وكأنها لم تقرأ التاريخ الفلسطيني جيداً.
القيادة المصدومة لم تستشعر حس الفلسطينيين العالي وشعورهم بالنصر على الذات وعلى دولة الاحتلال، وأجواء الثقة بالنفس بعد العدوان الاسرائيلي الاخير على غزة، وانجاز الدولة غير العضو، هي ذات القيادة التي حاكمها الفلسطينيون على سلوكها وممارساتها في انتخابات 2006، والان يقرع الفلسطينيون أجراس الانذار لمحاسبة القيادة شعبياً سواء في غزة او رام الله، على سلوكها وممارساتها من التغييب والإقصاء والاستهتار بهم وقدراتهم، وكأنها تقول لهم لا مستقبل لكم بيننا، وانتم على هذه الحال من الاستمرار في سرقة ارادتهم ومستقبل قضيتهم.
ليس للقيادة الفلسطينية مستقبل، والسؤال عن مستقبل القضية الفلسطينية، في ظل نزف الدم الفلسطيني والسنوات والأيام، والاحتلال ماض في مشاريعه، من تهويد القدس وغول الاستيطان وفرض وقائع يومية جديدة على الارض، وحصار غزة والعدوان، وتغييب القضية الفلسطينية عن المسرح الدولي والعربي.
ما جرى مفيد للقيادة ويجب محاكمتها على سلوكها، لتعيد للقضية الفلسطينية بريقها ولمنظمة التحرير دورها، فالثورة الفلسطينية قامت ضد الظلم والاحتلال، والفلسطيني لا يرضخ للظلام، ويرصد منذ سنوات ما يجري في ساحته الخارجية، فكيف لا يستطع رصد وتوثيق ما يدور في ساحته الداخلية، وها هو يضع القيادة في الامتحان من جديد.
القيادة لم تصدق عيناها، بعض منها يشكك في ما شاهدوه، لم تحضر ذاتها اصلا لهذا النوع من المناظر المهيبة، والتجربة تقول ان الحال سيدوم، سرقتهم السلطة وسطوتها ونهمها، واقنعوا انفسهم بان الشعب يرضى بالقليل ونصيبه من الرزق هو من الله، وان الظلم وغياب العدل و العدالة الاجتماعية وقمع الحريات وعدم احترام حقوق الانسان هي تقارير مفبركة من قلة من المشاغبين، وان الجوع والبطالة وتكافؤ الفرص هي شائعات، وان الشعب موحد خلف قيادته وخطها السياسي، والتقارير الامنية مصدقة، ولم يخطر في بالهم ان الشعب لا يرحم.
في حالتنا القيادة تعودت على اساءة التقدير، لم تقرأ الغضب في نفوس الناس، ولم تستشعر الظلم وهي تمارسه ضدهم، بريق السلطة عزلهم عن ما يجول في صدور الناس ونبض الشارع، لم يصدقوا أن جيلا تربى في اجواء الانقسام والظلم وقطع الرواتب والقمع والاعتقالات والضرب والتعذيب والإقصاء والتغييب والاستئثار بالسلطة، وغياب العدالة والحريات وتفسخ النسيج الاجتماعي.
فلسطين قضيتها تعني شعبها وتعني الاخرين، فهي محتلة والاحتلال العنصري قائم ويمارس ابشع الانتهاكات بحق الناس، وسلطتيها تحولتا الى نظام بكل ما تعنيه كلمة النظام في نفوس الناس من القمع والتسلط والاستبداد، والأخطاء والخطايا تكبر يوما بعد الاخر، ولم يتم استخلاص العبر حلال السنوات الماضية، ولم يتم استغلال الفرص السانحة، الناس تعظم الانجازات البسيطة للتقدم للإمام مع انها صفر.
الفلسطينيون هاجسهم العدالة، و مستمرون بالثورة ومؤمنون بحقهم بالتحرير وإقامة دولتهم المستقلة، ومستعدون لمقاطعة الماضي من اجل المستقبل، مستقبل قائم على قيم الديمقراطية، واحترام حقوق الانسان والحريات، والاختلاف، وقبول الرأي الاخر والمساواة وعدم التمييز، والتعددية، لن يقبلوا العودة الى الخلف وعلى القيادة ان تدرك ان التاريخ لا يرحم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت