خطاب أوباما حول حالة الاتحاد وملامح سياسة واشنطن الخارجية

بقلم: محمد بوبوش


عندما يخاطب الرئيس أوباما قادة الحكومة الفدرالية الأميركية وموجهيها يوم الثلاثاء 12 فبراير يكون قد أدى واجباً دستورياً وسار على نهج تقليدي مستمر طويل الأمد دأب على اتباعه أسلافه من الرؤساء الأميركيين.
فالدستور الأميركي يطالب رئيس البلاد بأن يقدّم "من وقت إلى آخر" تقريراً عن "حالة الاتحاد." وتطوّر هذا المطلب الدستوري منذ ذلك الحين إلى تقليد رئاسي متمثل في خطاب الرئيس السنوي عن حالة الاتحاد والذي بات يخدم عدة أغراض. منها أن الخطاب يعرض حالة الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي والخارجي الدولي ويقترح جدول أجندة تشريعية للسنة المقبلة ويتيح للرئيس الفرصة كي يشرح للأمة رؤيته الشخصية.
تاريخ الخطاب
يعود تقليد إلقاء خطاب الرئيس عن حالة الاتحاد إلى العام 1790 عندما تلى الرئيس الأول للولايات المتحدة جورج واشنطن "رسالته السنوية" إلى الكونغرس في مدينة نيويورك التي كانت آنئذ العاصمة المؤقتة للولايات المتحدة. ثم تبعه في هذا النهج خلفه جون آدمز.
أما الرئيس الثالث للبلاد، توماس جفرسون فقد رأى أن مثل هذه الاستعراضات المظهرية لا تليق بجمهورية ديمقراطية جديدة. فبعث برسالة خطية إلى الكونغرس بدلا من المثول فيه شخصيا. ونظراً لما كان لجفرسون من تأثير كبير فقد حذا حذوه الرؤساء اللاحقون على مدى أكثر من قرن من الزمان وبعثوا إلى الكونغرس برسائل سنوية خطية.
وكانت تلك الرسائل في العقود المبكرة من قيام الجمهورية عبارة عن لوائح تضم مشاريع القوانين التي يرغب الرئيس في سنها وإقرارها، والتي كانت تشكل آنذاك انعكاساً لمجرى النزعة الفكرية والحوارية السائدة والمشاكل العملية الناجمة عن بناء الأمة الأميركية الفتية. وتناولت في الوقت ذاته الوضع الدولي ومكانة أميركا في العالم.
ولعل الرئيس أبراهام لنكولن هو الذي كتب خلال الأزمة التي هدّدت أكثر من غيرها من الأزمات مصير البلاد ووجودها، ألا وهي الحرب الأهلية، أبلغ الرسائل وأبقى الخطابات الرئاسية كلها إلى الكونغرس.
فقد كتب لنكولن في رسالته عام 1862 قائلا "إننا حين نمنح الحرية للرقيق نضمن الحرية للحر- فهما صنوان في الاحترام في ما نعطيه وما نصونه."
وفي العام 1913 أحيا وودرو ويلسون الممارسة التقليدية في إلقاء الرسالة السنوية شخصياً. وكان ذلك القرار خطوة آنية لأن الولايات المتحدة كانت آنذاك قد بلغت عشية ثورة الإعلام الجماهيري التي كانت على وشك إدخال الرؤساء إلى بيوت الأميركيين عبر إذاعات الراديو أولا ثم التلفزيون لاحقا.
ومع انتخاب الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت عام 1932، كان الأميركيون قد اعتادوا الاستماع إلى الرؤساء عبر الراديو ومشاهدتهم وسماعهم في الأفلام الإخبارية في دور السينما.
وبحلول العام 1945 كانت الرسالة الرئاسية السنوية قد صارت تعرف رسمياً بخطاب حالة الاتحاد. كما أصبحت عنصراً أساسيا في إذاعات التلفزة والراديو مع تزايد مبيعات أجهزة التلفزيون زيادة كبيرة في الخمسينات. وإدراكاً منه لما يتمتع به التلفزيون من قوة ونفوذ في إيصال خطاب الرئيس إلى جماهير غفيرة، غيّر الرئيس ليندون جونسون موعد إلقاء الخطاب التقليدي من الظهيرة إلى المساء لإتاحة مشاهدته من قبل جمهور أكبر من الناس.
