حينما تسمع عن بضائع او عقارات او اجهزة او مستلزمات شخصية للبيع فهذا شيء طبيعي ، فلكل انسان منا احتياجاته الخاصة التي يرغب باقتنائها في أي وقت فيشتريها من أي مكان يعجبه.ولكن لا تستغرب اذا سمعت يوما عن اب يعرض ابنته للبيع، وتتسرع في إلقاء الشتائم واللوم على الاب بعد هذا العرض ، لأنه لا يمكن لإنسان ان يستغنى ويبيع طفل من اطفاله وجزء من جسده من اجل المال.
الحاجة هي التي اجبرت هاني الحديدي (33 عاما ) من سكان حي الشجاعية شرق غزة ان يعرض طفلته نهلة ( 6 سنوات) للبيع من اجل الحفاظ على باقي اسرته واطفاله وتلبيه احتياجاتهم ومحاولة تحسين حياة اطفاله البقية .
هاني الحديدي الذى كان يعمل في مجال البناء والطوبار قبل فترة طويلة يقول " عملت طوال حياتي في مجال البناء ، ولكن الظروف الان صعبة ولا توجد فرصة عمل لي لأسد حاجات ورمق أطفالي الخمسة، واسكن في بيت استئجار واتعرض للملاحقة والمطالبة من مالك المنزل شهريا لعدم قدرتي على الالتزام بدفع اجرة المنزل "500 " شيكل ، اضافة لفواتير الكهرباء والمياه الشهرية ".
وتابع " لدى اربع بنات وولد ، وابنتي الصغرى تحتاج لعملية في عينها في الشهرين المقبلين ، وابنتي الثانية المولودة قبل خمسة اشهر تحتاج لعملية ايضا في اذنها ، وابنتي الثالثة تحتاج عملية في اسفل قدمها ولا اتمكن حاليا من أي اجراء او دفع أي رسوم او اجراء أي عملية نظرا لعدم امتلاكي لأى شيكل في جيبي ".
وأضاف " قررت ان ابيع ابنتي الغالية على قلبي نهلة والتي اعتبرها منارة قلبي هي واخوتها ايضا ، بمقابل مادى على ان يكون المبلغ كفيلا ان ينقل حياتي انا وأبنائي نقلة نوعية في تحسين ظروف حياتنا وتلبية احتياجاتهم ، ورسم البسمة على شفاههم على ان استمر في الاطمئنان على ابنتي بشكل مستمر".
وحاول الحديدي تحسين ظروف حياته وسعى لدى الكثير من المؤسسات الخيرية لمساعدته وصرف مساعدة له ، الا انها لم تعطيه جوابا شافيا يخفف عنه معاناته ، وكانت مراجعته لهذه المؤسسات عبارة عن ابرة بنج ، وما زال يسعى محاولا الحصول على مساعدات من المؤسسات المحلية في غزة ودون جدوى.
ويقول " ما حدا بيهون عليه يبيع ابنه وعرضه ولكن الظروف أجبرتني على ان اتخذ هذا الاجراء نتيجة قلة الحيلة وقلة المال ،واول ما افكر فيه حينما ابيع ابنتي ان اعالج ابنتي الصغيرة وابنتي الثانية واشترى لابنتي الثالثة اصبع برهم لعلاج اذنها ، وذلك بعد مرور عدة اشهر وعدم مقدرتي على شراءه منذ مراجعة الدكتور".
وبدلا من ان يعيش هاني وعائلته اجواء عيد الاضحى المبارك بفرحة بين اهله واقاربه ، ويشترى لأطفاله الحلوى والعاب العيد فهو يعرض اليوم طفلته للبيع في يوم العيد ، نظرا لاشتداد الضائقة المالية عليه وعلى اسرته ، ولم يدخل بيته أي زائر لا من اقاربه ولا جيرانه ولم يرسل له احد هدايا العيد من لحوم الأضاحي له.
ويقطن هاني وعائلته في منزل شبيه بـ " خم دجاج " حيث يدخل هاني لبيته من ممر طويل يوصله للمنزل المكون من غرفة واحدة ومطبخ وحمام وصالون داخلي بنفس مساحة مدخل البيت، ولا يوجد داخل مطبخه سوى القليل من معدات اعداد الشاي وبعض الاوعية لإعداد الطعام ، ومنذ عدة شهر لم يتمكن هاني من شراء غاز وتقوم زوجته بعمل الشاي واعداد الطعام على الحطب بعد اشعاله داخل صالون المنزل.
ويقوم هاني بتخزين ملابس اطفاله داخل مجموعة من الحاويات الكرتونية ويصفطها فى شكل منتظم داخل غرفته ،نظرا لعدم وجود خزانة خاصة بأطفاله الخمسة كما ان غرفة نومه لا يتواجد بها سوى خزانة آيلة للسقوط، ولا يتواجد داخل منزله الصغير أي اجهزة كهربائية ، سوى ثلاجة متهالكة لا تحتوى بداخلها سوى العديد من زجاجات المياه ، والقليل من البندورة والخيار والكثير من الفراغ.
وبدموع الحزن والحسرة تقول زوجته " اقسم بالله أطفالي يشتهون اللحمة ويطلبون منا اللحمة باستمرار ولم نتمكن من توفيرها ، وانتظر على احر من الجمر الاحتفال بمناسبات سعيدة في المنطقة لأرسل أطفالي من اجل الحصول على القليل من اللحمة في نهاية غذاء المناسبات".
وتضيف " في الفترات التي لا يوجد بها مناسبات ارسل أطفالي للجزار لجمع ما تبقى من اللحوم والعظام في نهاية عمل الجزار في محله ، واضعه لأطفالي مع الطبيخ ليكون طبيخنا بنكهة اللحوم".
وبألم شديد تضيف " اقسم بالله العظيم لنا عدة اشهر نفطر على القليل من الخبز والملح ، فهل في قطاع غزة احد مثلنا يفطر اطفاله على الملح؟"..
وتتمنى الزوجة المكلومة ان يستمر الجو على هذا الحال لأنه في حال سقوط امطار فذلك يعنى هروبهم من المنزل نظرا لان اسطح الغرف من الواح الحديد " الزينقو " بالإضافة لأنه لا توجد الواح كاملة لحماية الغرف والاطفال ، وفى حال سقوط الامطار سيغرق المنزل بالمياه ويتجدد تشريد الاسرة بالكامل.
وبنظرات الطفولة البريئة تنظر نهلة الى اخواتها ووالدها حينما يتحدث بحسرة وبدموع الالم في عينيه ، ولا تدرى ما يدور حولها وحينما سألناها عن ما تتمناه قالت نهلة " اتمنى ان اشترى العاب العيد مثل جيراننا وان ألعب في الملاهي مع أخواتي ، ونشترى الحلويات".
حال مرير وواقع صعب يختزله هاني واسرته املا في مستقبل افضل يغير حياته ولو على حساب فقدانه احد اطفاله ليكون سبيلا في سعادة بقية اشقاءه الصغار والتخفيف عن الاسرة.
وناشد هاني الحكومات واهل الخير في مساعدته وتوفير حياة افضل لأطفاله كونهم في مقتبل الحياة ومساعدته على توفير مسكن امن لأسرته.
تقرير/اسامة الكحلوت
غزة/ جوال
0592203040