إن سياسة الإستيطان المحمومة، التي تنتهجها حكومة الكيان الصهيوني، وبطريقة استفزازية وإستعلائية، وكأنها تقرر مصير فلسطين، والمنطقة والعالم أجمع، دون إكتراث منها، لأبسط الحقوق لشعب فلسطين في وطنه، أو مراعاة لقواعد القانون الدولي، ولقرارات الأمم المتحدة، بإعتبار الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م ((هي أرض فلسطينية محتلة وليست محل نزاع))، كما تدعي حكومة الكيان الصهيوني، وبالتالي تواصل إختراقها للقانون الدولي والإنساني، الذي يحرم على دولة الاحتلال القيام بأي إجراء من شأنه تغيير طبيعة الأراضي المحتلة، كما يحرم عليها أن تنقل إليها سكانها المدنيين، للعيش في تلك الأراضي، إضافة إلى تحديها لمواقف حلفائها، من الغربيين أوروبيين، وأمريكان، في مواصلة سياسة الإستيطان المحمومة، والتي تنتقدها كافة دول العالم بما فيها الولايات المتحدة، وبالتالي يتمادى الكيان الصهيوني في غيه، ويواصل رصد الميزانيات الكبيرة لتنفيذ خططه الإستيطانية دون إكتراث، سواء في مدينة القدس الشريف، أو باقي مناطق الضفة الفلسطينية المحتلة، وإعلاناته المستمرة عن إنشاء آلاف الوحدات السكنية فيها، ومواصلة سياسة بناء الجدران العازلة، والتي توجها بالإعلان عن نيته مؤخراً بناء جدار عازل جديد في أغوار الأردن، ليؤكد عدم وجود أي مكان للأغوار الفلسطينية، في مفاوضات السلام المزعومة والتي ترعاها الولايات المتحدة.
إن حكومة الكيان الصهيوني، بهذه المواقف الإستيطانية تعلن نهاية ما عرف بمفاوضات السلام مع الفلسطينيين برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، إن ذلك يتوافق والرؤى الإستراتيجية لكيان الإغتصاب، الذي ينطلق من منطلقات عقائدية أيديولوجية، تقول ((أن لا صهيونية بدون إستيطان))، والإستيطان ((ضروري وحيوي لتبرير وجود جيشها في المناطق المحتلة)) ولتأكيد وجهة نظرها إزاء الأراضي المحتلة ((كأراضي متنازع عليها))، إذ بدون ذلك لا يبقى هناك مبرر لوجود جيش الاحتلال في الأراضي المحتلة، كما تسقط إدعاءاته باعتبارها ((أراضٍ متنازع)) عليها، وبالتالي تكون أراضي محتلة للغير لابد من إخلائها والإنسحاب منها ...الخ.
فإن هذه الإستراتيجيات الصهيونية، والسياسات الحكومية المعبرةِ عنها، تكون قد وضعت حداً للغة المفاوضات، وأَودت بما عرف بعملية السلام، التي مضى عليها أكثر من عشرين عاماً، لتعود بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالتالي بالمنطقة إلى المربع رقم واحد، وتنذر بإنطلاق موجة عنف قد لا تقتصر على الأراضي الفلسطينية لتشمل جغرافيا المنطقة، فالدول العربية مجتمعة وفرادى ترفض هذه السياسات، وتدينها وتشجبها، وتقف إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين، في البحث عن خيارات أخرى، تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، ولن يبقى الشعب الفلسطيني وقيادته، أسيرين لمنهج التفاوض الذي يفرضه الكيان الصهيوني وحلفائه، فإما أن يلتزم باعتبار الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م هي أراضي الدولة الفلسطينية والقدس العربية عاصمة هذه الدولة، وأن أية مفاوضات لابد أن تكون مرجعيتها هو ((التنفيذ الأمين للقرارات الأممية بهذا الشأن)) وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة ((حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1967م))، وإلا فلا داعي لإضاعة الوقت في مفاوضات عبثية، يأخذ منها الكيان الصهيوني غطاءاً فلسطينياً، وعربياً، ودولياً، لمواصلة سياسته الاستيطانية، المعطلة لأي حلم فلسطيني لتحقيق إقامة دولته وإقرار الأمن والسلم للشعب الفلسطيني ولشعوب المنطقة، وبالتالي لابد من تثمين المواقف العربية والصديقة المنددة بهذه السياسات الإستيطانية، وفي مقدمتها مواقف الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ومصر والأردن، وباقي الدول العربية، ومواقف الدول الإسلامية، ودول عدم الإنحياز، والإتحاد الروسي، والصين الشعبية، ودول أوروبا قاطبة، ومطلوب اليوم من الولايات المتحدة بصفتها الدولة الأولى والراعية الأساسية لعملية التفاوض، أن لا تغض الطرف عن هذه السياسات، وأن تمارس دورها بنوع من الحياد، يؤدي إلى إلزام الكيان الصهيوني للكف عن سياسة الإستيطان وإحترام مرجعية المفاوضات حتى تؤدي الهدف المنشود في إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقرار الأمن والسلم في المنطقة وعدم إنزلاقها إلى مخاطر قد تهدد الأمن والسلم الدولي برمته.