هل أحرجت المقاومة الشعبية الاحتلال؟ وهل جلبت التعاطف الدولي؟

1- أود في البداية أن أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير لمؤسسة القدس الدولية في فلسطين والهيئة الشعبية للدفاع عن القدس والأقصى، على إقامة هذه الندوة بمناسبة تاريخية مجيدة، تحرير القدس على يد صلاح الدين، وفي سياق نشاطات متواصلة حول القدس.

وبدايةً لا تناقض بين وسائل المقاومة المتعددة. فالتحركات الشعبية السلمية تتكامل مع المقاومة الشعبية المناهضة للاحتلال. التي تعتبر رافداً من روافد المقاومة الشعبية لا بديلاً عنها. فجميع أشكال المقاومة ضد الاحتلال حقوق مشروعة لشعبنا، وإن فرضت المصلحة الوطنية اعتماد شكل معين منها.

إن المقاومة الشعبية هي العنصر الأول في الإستراتيجية الجديدة التي تجمع بين المقاومة والعمل السياسي وتمتاز بقدرتها على إعادة الجماهير العريضة لساحات القتال. وهي جزء رئيسي من خطة متكاملة لمجابهة الاحتلال والاستيطان والتهويد. وهو ما يتطلب الزج بكل القوى والإمكانيات والكفاءات في الشارع الفلسطيني في معركة الاستقلال والخلاص من الاحتلال والاستيطان، ونقل الحركة الشعبية من موقع الانتظار لنتائج العملية التفاوضية، إلى موقع الفعل والتأثير، وإعادة صياغة موازين القوى المختلة لصالح الاحتلال الإسرائيلي.

إن التصدي للعدوان الإسرائيلي الخطير على عروبة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية يعتبر من أكثر المحاور التهاباً في التناقض المحتدم مع الاحتلال إلى جانب مقاومة الاستيطان والعدوان والحصار... الخ. وهذا المحور يشكل أحد الروافع الأكثر فعالية لتصعيد المقاومة الشعبية وصولاً للانتفاضة الثالثة إذا توفرت متطلباتها بإنهاء الانقسام وتوفير مقومات الصمود.

إن سلطات الاحتلال تسابق الزمن باستخدام أخطر وأبشع الوسائل في حربها لتهويد القدس الشرقية وتكريسها عاصمة لدولة الاحتلال خلافاً لـ 15 قراراً صادراً عن مجلس الأمن. ولذلك تعمل على تغيير معالم المدينة المقدسة من خلال شن هجمة استيطانية غير مسبوقة وإحاطة القدس بجدار الفصل العنصري وبطوق من المستوطنات، إلى جانب هدم البيوت ومصادرتها وتدنيس المسجد الأقصى المبارك وتهديد بنيانه بالحفر تحته، ومحاولة اقتسامه زمنياً ومكانياً. كما تمارس التطهير العرقي من خلال تهجير المواطنين الفلسطينيين من القدس باستنزاف المقدسيين بالضرائب الباهظة وبإجراءات عقابية متنوعة. والعمل على إفقار المدينة المقدسة وتدمير بنيتها التحتية، ومنع المواطنين الفلسطينيين من دخولها، وسحب الهويات، بالإضافة إلى القوانين العنصرية وسوى ذلك من الإجراءات العدوانية.

2- إن المقاومة الشعبية المفتوحة على أوسع نطاق من شأنها أن تحدث سلسلة من التفعيلات الفلسطينية والإقليمية والدولية تتجاوز إحراج الاحتلال وجلب التعاطف الدولي إلى:

على الصعيد الفلسطيني:

العمل لتكريس مركزية القدس وأولويتها الوطنية كعاصمة أبدية لدولة فلسطين واعتبارها مفتاح السلام. والضغط للانسحاب الفوري للوفد الفلسطيني المفاوض من المفاوضات حتى لا تستغلها إسرائيل للتغطية على استيطانها وتهويدها وجرائمها الأخرى. والتمسك باشتراطات الإجماع الوطني للمفاوضات، بوقف الاستيطان وارتكازها لقرارات الشرعية الدولية وبحدود 67 وبرعاية الأمم المتحدة بديلاً للانفراد الأمريكي المنحاز لإسرائيل، وإطلاق سراح الأسرى.

إحداث تطوير في العلاقة بين الحركة الشعبية والمؤسسة الرسمية بحيث تصبح الحركة الشعبية شريكاً في القرار. ولعل الانتفاضة الوطنية الكبرى (1987- 1993) ونداءات قيادتها الموحدة التوجيهية، تشكل نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه الوضع.

الضغط على الأطراف المعنية لإنهاء انقساماتها السياسية وغير السياسية، لصالح وحدة داخلية تلتف حول المقاومة الشعبية، وتعزز صمودها وقدرتها على التواصل والاستمرار وفقاً للأهداف المرسومة. وإحداث إصلاح ديمقراطي شامل للمؤسسة الفلسطينية.

تعزيز الدور الطليعي الذي يقوم به أبناء شعبنا في مناطق الـ 48 وتدفقهم بالآلاف لنصرة الأقصى والمدينة المقدسة وإعمار مساجدها وإنعاش أسواقها.

على الصعيد الإقليمي – في العلاقة مع الاحتلال فإن تفعيلات المقاومة الشعبية:

إعادة صياغة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي من كونه «شريكاً في عملية السلام» العقيمة، إلى كونه قوة احتلال الأرض الفلسطينية، تنتهك القانون الدولي والشرعية الدولية.

تسليط الضوء على ممارسات الاحتلال القمعية ونزع القناع عن إسرائيل باعتبارها دولة عدوان وقتل وتدمير واحتلال استيطاني عنصري.

إحداث توازن نسبي في العلاقة مع الاحتلال، بحيث ترتفع ضريبة احتلاله للأرض والشعب، عبر تكبيده خسائر تنعكس على الوضع الإسرائيلي، من المؤسسة العسكرية وصولاً إلى الشرائح الاجتماعية المتضررة من بقاء الاحتلال في مواجهة مقاومة شعبية فلسطينية فاعلة. لقد أثبتت التجربة في الانتفاضة الأولى، أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كانت أول من اعترف باستحالة وجود حل عسكري للانتفاضة، وأن الحل سياسي. كما أكدت، أن الزج بالجيش الإسرائيلي في مواجهة المقاومة الشعبية، وما يوقعه ذلك من خسائر في صفوف الاحتلال، من شأنه أن يحدث تخلخلاً في الحالة الإسرائيلية الداخلية، لصالح الجهات الداعية إلى السلام، وفي صفوف أهالي الجنود وعائلاتهم.

على الصعيد الإقليمي – التأثير في الحالة العربية:

من شأن المقاومة الشعبية أن تعيد العلاقة مع الوضع العربي الرسمي، بحيث تستعيد القضية الفلسطينية تأثيرها في السياسة العربية. وأن تستنهض حالة شعبية عربية متضامنة وضاغطة على القرار العربي الرسمي، لصالح حقوق الشعب الفلسطيني.

على الصعيد الدولي:

إعادة تقديم القضية الفلسطينية، بما هي قضية شعب تحت الاحتلال، يكافح لأجل حقه في الاستقلال والعودة، وليست مجرد قضية تفاوضية رهينة تجميد الاستيطان أو استئنافه. وتقديم الحالة الإسرائيلية باعتبارها قوة احتلال وحالة استعمارية، وكشف زيف إدعاءاتها الديمقراطية، وحرصها المزعوم على السلام.

تحميل المجتمع الدولي مسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية عن حل القضية الفلسطينية. لقد أثبتت تجربة اقتحام الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحتلال مقعد دولة فلسطين رغم الاعتراض الأميركي المنفرد – عملياً – وإرسال بعثة تقصي حقائق من اليونسكو للقدس، أن المجتمع الدولي ينحاز للعدالة وللشرعية الدولية وحقوق شعب فلسطين المشروعة.

3- إن إنجاح المقاومة الشعبية، والتي تولد حولها إجماع وطني في وثيقة الوفاق الوطني (2006)، يفترض تحقيق سلسلة من الخطوات وتوفر عوامل الثبات والصمود من بينها تنظيم حملة مقاطعة منتجات المستوطنات، والمنتجات الإسرائيلية، ومقاطعة العمل في المشاريع الإسرائيلية، والمستوطنات مع توفير البدائل الكريمة للعمال الفلسطينيين. وفي السياق نفسه توفير شبكة أمان مالية عربية للمؤسسة الفلسطينية حتى لا تتأثر بردود الفعل الإسرائيلية أو الأميركية المالية.

كما أن مما يساعد على تصعيد المقاومة الشعبية في القدس، توحيد المرجعيات في مرجعية وطنية واحدة وتطوير إستراتيجية موحدة تدعم صمود المدينة وأبنائها. وتنظيم حملة وطنية عربية ودولية ضد سياسات التهويد والتطهير العرقي التي تشهدها المدينة بما فيها الذهاب لمجلس الأمن لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته. ودعوة الدول العربية والإسلامية لتنفيذ خطة متكاملة لإنقاذ القدس ودعم صمود أهلها مادياً وسياسياً.

إضافةً لذلك أن تصعيد المقاومة الشعبية يتطلب استنادها إلى إستراتيجية فلسطينية تنهي التأجيل والسياسات الانتظارية وتعمل على انضمام دولة فلسطين للعضوية العاملة للأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية وخاصةً محكمة العدل العليا ومحكمة الجنايات الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة ومجلس حقوق الإنسان، للعمل على نزع الشرعية عن إسرائيل الدولة المحتلة، ولوضعها أمام المساءلة والمحاكمة والمحاسبة على جرائمها كما قدمها تقرير غولدستون. وتطبيق فتوى محكمة لاهاي الدولية لإزالة جدار الفصل العنصري. وتأمين الحماية الدولية لشعبنا، وعدم الاعتراف بشرعية الاستيطان.

ويستدعي كذلك الاستجابة للضرورات الوطنية التي تتطلب وضع إستراتيجية دفاعية متوافق عليها لغزة في مواجهة الاعتداءات والتهديدات الإسرائيلية، وتوفير واستكمال مقوماتها بغرفة عمليات. وهذا يطور دور غزة في المعادلة الوطنية بالإستراتيجية الوطنية الجديدة، كما تشكل عاملاً ضاغطاً لإنهاء الانقسام ودافعاً لاستعادة الوحدة الوطنية.

كما يقتضي ابتداع أساليب وآليات جديدة في معارك الدفاع عن حق العودة طبقاً للقرار 194، والتصدي للمشاريع البديلة، والدفاع عن قضايا اللاجئين في البلاد المضيفة. إن حركة اللاجئين جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الشاملة لعموم الشعب الفلسطيني، وهي جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الفلسطينية البديلة.

وفي الختام ومن أجل المجابهة الناجعة لكل المخاطر والتحديات أدعو إلى حوار شامل في الإطار القيادي المؤقت لـ م. ت. ف. لإزالة العقبات التي تواجه المصالحة، وبحث القضايا السياسية على قاعدة القواسم المشتركة ووضع إستراتيجية موحدة للاستقلال والعودة وللدفاع عن عروبة القدس ومقدساتها، إستراتيجية تدمج بين المقاومة والعمل السياسي.

* عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

كلمة في مؤسسة القدس الدولية حول المقاومة الشعبية

10/10/2013