( الحدود ، القدس ، اللاجئون ، المستوطنات ، المياه ، الأمن ، الأسرى الفلسطينيون ) ربما هذه تكون مجمل القضايا والعناوين التي دارت حولها مسيرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ ان بدأت حين وقع اتفاق اسلو وحتى آخرها .
(65 عاما) وفلسطين محتلة قضى منها الفلسطينيون قرابة العشرين عاما في مفاوضات تتوقف ثم يتم استئنافها، لم تفضي إلى الوصول لحل نهائي ودائم للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ، كثيرون هم من انتقدوا المفاوضات ، وكثيرون من خاضوا تجربتها، فقد تغيرت وجوه بالعالم العربي والدولي ، وبقي الاحتلال لأرض فلسطين على حاله وبقت المفاوضات تراوح مكانها .
من جديد حيث ألا يأس وألا حل بدأت السلطة الفلسطينية جولة مفاوضات مع إسرائيل وأعلن عنها رسميا نهاية شهر يوليو/ تموز من العام الجاري في واشنطن، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات ، وبعد مرور ما يقارب الشهرين على بدايتها وسط تكتم من الطرفين حول ما يدور بداخلها ..هل يمكن ان تفضي هذه المفاوضات لشيء جديد بالفعل هذه المرة ؟ وإن فشلت كيف سيكون مستقبل العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ؟، وما هي الخيارات التي يتم الحديث عنها ؟ وماذا تريد إسرائيل من ورائها وبماذا تفكر وأين قطاع غزة مما يجري ...
الكاتب الفلسطيني ومحرر الشؤون الاسرائيلية في جريدة" السفير" اللبنانية حلمي موسي ، يرى ان الحديث عن المفاوضات حديث "ذو شجون "، وعند الحديث عنها يجب النظر إلى موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية ، ويقول قبل الخوض بعمق في مستقبل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، ان" السلطة الفلسطينية وصلت إلى الحد الأقصى من التنازلات التي يمكن ان تقدمها من اجل نجاح أي مفاوضات ".
ويضيف موسي في حديث خاص مع "وكالة قدس نت للأنباء "، ان الخلاف الجوهري هو خلاف على الأرض ، أولا " يوجد حكومة يمينية بإسرائيل هي التي تحكم الآن وهي لا تؤمن في حل الدولتين ولا تقاسم الأرض وهذا هو الأساس ، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اضطر لإعلان تأييده لفكرة حل الدولتين في خطابه بجامعة بار ايلان في تل أبيب في شهر يونيو/حزيران عام 2009م ، وهذا الإعلان لا يتعدى كونه مراوغة ولا ينبع عن سياسة حقيقية ".
ويوضح "الخلاف القائم هو ان الأمريكان ارادوا مفاوضات على أساس حل دائم تتم خلال تسعة اشهر، وهذا يعتبر شيء مستحيل ، واستنادا الى ما سبق وما سيتم ذكره لاحقا قال موسى "انه بالمطلق لن تقود هذه المفاوضات إلى حل سياسي دائم " .
ويرى بان "هناك خيارين امام هذه المفاوضات، اما ان تفشل واما ان تصل إلى حل جزئي ، (الحل الجزئي) السلطة الفلسطينية تعلن رفضها له ، بسبب تجاربها السابقة بان الحل المؤقت يغدو دائما، وهذا ما حدث في اتفاق اسلو ".
ويستبعد موسى، موافقة السلطة الفلسطينية على الحل الجزئي ، أي إعلان دولة فلسطينية على حدود مؤقتة، لا تتضمن القدس ولا غور الأردن وشروط أخرى، قائلا " هذا عرض على السلطة الفلسطينية في السابق ورفضته "واستبعاد هذا الخيار يقودنا إلى احتمالات أخرى" .
ويضيف "اذا ما استبعدنا الحل الجزئي ، فإن الاحتمال الثاني بقاء الحال على ما هو عليه وإدارة السلطة الصراع على الصعيد الدولي بينما الواقع لا يتغير ، والاحتمال الآخر اضطرار السلطة إلى حل نفسها وهو أيضا احتمال ضعيف لكن يبقي وارد ، حيث سبق وان تحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن هذا الاحتمال ".
ما هو الهدف الإسرائيلي من وراء هذه المفاوضات، هنا يرى حلمي موسي الخبير في الشؤون الإسرائيلية، انه "لا يوجد هدف إسرائيلي بالمعني العمومي ، ولكن هناك أهداف إسرائيلية مرتبطة بالزمان والمكان ، حسب الحكومة الإسرائيلية التي تقود الحكم داخل إسرائيل".
ويوضح ان الحكومة الإسرائيلية الحالية يوجد بداخلها صراع رهيب جدا، حول ما تطلع إليه من تسوية ، ويستند موسى في حديثه، الى مطالبة (17) عضو كنيست من الليكود وإسرائيل بيتنا والبيت اليهودي (الأحزاب الأساسية التي تشكل الإتلاف الحكومي الحالي) نتنياهو قبل عدة ايام برفض أي محاولة لإحياء اتفاقيات اسلو، واى محاولة لحل الدولتين .
ويقول موسى ان" هذه الأحزاب تتحدث عن طروحات جديدة ومختلفة، وتتعلق اطروحاتها بخيار (الثلاثة دول لا تكون بينها الدولة الفلسطينية ).
ما هو طرح الثلاثة دول ؟ ، يوضح الكاتب الفلسطيني موسى بان ملخص هذا الطرح يقوم على مناطق حكم ذاتي في الضفة الغربية ذو صله بالأردن ، ومناطق حكم ذاتي بقطاع غزة ذو صلة مع مصر لكن دون اعتراف إسرائيلي في أي سيادة فلسطينية على الأرض باعتبار ان الأرض ارض دولة إسرائيل لكن في حكم الواقع يوجد عرب يعيشون عليها .
ويضيف "في هذا الطرح تكون الضفة الغربية وقطاع غزة سياسيا تابعتان لدولة إسرائيل ، وربما هذا الطرح يتطور وتكون الدولة الفلسطينية في قطاع غزة فقط ، حسب رؤية اليمين الإسرائيلي الذي يتبني هذا الطرح".
ويعتبر موسى ان "مثل هذا الطرح لا يمكن لأي طرف فلسطيني ان يتساوق معه، والسلطة الفلسطينية اهون عليها ان تحل نفسها من ان تقبل به، لأنه يعتبر نسف لفكرة النضال الفلسطيني بالكامل" .
ما هو الهدف الإسرائيلي من وراء مطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بيهودية الدولة ؟؟ يجيب الكاتب موسى ، ان "هذه الفكرة مصطنعة بالدرجة الأولى حتى تقطع إسرائيل الطريق على عرب 48 بالمطالبة في حكم ذاتي او القول ان إسرائيل دولة كل المواطنين ".
وبالعودة الى خيار حل السلطة الفلسطينية ومدى جديته بعد اعتراف الأمم المتحدة بالدولة فلسطينية عضو (مراقب)، يرى موسى ان "حل السلطة الفلسطينية ليس له علاقة باعتراف الأمم المتحدة في الدولة الفلسطينية ، فقد سبق وان أصدرت الأمم المتحدة قرارات تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني في حين لم يكن هناك سلطة فلسطينية" .
ويعتبر محرر الشؤون الإسرائيلية في جريدة "السفير" اللبنانية، ان" السلطة الفلسطينية تدرك أنها لن تصل لحل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية ، والذي تقوم به هو إدارة للصراع ، والمفاوضات الجارية أساسها عدم خسارة الموقف الأمريكي ، والإظهار ان لدى السلطة مرونة في قبول الشرعية الدولية".
ويتابع "السلطة الفلسطينية تعيش على دعم الدول المانحة ، وبالتالي لا تريد ان تظهر في المكان الرافض لكل شيء ، بنفس الوقت حددت الحد الذي يمكن ان تصل إليه في هذه المفاوضات وهو الحد الأقصى من التنازلات وجوهرها قبول دولة فلسطينية على حدود 67 مع تبادل طفيف بالأراضي وتكون دولة منزوعة السلاح ".
وشهدت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية منذ استئنافها في التاسع والعشرين والثلاثين من تموز/يوليو في واشنطن سبعة اجتماعات رغم ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يجتمعا منذ ذلك الحين، وفقا لما اكده وزير الخارجية الامريكي جون كيري.
وتسير المفاوضات حسب ما اكده كيري- امام مانحين يدعمون السلطة الفلسطينية في نيويورك بمسارين: مسار يضم المفاوضين الاسرائيليين تسيبي ليفني واسحق مولخو والمفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ومحمد شتية.. ومسار اخر بين عباس ونتنياهو وكيري والرئيس الامريكي باراك اوباما.
وكشف كيري في تصريح الاخير بهذا الشأن ان "الاسرائيليين والفلسطينيين إتفقا على تكثيف محادثاتهما للسلام وزيادة الدور الامريكي بدرجة ما لمحاولة المساعدة والتسهيل (..) وعندما نعتقد ان من المناسب وان هناك حاجة لتحريك العملية فاننا سنتشاور فيما بيننا ونعمل لدفع العملية قدما."
وقدمت تعليقات كيري لمحة نادرة عن المحادثات التي بدأت بمبادرة امريكية لكن واشنطن تحاول ابقاءها في طي الكتمان بحجة ان النقاش العام يجعل من الصعب بشكل اكبر الوصول الي اتفاق لانهاء الصراع المستمر منذ أكثر من ستة عقود.
اما بخصوص خطاب نتنياهو المنتظر في الأمم المتحدة الأسبوع القادم ، فتوقع الخبير موسى بان نتنياهو سوف يقول" ان الإسرائيليين تواقين إلى السلام، وان الأرض هي ارض إسرائيل وإنهم يقدمون تنازلات للفلسطينيين ، وسيظهر بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المزدهرة وسط دول تتفشى فيها الأزمات وتعيش وسط براكين ، وفي جوهر خطابه سوف يركز على الملف الإيراني و يحاول ان يقنع العالم بان الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني لا يختلف عن سابقه أحمد نجاد."
خلاصة القول في هذا المسار حسب موسى ان " السلطة الفلسطينية نشأت في المفاوضات ولا تستطيع ان تعيش بدون المفاوضات ، ويبقي خيار حل السلطة الفلسطينية وهو خيار مطروح رغم صعوبته بجانب الخيارات الأخرى السابقة وجميعها صعبة ، ونجاح المفاوضات شيء مستحيل لعدم وجود ميزان قوي فلسطيني وإسرائيلي ولا إقليمي ولا دولي ضاغط من اجل الوصول لحل حقيقي ، وعدم الوصول إلى حل لا يعني الوصول للانفجار".
حول علاقة قطاع غزة مع إسرائيل ومدى استمرار الهدنة التي وقعتها مؤخرا فصائل المقاومة بقطاع غزة برعاية مصرية ، قال موسى ان "من مصلحة إسرائيل ان تبقى الهدنة الموقعة مع حركة حماس متسمرة ، كما وان الأخيرة معنية في المحافظة على ترسيخ نفسها بقطاع غزة ، فالطرفان ليس معنيان في الصدام خلال الظرف الراهن ، لكن من الطبيعي ان الهدنة تتآكل مع الوقت ."
ويشير موسى إلى علاقة إيران بحركتي حماس والجهاد الإسلامي ، ويرى ان فلسطين شكلت دافع أساسي في السياسة الخارجية لإيران ، وعدم وجود طرف فلسطيني وازن مثل حركة حماس في علاقة متينة مع إيران يمثل خطر بالنسبة للجمهورية الإيرانية، قائلا " لا استعيد تجديد أواصل العلاقة ما بين حماس وإيران لأن إيران أثبتت انها حليف يرتكن عليه في لحظات صعبة خصوصا في رفع شأن المقاومة داخل قطاع غزة ".
وختم ان "إسرائيل تعتبر الخطر الاستراتيجي والحقيقي هي إيران وإن خوفها من سوريا هو خوف تكتيكي ، وهي ترى الآن سوريا تفتت".