المقاومة تصنع المعجزات .. فتحية الى الشهداء الذين أعطونا شرف الحياة

بقلم: عباس الجمعة


في هذه الأيام التي تظللها ذكرى الانتصار العظيم للمقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية بدحر الاحتلال الصهيوني عن ارض لبنان، هذا النصر الباهر الذي كُتب بدماء الشهداء، وأعطى لبنان مكانة ممتازة في محيطه العربي، وسمعة دولية مميزة.
وامام هذه الانتصارات التي حققها لبنان بوحدته وقوة مقاومته وجيشه الوطني اسقط أهل النظام العربي، بأكثريتهم الساحقة، ملامح العدو عن إسرائيل، فصالحها بعضهم علناً وصالحها آخرون سراً، وقالت أكثريتهم، لن نظل نحارب عدواً لا نقدر على مواجهته إلى الأبد، ودولنا أولى بأن نهتم ببنائها والتقدم بها للحاق بالعصر، بعدما خسرنا زماناً طويلاً وأموالاً هائلة للإنفاق على احتمالات حرب ميؤوس من ربحها في مواجهة عدو لا يُقهَر.
وبالطبع ونحن نرى بعض انظمة العرب تندفع إلى مصالحة العدو ويقدمون التنازل نيابة عن اصحاب الارض في واشنطن ، هذه الأنظمة التي أخرجت نفسها من دائرة الحرب التي يفرضها العدو الصهيوني على الأمة منذ خمسة وستون عاما، بل ومن قبل ذلك، وفي فترة التمهيد لإقامة كيانه على أرض فلسطين بالتحالف مع دول الاستعمار القديم بقيادة بريطانيا.
نقف اليوم امام مناسبة وطنية وقومية عظيمة ذكرى انتصار لبنان ومقاومته على الجيش الذي لا يقهر، لتؤسس لمرحلة جديدة في النضال والمقاومة العربية، اعطى تأثيره المعنوي على صمود الشعب الفلسطيني ، حيث استطاع الشعب الفلسطيني العظيم بمقاومته الاسطورية ان يمتلك الارادة الحية فكان الصمود والانتصار في غزة عام 2008 ، وكان الصمود الاسطوري في الضفة والقدس بمواجهة الاحتلال الصهيوني .
وامام هذه الانتصارات اتت رياح التغيبر العربية التي أشعل شراراتها شهيد انتفاضة الجوع والكرامة التونسية "بوعزيزي" والثورة المصرية بشهدائها الذين اناروا ورسموا عالم التغيير في المنطقة لتثبت هذه الجماهير رغم كل القمع والتطويع والتجويع انها قادرة على النهوض،وقادرة أن تصنع المعجزات، فهي لم يعد لديها ما تخسره، واليوم يحاول من تملكوا الانظمة بعد السطو على الثورات العربية بتحالف مع القوى الاستعمارية وعلى راسها الولايات المتحدة اخذ المنطقة الى المجهول ، لتفتح هذه المعركة وهذه التجربة النضالية آفاقاً جديدة على المستقبل. ولكن لن تكون تلك نهاية الأمور. وأقول إنه في المرحلة القادمة سنكون أمام مواجهات أصعب من ذي قبل على الصعيد العربي كافة، ومواجهة سيناريو آخر وحلقة جديدة من المخطط الصهيوني الأميركي، وعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحيكها الإدارة الأميركية في ما اصطلح على تسميته بالشرق الاوسط الجديدالقائم على الحروب الطائفية وتفتيت المنطقة، إلا أن الوعي القومي العربي أصبح الحصانة الأولى للتصدّي لهذه المشاريع الاستعمارية الجديدة لأن الجماهير العربية قادرة على صنع المعجزات ، كما يؤكد الشعب الفلسطيني ان بوصلته لن تتغير الا بتحرير الارض والانسان وان هذه الشعوب قادرة على صنع النصر كما قال الرئيس الخالد جمال عبد الناصر واحمد بن بيله وهواري بومدين وعمر المختار والرئيس الرمز ياسر عرفات ورفيق دربه ابو جهاد الوزير وفارس فلسطين ابو العباس والحكيم جورج حبش ورمز جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية جورج حاوي وسيد الشهداء عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية وعروسة الجنوب سناء محيدلي ومعروف سعد وكمال جنبلاط ومحمد سعد وغيرهم من القادة ،المؤمنين بوحدة الهدف والمصير،المؤمنين بأن هذه الشعوب يجب أن يكون لها مكانة لائقة بين الأمم. نعم هذه الأمة العربية،أمة عزة وكرامة ،أمة رغم كل حالة الانكسار والهزائم قادرة على النهوض والتوحد،قادرة على قبر وإفشال مشاريع الفوضى الخلاقة،مشاريع تفتيت الوطن العربي واستباحة جغرافيته. أمة ستفشل مشاريع الشرق الوسط الكبير والجديد الامريكية، ولن تقبل هذه الشعوب بوجود إسرائيل واستمرار احتلالها للأراضي العربية،وبأن تكون العصا الغليظة التي تستخدمها أمريكا في ضرب حركة التحرر العربي وقواها الثورية.
ان المقاومة، التي صمدت وانتصرت في لبنان وفلسطين ، فإنها ستصمد اليوم على مستوى المنطقة ، حيث تثبت كلّ الوقائع والحقائق أنها ستخرج من هذه الأزمة أكثر قوة ومنعة وحصانة بمواجهة المشاريع المعادية التفتيتية .
أن مجرى التاريخ بدأ يتغير على إيقاع الفعل الذي صنعه الصمود وكتبت المقاومة صفحاته الناصعة البيضاء، وان ما نشهده اليوم من تغير للمعادلات الجيو ـ سياسية، يأتي نتيجة الإرادة القومية الصلبة الرافضة للمشاريع الاستعمارية، والتي تلاقيها إرادة إقليمية ودولية ترفض كذلك سياسة الهيمنة والأحادية الأميركية التي انتهى زمنها ومفعولها.
وعلى هذه الارضية نرى ان الانتصار الذي حققته المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله والقوى الوطنية واندحار جيش الاحتلال الصهيوني ذليلا من لبنان يستوجب حراكاً سياسياً شعبياً ، وذلك لحماية إنجازات المقاومة ، وللاستجابة فعلياً للمتغيرات الإقليمية الحاسمة التي تشهدها منطقتنا العربية، كما يستوجب دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال ومشاريعه التي تستهدف الحجر والبشر والشجر بكل الوسائل ، ولا بد ان يتمخض عن هذا الحراك العمل الشعبي من كافة القوى الحية واحزابها وهيئاتها مواكبة التطورات الخطيرة التي تستهدف القضية الفلسطينية .
ونحن في شهر ايار شهر النكبة والانتصار والذي يحمل في ثناياه بصمات واضحة وعميقة على مسيرة الكفاح والمقاومة ، حيث حفر شهداء المقاومة وشهداء عملية القدس البحرية لابطال جبهة التحرير الفلسطينية تاريخهم وسجلهم في عمق ذاكرة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني باعتبارهم الرموز والعناوين الخالدين في سفر النضال ،شهداء تركوا بصماتهم واضحة وعميقة على مسيرة الكفاح والنضال ،وكتبوا بأحرف من نار ودم أرواحهم على مذبح الحرية، بلا تردد او خوف او رهبة من الموت،وما زال شعبنا وثورتنا وفصائلنا تسيرعلى نهجهم ودربهم وثقافتهم.
من هذا المنطلق نؤكد بان التلاحم الفلسطيني اللبناني العربي شكل عنوان الصمود والعطاء والتضحية، إبان الغزو الصهيوني للبنان عام 1982،حيث كان صموداً غير مسبوق من قبل المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية لمدة 88 يوما في وجه أعتى آلة حرب عسكرية في الشرق الأوسط،بدون حاضنة ودعم عربي،بل لا نبالغ اذا ما قلنا خذلان وتآمر عربي على الثورة الفلسطينية، حيث أضاف العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان صورة جديدة من صور جرائمه البشعة حاول فيها النيل من صمود شعبه المقاوم، وما الاستهداف الصهيوني للمدنيين والبنية التحتية في لبنان وفلسطين سوى نموذج لسياسة المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي انتهجها العدو الصهيوني خلال تاريخه الدموي الطويل..
لقد فتح حزب الله والمقاومة الوطنية والاسلامية بانتصارها نافذة أمل ونور في لحظة ليل حالك، فأعاد ضخ الدماء إلى العروق، كما رفعوا رأس الأمة العربية والإسلامية عالياً، وستبقى هذه التجربة القاسية والمؤلمة التي خاضتها المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية مصدر فخر واعتزاز لنا وللأجيال من بعدنا..
إن اندحار العدو من لبنان على الرغم من عدم التكافؤ يعزز مبدأ أن الحل الأوحد هو المقاومة بكافة اشكالها، من يعتمد ثقافة المقاومة يصبح حراً ومحرراً من القيود التي تفرض عليه، فقطار المقاومة هو الطريق إلى المزيد من الانتصارات .
وختاما : ان الاحتفال بعيد المقاومة والتحرير اعطى دروس وعبر وما النصر الكبير والعظيم،للحركة الاسيرة في معتقلات الاحتلال الصهيوني هو ما نحتاجه حتى يكتمل النصر الأكبر بتحرير الارض والانسان وبتحرير كل أسرانا من سجون الاحتلال، لان لهذا النصر،كان وراءه ابطال اسود خاضوا هذه الملحمة البطولية، وهذا يتطلب منا تصويب المسار، بانهاء الانقسام الداخلي وتطبيق اليات اتفاق المصالحة والعمل على ترتيب بيتنا الفلسطيني ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والمعنوي والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى نكون قوى موحدة نتمكن من خلال ذلك رسم استرايجية وطنية تستند الى كافة اشكال النضال حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني المشروعة في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
المجد للشهداء الذين أعطونا شرف الحياة في أرض مطهّرة من الاحتلال الصهيوني.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت