باريس - وكالة قدس نت للأنباء
عاد كارلوس الثعلب إلى واجهة الاحداث ثانية، إذ تعيد محكمة باريسية النظر في تورطه بعمليات تصفها بـ"إرهابية" على الأراضي الفرنسية، وهو الذي سجن وفق أدلة ملفقة كما يقول محاميه.
تعود محاكمة إلييش راميريز سانشيز، المعروف بكارلوس، إلى الواجهة اليوم الاثنين، أمام محكمة فرنسية لإعادة النظر في تورطه بتفجيرات وقعت في العامين 1982 و1983 في فرنسا، قتل فيها 11 شخصًا وجرح 150، ومحتمل أن يتقدم محاموه بطلب إفراج مشروط عنه.
وكانت المحكمة الخاصة في باريس حكمت على الفنزويلي كارلوس الذي يحمل لقب إبن آوى في 15 كانون الأول (ديسمبر) 2011 بالسجن مدى الحياة لتورطة في اعمال "إرهابية"، أولها تفجير قطار بين باريس وتولوز في آذار (مارس) 1982، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وجرح 28 آخرين، وتلاه هجوم آخر بعد شهر بسيارة مفخخة استهدف مقر مجلة الوطن العربي التي كانت معارضة لسوريا في باريس، قتل فيه أحد المارة وجرح 60 شخصًا.
ووقع الهجومان الآخران في احتفالات أعياد الميلاد والسنة الجديدة في العام 1983، الأول بتفجير قنبلة في عربة قطار سريع بين مارسيليا وباريس أدى إلى مقتل 3 اشخاص وجرح 13 آخرين، والثاني بتفجير قنبلة في محطة قطارات مارسيليا أودت بحياة شخصين.
ويقول المدعون الفرنسيون إن كارلوس نفذ الهجمات بالقنابل في مسعى لتأمين الإفراج عن رفيقته ماجدالينا كوب التي تزوجها لاحقًا، وهي ثورية ألمانية سابقة كانت معتقلة في فرنسا آنذاك، وعن رفيقه وبرونو بيغيه.
محاكمة 2011 ..
جاء الحكم على ابن آوى بالسجن مدى الحياة في العام 2011، بعد حكم سابق بالسجن مدى الحياة صدر في العام 1997 بسبب قتله عميلين سريين ومرشدهما في العام 1975.
ويقول الادعاء الفرنسي إن التفجيرات التي استهدفت قطارات ومحطات وسيارات في فرنسا أتت ردًا من كارلوس على اعتقال الشرطة لاثنين من رفاقه - بينهما حبيبته - وإن السلطات عثرت على بصمات كارلوس على رسالة تهديد تسلمها وزير الداخلية الفرنسي طالبت بإطلاق سراح المعتقلين. لكن محامي كارلوس يقول إن الرسالة ليس لها وجود أصلًا، وأن المحاكمة عبارة عن مهزلة لأنها مبنية على أدلة مشكوك فيها جاءت بها أجهزة المخابرات الفرنسية.
وبعد الحكم على كارلوس بالسجن مدى الحياة مرة أخرى، قالت محكمة "الإرهاب" الخاصة التي تتألف من سبعة قضاة في باريس حينذاك إنه ينبغي أن يقضي 18 عامًا في السجن كحد أدنى. وستمتد جلسات المحكمة الباريسية الخاصة حتى 26 حزيران (يونيو) المقبل، للتأكد من أن القرائن الظنية للحكم في تلك الجرائم الإرهابية ثابتة قانونيًا.
غيابيًا..
يحاكم مع كارلوس غيابيًا ثلاثة من أعضاء مجموعته، بينهم مساعده يوهانس فاينريخ المحكوم عليه بالمؤبد في ألمانيا، وألمانية اسمها كريستا مارغو فروليتش (70 عاما) تعيش حرة طليقة ولا يتوقع أن تسلمها برلين، وكانت حضرت محاكمة العام 2011، إضافة إلى شخص اسمه علي كمال العيساوي، مجهول مكان الاقامة.
وكانت المحكمة الألمانية برأت كريستا فروليتش، التي حوكمت بتهمة المشاركة في إحدى هذه الهجمات، وحكمت بالسجن المؤبد غيابيًا على المتهمين الآخرين.
يذكر أن كارلوس ظل يحظى على الدوام بدعم معنوي من جانب الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، الذي كان يعتبره "ثوريا ومناضلا". ويشار هنا إلى أنه أثناء محاكمته الأخيرة، دافع كارلوس عن براءته، واصفًا نفسه بأنه شهيد حي، لكونه الوحيد الذي لا يزال حيًا بين رفاقه الذين شاركوه في العمليات التي قام بها.
أنا أرشيف حي..
وأشاد كارلوس بالرئيس الروماني السابق نيكولاي تشاوشيسكو، لأنه أنهى ديون بلاده، ووجه تحية إلى الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بالإضافة إلى وصفه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بالرجل العظيم.
وقبل صدور الحكم، توجه كارلوس إلى القضاة بالقول:"أنتم أحرار ومستقلون في اتخاذ القرار الذي تريدون، وكل واحد منكم سيكون مسؤولًا عن ذلك، فأنا أرشيف حي، اعذروني لأني كثير الكلام، كل الثوريين هكذا." واعتبر كارلوس أن الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء العمليات التي شارك فيها هم أشخاص وجدوا في المكان الخطأ في التوقيت الصائب، مستدركًا بالقول:"أنا رجل عاطفي جدًا، لكنني في أرض المعركة بارد إلى درجة لا يمكنهم تصورها".
وإلى ذلك، فإن مناهضي وضحايا كارلوس يتهمونه بأنه قاتل مأجور، وتتهمه جماعة أخرى كانت تؤيده في السابق وتحولت للشهادة ضده بأنه "قاتل بدم بارد". ويرى كارلوس نفسه كبش فداء، ويقول هو ومحاموه إن الأدلة في القضية تستند إلى شهود غير موثوق بهم ونسخ من وثائق أرشيف المخابرات في أوروبا الشرقية.
لكن ممثلي الادعاء قالوا إن كارلوس لا يزال يشكل خطرًا على الناس، وطالبوا بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة مرة أخرى، وأن يقضي منها 18 عامًا في السجن كحد أدنى.
نبذة موجزة..
إلييتش راميريز سانشيز من مواليد 12 تشرين الأول (أكتوبر) 1949، من اسرة فنزويلية ثرية. درس المرحلة الجامعية في موسكو قبل أن ينضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين معتنقًا الإسلام. وفي العام 1975، واطلق عليه لقب الثعلب أو ابن آوى بعد أن وجد بين امتعته نسخة من كتاب فردريك فورسايت يوم الثعلب. وعاش كارلوس فترة من صباه في لندن قبل انتقاله إلى لبنان، مدفوعًا بتعاطفه الشديد مع الشعب الفلسطيني وقضيته وانضمامه هناك إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
خلال نشاطه في صفوف الجبهة، اضطلع كارلوس بمهمات قتالية عدة أشهرها احتجاز وزراء النفط في الدول الأعضاء في منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك) في العام 1975، أثناء اجتماع لهم في فيينا، وكان بينهم احمد زكي يماني وزير النفط السعودي، ونقلهم إلى الجزائر، علاوة على ارتكابه عمليات قتل أخرى عدة في أماكن مختلفة من العالم، ومن ضمنها عمليات نفذها في فرنسا.
تمكنت شرطة فرنسا السرية من إلقاء القبض عليه بالتعاون مع الحكومة السودانية ونقلته إلى فرنسا حيث جرت محاكمته بتهمة قتل شرطيين فرنسيين في العام 1975 في باريس، ويقضي فيها الآن حكمه المؤبد.
ويقضي كارلوس حكمًا بالسجن المؤبد منذ العام 1997، بعد ثلاث سنوات من اعتقاله في السودان. وإلى هذه اللحظة، يقطن تحت المراقبة والحراسة المشددة بسجن لو سانتي، ويسمح له تحت شروط عسيرة مقابلة أهله ومشاهدة التلفاز.
تحولت أسطورة الثعلب - ابن آوى إلى السجين رقم 872686 / إكس، وقد اعلنت زوجته في ما بعد أن كل أعمال كارلوس كانت لخدمة القضية الفلسطينية وأنه أعلن إسلامه في العام 1975 في اليمن الجنوبي أو ما كان يعرف جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي عاش فيها لفترة.