أما الرد التقليدي على الخطاب فقد نشأ عام 1966 عندما أدلى نائبان جمهوريان في الكونغرس، كان أحدهما جيرالد فورد الذي أصبح رئيساً في ما بعد، بالرد الجمهوري على خطاب الرئيس جونسون عن حالة الاتحاد.
وينص التعديل العشرون للدستور الأميركي على أن الرؤوساء ونواب الرؤساء يجب أن يؤدوا اليمين الدستورية ظهر يوم 20 كانون الثاني/يناير كل أربع سنوات، مسجلين بذلك الانتقال السلمي والمنتظم من حكومة إلى أخرى، وفق اختيار الشعب الأميركي بعد إجراء انتخابات عامة. ولأن يوم 20 كانون الثاني/يناير وقع في يوم أحد في العام 2013، فقد أقيم احتفال قصير خاص في البيت الأبيض.
وفي 21 كانون الثاني/يناير 2013، أقيم الاحتفال العام أمام واجهة الجناح الغربي من مبنى الكونغرس الأميركي وتبعه مأدبة غداء استضافها الكونغرس، ثم الاستعراض المرافق للتنصيب بقيادة الرئيس والسيدة الأولى، ثم أقيمت الحفلات الراقصة احتفالا بالتنصيب. يُذكر أنه في العام الحالي 2013، كان 21 كانون الثاني/يناير أيضًا يوم عطلة رسمية فدرالية تكريمًا لذكرى ميلاد زعيم حركة الحقوق المدنية الذي تعرض للاغتيال مارتن لوثر كينغ جونيور.
استخدم الرئيس أوباما في الاحتفال العام يوم 21 كانون الثاني/يناير كتابًا مقدسًا كان للرئيس إبراهام لينكون وكتابًا مقدسًا استخدمه كينغ، وبات أوباما الرئيس الأميركي السابع عشر الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية.
وبعد ثلاثة أشهر من فوزه بفترة رئاسية ثانية في السادس من نوفمبر يجد الرئيس الديمقراطي أمامه فرصة ولو ضئيلة لدفع أولويات سياساته الخاصة بالاقتصاد وإصلاحات الهجرة وتقييد حمل السلاح في الولايات المتحدة.
تطرق الرئيس باراك أوباما في أول خطاب لحالة الاتحاد في ولايته الرئاسية الثانية إلى أبرز قضايا الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة، ليطلع الأميركيين وكذلك العالم، على الأطر العامة لسياسات إدارته خلال السنوات الأربع المقبلة.
ورغم هيمنة القضايا الداخلية والخلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين على خطاب أوباما الذي ألقاه مساء الثلاثاء، تحدث الرئيس الأميركي عن الصراع الدائر في سورية والأوضاع في مصر وجهود السلام في الشرق الأوسط، إضافة إلى الملف النووي الإيراني المثير للجدل.
التحول في الشرق الأوسط
شدد أوباما على أن نهج إدارته يقوم على تقديم الدعم لحلفائها في العالم لـ"حماية الديموقراطية"، وأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب شعوب الشرق الأوسط وهم يطالبون بحقوقهم الأساسية و"سندعم الانتقال المستقر نحو الديموقراطية".
وأضاف أن عملية الانتقال هذه "ستسودها الفوضى ولا يمكننا أن نفترض أننا سنستطيع إملاء شكل التغيير في بلدان مثل مصر، لكننا نستطيع وسنصر على احترام الحقوق الأساسية لكل الشعوب". مشيرا إلى أنه سيحمل معه عدة رسائل في هذا الصدد في زيارته إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل.
الأزمة السورية
وبالنسبة لسورية التي تشهد نزاعا دمويا بين المعارضين والقوات الموالية للرئيس بشار الأسد منذ عامين، وعد أوباما إن إدارته ستواصل ممارسة المزيد من الضغط على النظام السوري الذي "يقتل شعبه".
وأن الولايات المتحدة ستدعم أيضا "قادة المعارضة الذين يحترمون حقوق جميع السوريين".
وفيما يخص القضية الفلسطينية تعهد أوباما بالوقوف إلى جانب إسرائيل في مسعاها نحو الأمن وتحقيق سلام دائم من دون أن يشير إلى الفلسطينيين.
ويبدو أن خطاب أوباما حمل الكثير من الإيجابيات بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط محور اهتمام جميع الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين فحديث الرئيس الأميركي عن "الشعوب وما تريده"، مؤشر إيجابي على أن الولايات المتحدة تنظر إلى ما يجري في المنطقة على أنه "تحركات شعوب وليست مجرد نزاعات داخلية بين نظم معينة".
وتطرق أوباما في خطاب حالة الإتحاد أيضا إلى الملف النووي الإيراني،و قال إنه "يجب أن يقر القادة الإيرانيون بأن الوقت قد حان الآن لإيجاد حل دبلوماسي لأن التحالف ما زال موحدا لمطالبتهم بتنفيذ تعهداتهم" الدولية.وأضاف "سوف نقوم بكل ما هو ضروري لمنعهم من امتلاك سلاح نووي".
وستعقد طهران ودول مجموعة 5+1 اجتماعًا في 26 فبراير في الماتي في محاولة للتوصل الى اتفاق حول الملف النووي الايراني بعد فشل لقاءات عدة أخرى في اسطنبول وبغداد وموسكو.
وتشتبه مجموعة 5+1 (الدول الخمس الكبرى والمانيا) واسرائيل في سعي ايران الى صنع سلاح نووي تحت غطاء برنامجها النووي المدني، الامر الذي تنفيه طهران بشكل قاطع.
وفرضت الامم المتحدة سلسلة عقوبات على ايران بسبب ملفها النووي، اضافت اليها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات أخرى، ما أثر سلبًا على الوضع الاقتصادي لايران.
أفغانستان
وأكد الرئيس الأميركي على أهمية الدور الذي قامت به القوات الأميركية لهزيمة "قلب القاعدة" في أفغانستان، وأعلن نيته سحب 34 ألفا من هذه القوات خلال العام المقبل.
وقال: "هذا المساء، استطيع أن اعلن أنه خلال العام المقبل سيعود 34 الف جندي اميركي الى منازلهم من افغانستان"، موضحًا أن "الانسحاب سوف يتواصل" وأنه في نهاية العام 2014 "تكون حربنا في افغانستان قد انتهت".
وذكر الرئيس الاميركي في خطابه نهاية ايلول/سبتبمر 2012 سحب 33 الف عسكري كان ارسلهم نهاية 2009 الى افغانستان لدحر حركة طالبان.
واضاف "هذا الربيع، سوف تنتقل قواتنا الى دور داعم للقوات الافغانية المتمركزة في الصفوف الامامية" مشيرًا الى استراتيجية التحالف بقيادة الحلف الاطلسي والهادفة الى نقل المسؤولية الامنية تدريجيًا الى 350 الف جندي وشرطي افغاني.
واوضح أن "الفكرة هي ابقاء قوات قدر الممكن على الارض حتى نهاية موسم القتال" في مطلع الخريف.
وجدد الرئيس الأميركي التزام واشنطن بالحيلولة دون تحول أفغانستان مجددا إلى قاعدة للإرهاب بعد انسحاب القوات الدولية العام القادم.
الحرب على الارهاب :
كما أكد أيضا نيته مواصلة سياسته في محاربة الإرهاب من خلال الاعتماد على أطراف أخرى بدلا من إرسال قوات أميركية للقيام بهذا العمل، حيث أكد أن واشنطن ستدعم اليمن والصومال وليبيا لتحقيق الأمن ومجابهة الإرهابيين على أراضيها كما ستساعد حلفاءها في مساعيهم لهزيمة الإرهابيين كما يحدث في مالي، في إشارة إلى الحرب الفرنسية ضد الإسلاميين في شمال مالي.
الترسانة النووية
‎وأعلن اوباما أنه يريد أن يبحث مع روسيا خفضاً اضافياً للترسانة النووية للبلدين بعد تبني معاهدة ستارت لنزع الاسلحة النووية نهاية 2010،
ويقول محللون إن أمام أوباما نحو عام تقريبا قبل أن تحول واشنطن اهتمامها إلى انتخابات التجديد النصفي لعام 2014 والتي قد تجيء بمزيد من الجمهوريين إلى الكونجرس مما قد يزيد من مشكلة "البطة العرجاء" التي يعاني منها رؤساء الولايات المتحدة الذين لن يخوضوا سباق الرئاسة مجددا.
ويخدم خطاب الرئيس الأميركي السنوي عن حالة الاتحاد عدة أغراض، منها أن الخطاب يعرض حالة الولايات المتحدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويقترح جدول أجندة تشريعية للسنة المقبلة، ويتيح للرئيس الفرصة لكي يشرح للأمة رؤيته الشخصية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت