عملية اكيلي لاورو والعمل الثوري المفقود

بقلم: عباس الجمعة


لا شك فيه نحن عندما نقف امام الذكرى الثامنة والعشرون لعملية اكيلي لاورو ، كل ابطالها من شهداء واحياء فهم يستحقون اوسمة الشرف والعزة ، نتذكر الرمز الشهيد القائد الامين العام ابو العباس الذي كان له الدور الرئيسي في صوغ الرؤية النضالية للجبهه وبرامجها وتوجهاتها الفكرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية، والذي لم يكن قائداً ورمزاً جبهاوياً فقط ،بل كان قائداً ورمزاً فلسطينياً وعربياً وأممياً بامتياز،وكان بمثابة البوصلة التي يسير بهديها كل المناضلين والثوريين، وكذلك رفاقه القادة الامناء العامين طلعت يعقوب وابو احمد حلب ، ورفاقهم القادة سعيد اليوسف وابو العمرين وابو بكر وابو العز ومروان باكير وجهاد حمو وكل القادة العسكريين وابطال العمليات في الجبهة ،هذا الرفيق الذي كان قائداً جماهيراً بجدارة واستحقاق ، هذا القائد قاد مدرسة الجبهة واعتقل واستشهد في سجون الاحتلال الامريكي الصهيوني في العراق، دفع حياته من اجل فلسطين كان متسلحاً بنفس قناعاته وأرائه ،وشكلت عملية اكيلي لاورو البوصلة الاعلامية التي لاحقت الشهيد القائد تحت عناوين مختلفة .


ان عملية اشدود او اكيلي لاورو كانت من احد اهم العمليات البطولية العابرة للقارات التي اشرف عليها الشهيد القائد الامين العام ابو العباس، هذه العملية التي ورد بحق ابطالها لغط كبير ، وكانت بوصلتها فلسطين ، حيث كتب ابطالها نماذج الفداء التي لا يماري فيها احد ولا يشك فيها عاقل، والتي قيل الكثير عنها بوسائل الإعلام وحاول العالم وصمها بالإرهاب وتم عمل أفلام ومسلسلات في واقعها خطت الكتب والمذكرات التي تستعرض تفاصيلها وتحدث عنها الكثيرون ولكنها ستظل علامة فارقه في نضال شعبنا الفلسطيني وستظل هذه العملية وأبطالها الذين استشهدوا و مازال منهم على قيد الحياة أبطال للشعب الفلسطيني ، وان سفينة اكيلي لاورو كانت وسيلة للوصول الى ميناء اشدود ، وكان هدف العملية واضح هو الرد على مجزرة حمام الشط في تونس الذي ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء الفلسطينيون والتونسيون حيث مقر منظمة التحرير الفلسطينية بهدف اغتيال رمز فلسطين الشهيد القائد الرئيس ياسر عرفات، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان صيف عام 1982، والعمل من اجل اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين ، وإثبتت العملية بانه يمكن للثورة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها رغم كل الإجراءات الامنيه المتخذة واجتياز كل العوائق ، وأبراز قضية شعبنا في المحافل الدولية.


العملية لم تكن هدفها خطف مواطنين ، ولكن ما جرى على متنها هو اكتشاف ابطال المجموعة ، مما استدعى من قبل المجموعة قرار تحويل وجهتها الى مكان اخر حفاظا على دماء الابرياء ، وامام هذه العملية استغلت اسرائيل عبر وسائل الدعاية الصهيونية العملية واتهام الشهيد القائد ابو العباس بخطف السفينة الذي كان على متنها اربعمائة مواطن من جنسيات مختلفة ، حيث ان الشهيد ابو العباس لم يكن يعلم بما حصل من تطور على متن السفينة، مما جعله يتدخل من اجل ارجاع السفينة وانقاذ حياة المواطنيين الذين كانوا على متنها ، ولكن الغطرسة الامريكية قامت باختطاف الطائرة المصرية التي كان على متنها هو وابطال المجموعة ، وبعد هبوط الطائرة في احدى قواعد الناتو في جزيره صقليه في ايطاليا ، منعت القوات الايطالية اي جهة من الاقتراب من المجموعة وعملت على اطلاق سراح الشهيد القائد ابو العباس واحتجزت افراد المجموعة ، وأصبحت هذه العملية هاجس عند الاحتلال ، واثبتت العملية القدرة العالية للمناضلين بالتضحية والاستشهاد من اجل قضيه عادله هي قضية فلسطين التي استشهد من اجلها عشرات الآلاف.


كل هذه الانتصارات التي حققتها القضية الفلسطينية كانت بفضل عمليات مناضلي وفدائيي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية جميعاً وعلى رأسهم الشهيد القائد ابو العباس الذي استطاع ان يجمع بحنكته القيادية النضالية كل مناضلي واحرار العالم حول العمل النضالي والاستشهاد في سبيل القضية الفلسطينية من سوريا ولبنان والعراق والجزائر والمغرب وليبيا وتونس والكويت والاردن وباكستان وامريكا اللاتينية، أولئك الأبطال الميامين الذين سطروا أروع الملاحم البطولية التي هزت الكيان الصهيوني اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا إيماناً من هؤلاء المناضلين الأبطال بصحة وصواب وعدالة النهج الثوري والأهداف والمبادئ التي تناضل من اجلها جبهة التحرير الفلسطينية وعدالة القضية الفلسطينية.
من لم يعرف الشهيد القائد الكبير محمد عباس" ابو العباس ، لا يعرف جبهة التحرير الفلسطينية ، فهو علم من أعلامها ورمزٌ من رموزها ، وأحد بناتها الأساسيين وكان على الدوام عمادا أساسيا من أعمدتها الراسخة ، فكان في حياته قائدا فذا ، ومناضلا شرسا ، وأسيرا شامخا ، ونموذجا رائعا ، وفي استشهاده شهيدا خالدا و قنديلا لن ينطفئ نوره ، نعم هذا هو امين عام جبهة التحرير الفلسطينية فارس فلسطين لمن لا يعرفه ، بل يعجز القلم عن وصف خصاله وتجف الكلمات حينما تسرد سيرته ، وتنحني القامات تقديراً حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه.
وامام كل ذلك اتت العملية في ذكرى انتصار السادس من أكتوبر عام 1973 التي كانت أقوى تعبير عن الحقيقة التي تقول، "ما ضاع حق وراءه مطالب" حيث شكلت حرب تشرين بابطالها من الجيشين العربين المصري والسوري علامة بالوفاء والتضحية والتكاتف العربي في أزهى صورة معمدة بالدم والعرق والتضحيات واستخدام كل الأسلحة وفي مقدمتها سلاح النفط، فاكدت عملية اكيلي لاورو في العام 1985 استكمال المعركة من خلال وصول المقاتل الفلسطيني الى ارضه لا يمكن ان يكن ببعد المسافة، وأن التفاوض والحصول على الإنجازات السياسية لا يمكن أن يجدي إلا إذا ساندته ذات الروح والعزيمة للمقاومة المسلحة .


وفي ظل هذا الوقائع لن ننسى انتصار المقاومة في لبنان الذي هو انتصار للمقاومة في فلسطين ، وانتصار للمواجهة والتصدي للمشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة، هذا الانتصار الذي يصبّ ضمن تيار التوجهات الاستراتيجية التي ناضلت كافة القوى الحية، من اجل ترسيخها. فالحقوق ننتزع ولا تعطى مجانا والسلام العادل لا يصنعه إلا الاقوياء. فقد كشفت المفاوضات زيف ادعاء خطاب السلام المخادع، كما أظهرت، وبوضوح مرة أخرى، الأطماع الامبريالية والصهيونية في محاولة لحذف كل أبجديات فلسطين.


نعم علينا ان نأخذ من التجربة النضالية للمقاومة آفاقا جديدة على المستقبل. ولكن لن تكون تلك نهاية الأمور. وأقول إنه في المرحلة القادمة ستكون أصعب لاننا امام مواجهة سيناريو آخر وحلقة جديدة من المخطط الصهيوني الأميركي، وعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحيكها الإدارة الأميركية في ما اصطلح على تسميته ب"الشرق الاوسط الجديد" القائم على الحروب الطائفية وتفتيت المنطقة، إلا أن الوعي القومي العربي أصبح الحصانة الأولى للتصدّي لهذه المشاريع الاستعمارية الجديدة التي تقودها الادارة الامريكية.


لقد ظنت إسرائيل أن توقيع معاهدات سلام منفردة مع العرب يعني انتهاء القضية الفلسطينية إلى النقطة التي خططت لها تل أبيب وشرعت مختلف العواصم الأوروبية والأميركية في تنفيذها بالوكالة، ولكن الانتفاضات المتوالية والفشل في تركيع الشعب الفلسطيني رغم حمامات الدم والمذابح التي ارتكبتها حكومة الاحتلال أثبتت العكس وها هو شاهد جديد على الصمود يتمثل في المقاومة العنيدة لمشروع تهويد القدس والضغط لإخراج أهلها منها لتصبح عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل حسب زعمهم ، وما يجري من مواجهات من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى، ستؤدي حتما بانتفاضة حيث يقاوم الشعب الفلسطيني بلحمه ودمه المنغرس في أرضه المسعى الصهيوني لشطب القدس وتفكيك القضية الفلسطينية بهدف تحول كل جزء منها الى قضية منفردة .


ان عملية اكيلي لاورو والعمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية لم تكن لولا احتلال فلسطين من قبل كيان استيطاني عنصري صهيوني هجر الشعب الفلسطيني وما زال يستهدف الشجر والحجر والبشر وتهويد القدس ومصادرة الاراضي وبناء دولة المستوطنات داخل الضفة الفلسطينية ، وقد اثبتت الاحداث ان الصراع مع الاحتلال لم يتغير رغم مرور عشرون عاما على المفاوضات العقيمة التي لم تجلب سوى مزيدا من الكوارث من قبل الاحتلال , وخاصة ان طبيعة الصراع في فلسطين انما هو صراع وجود وليس صراع حدود مع الاحتلال الصهيوني .


لذلك نرى من الضرورة العمل السريع من اجل توحيد الصف الفلسطيني وذلك بانهاء الانقسام السياسي والجغرافي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني. ورسم استراتيجية وطنية تستند لكل اشكال النضال بما فيها إضافة إلى الاستمرار بالذهاب إلى المؤسسات الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، لافتا إلى أن هذه التوجهات قد تشكل طريقا نحو عزل إسرائيل دوليا.


واليوم نرى أن وحدة الشعب والأرض والمؤسسات تصون حق الشعب الفلسطيني في النضال بكافة اشكاله من أجل دحر الاحتلال والاستيطان وتحرير الأسرى واقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة وتقرير المصير، في مرحلة تتسم بطابعها التحرري الوطني تحت رايات منظمة التحرير التي تضم الجميع الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده.


ومن هنا تحتل مكانة شهر اكتوبر سمة خاصة في تاريخ شعبنا العربي والفلسطيني و تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية ، فكانت انتصارات مجيدة سطرها الجيش العربي السوري والمصري بأسمى آيات البطولة والفداء في أكتوبر عام 1973 ، بغض النظر عن اخفاق وصول عملية اشدود الى سواحل فلسطين عام 1985 ، ولكن ابطالها قالوا للعالم و لقادة العدو الصهيوني نحن سنبذل الغالي والرخيص من اجل الرد على مجازركم ، ونحن على استعداد للتضحية في سبيل حرية فلسطين واسراها ، ونحن من يحدد الزمان و المكان المناسبين متى أردنا ،واليوم الشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه ومناضليه يرى ان الابعاد السياسية الراهنة التي تقوم بها القيادة الفلسطينية تتطلب ارادة فولاذية ورؤية ثاقبة والتفاف جماهيري .
ان مناضلي الشعب الفلسطيني الذين ترعرعوا على ارض فلسطين وفي اماكن اللجوء والشتات تمسكوا بكافة اشكال النضال، الذي يشهد لها التاريخ من أجل التحرير واستعادة الحقوق ، حيث اثبت هؤلاء الشباب اليوم انهم يقاتلون الاحتلال بحجارة من سجيل في نعلين وبلعين والمعصرة ودبوس والقدس، حتى أبهروا العالم بأسره لما فاقت الإنسانية من سباتها ورأت بالعين المجردة كيف يهزموا الاحتلال المدجج بالأسلحة ، كما فعل شباب و اطفال عزل في انتفاضة عام 1987 وانتفاضة الاقصى بشجاعة أسطورية لم تسجل مثيلها كل انتفاضات التاريخ.


ختاما : إنها ذكراة العمل الثوري الذي نفتقده اليوم، دون مهرجان وداعي ، إنها النضالات والمساعي والإخفاقات والنجاحات والآمال والإحباطات والقفزات والارتدادات ، شجرة الحياة الواقفة كما عنب الخليل، وسنديان صفد، وزيتون نابلس، ونخيل بئر السبع، لشعب عنيد (شعب الجبارين) ربما بدءاً من ثورة البراق، وليس انتهاء بانتفاضة الاقصى ، إنه الشعب الذي صمم رغم المستحيل على بلوغ الهدف الغالي، انتزاع الهوية واسترداد التاريخ والكرامة ، حيث نتحدث عن النضال الحقيقي عن صورة الكفاح الفلسطيني التي كان لجبهة التحرير الفلسطينية الدور البارز فيه، فيها مسيرة نضال وإيمان لا زال الشعب الفلسطيني تواق لها ما اجل رسم تاريخ مشرق على طريق قادة ومناضلين تعملقوا نجوما في سماء فلسطين ، لم يعشقوا سوى فلسطين الوطن والانتماء، ترفعوا عن ثقافة التعصب والحقد، وزرعوا أشجار الوطنية لتنبت في صحاري قاحلة قوافل الشهداء.
كاتب سياسي