"المدخل إلى أدب مصطفى مرار" هو عنوان كتاب صادر عن قسم الثقافة العربية في وزارة العلوم والثقافة ، لمؤلفه طارق أبو حجله ، مفتش اللواء للمدارس العربية في لواء المركز . وهو غيض من فيض الرسائل وكلمات التكريم والتقريظ والإطراء والخواطر والهمسات الصادقة والمقالات والدراسات النقدية والتحليلية في أعمال الأديب والقاص اللامع مصطفى مرار ، الذي يعتبر وبحق من أعلام وطلائع القصة الفلسطينية المعاصرة .
جاء الكتاب في (570) صفحة من الحجم الكبير ، وأهداه مؤلفه إلى "روح والده ، وإلى أبناء وبنات جيله أحياءً وأمواتاً ، وإلى أولئك الذين عاشوا وعاصروا تلك الحقيقة التي صورها الكاتب مصطفى مرار في أدبه ، وإلى الجيل الذي عاش أحداث الوطن منذ بدايات العشرينات من القرن الماضي ".
يستهل أبو حجله كتابه بمقدمة يشير فيها بأنه لم يكتب في الأدب وإنما قارئ جيد ، يقرأ الأدب ويتذوقه ، ولربما كان إعجابه بشخصية وكتابات أستاذنا الأديب مصطفى مرار وقربه الروحي والمكاني من الأجواء التي يكتب عنها .. ومنها .. وفيها .. ولها ، هو ما دفعه إلى الوقوف عند بوابة هذا الفن الرفيع ، فن الأدب والكتابة . ثم يؤكد بان كل كلمة قرأها من إنتاج مصطفى مرار كانت زاداً أثرى ثقافة جيله وثقافتنا عامة ، ويرجو بأن يكون قد وفق في تقديم هذا العمل ، بل هذه الورشة التي تعرف القارئ العربي وتؤرخ لهذا الكنز الثقافي الأدبي الذي اسمه "مصطفى مرار" .
ما يميز هذا الكتاب هو ذلك الجهد التجميعي الدائب الذي بذله مؤلفه طارق أبو حجله ، فجاء الكتاب مدخلاً ومرجعاً هاماً نهتدي من خلاله إلى العديد من المقالات والدراسات المتناثرة في الصحف والمجلات والدوريات الأدبية المختلفة ، التي تتناول تجربة مصطفى مرار الإبداعية والتحولات التي طرأت على قصصه ضمن مساره الأدبي القصصي.
يقسم أبو حجلة كتابه إلى ستة أبواب ، الباب الأول : ويضم رسائل إلى الكاتب كان كتبها وأرسلها كتاب ومحاضرون ورؤساء ومؤسسات وطلاب ومديرو مدارس ومربون.
الباب الثاني : ويشتمل على مختارات من كلمات التكريم المنشورة في مجلات "الأسوار" و"الشرق" و"المواكب" التي كرمت الكاتب واحتفت بأدبه .
الباب الثالث : ويحوي حوارات أجريت مع مصطفى مرار وأدارها الأخوة "نبيل عوده ، غدير جرايسي، أمل حسين ، رياض بيدس ، سامر خير ، المرحوم محمد حمزة غنايم ، رافع يحيى، سهاد مصاروه ، إبراهيم موسى إبراهيم ، أمل قعيق" ، كما ويضم هذا الباب تأملات في أعمال مصطفى مرار الناجزة في مجال الأدب .
الباب الرابع ، ويشتمل على مقدمات لبعض مؤلفات مصطفى مرار .
الباب الخامس : يشمل خمسة فصول وتتضمن الأبحاث التي تناولت القصة والأقصوصة في أدب مصطفى مرار وما قيل يوم بلوغه السبعين من عمره .
الباب السادس والأخير: وهو عبارة عن مختارات من قصص مصطفى مرار .
يلاحظ قارئ الكتاب أن الذين كتبوا عن مصطفى مرار وأدبه يتفقون ويجمعون على بساطته وإنسانيته وغزارة إنتاجه ومستواه الرفيع ، وثورته عل مجتمعه التقليدي المتزمت ،علاوة على توزيع همومه على قضايا وطنية واجتماعية وسياسية وتربوية ، ومعالجة حياة المجتمع القروي الريفي بعمق كبير، وأسلوب قصصي رشيق ، وحبكة متينة ، وحيوية نابضة ، وطابع رومانسي متكامل .
ويرى الباحث والناقد الفلسطيني عبد الرحمن عباد أن مصطفى مرار ليس الاستثناء ، و لكن القاعدة وسيظل هكذا ، بينما يرى المرحوم سالم جبران أن مصطفى مرار لا يمارس الضجيج ولا يجب الضجيج ، ونادراً ما نسمعه يتكلم عن نفسه ، وهو يمتاز بميله الراسخ والمثابرة إلى البساطة ، ويجمع الكلمات بإناء وصبر وهدوء ، ويرسم من الكلمات البسيطة لوحة جميلة صادقة عن الحياة . في حين يؤكد الشاعر شفيق حبيب أن مصطفى مرار مؤسسة ثقافية عامة ، وفي إبداعاته تتمثل مسيرتنا الفلسطينية مع الأرض والإنسان بشمولية تثير الدهشة .
ويكتب الدكتور يحيى جبر رئيس قسم اللغة بجامعة النجاح الوطنية عن "مصطفى مرار وثورة الكلمة " مشيراً إلى أنه دقيق في لغته ، وعلى درجة عالية من الضبط والترقيم ، يعرف ما يريد ويعبر عنه بلفظ فصيح ، فتأتي عبارته على بساطتها بليغة ، ويسرد الأحداث في تلقائية رائعة . ويخلص إلى القول :" أن مصطفى مرار أسهم بحكاياته وكتاباته في المحافظة على الهوية الفلسطينية بأبعادها ومقوماتها المختلفة ، على الرغم من رياح الغزو العاتية ".
أما الشاعر والكاتب الفلسطيني محمد علوش فيلحظ بأن لمصطفى مرار خصوصية السردية والفلسفية ، وله أبجديته الخاصة في عملية البناء والتراكيب اللغوية ، وأنه يتقن اختزال النص ويعمل جاهداً للحفاظ على صدق فكرته وتطوير الحدث بأسلوبه البسيط المحبب والجذاب .
وهنالك كلمة تقريظ جميلة كتبها المربي والكاتب فتحي فوراني عن مصطفى مرار النبع الذي لا ينضب ، يوضح فيها أن أبا نزار من الذين نكبر فيهم تواضعهم وعطاءهم الغزير الذي لم ينقطع على مدى خمسين عاماً ، ولا يمكن أن نذكر القصة الفلسطينية وبداياتها دون أن نرى فيه واحداً من آبائها وواضعي اللبنة الأولى والشاهدين على ميلادها .
وفي الكتاب الكثير من الشهادات والآراء وكلمات الإطراء والتقريظ عن مصطفى مرار ، الإنسان والموقف والكاتب الأصيل، الذي علمنا دروساً في عشق الكلمة ، وغرس فينا القيم الحضارية والأخلاقية والجمالية والفرح الإنساني الكبير ، واترك هذه الشهادات للقراء كي يستمتعوا فيها .
صفوة القول ، هذا الكتاب يرسم شخصية مصطفى مرار التي أجمع حولها الدارسون ، ويشكل مدخلاً للولوج إلى عالمه القصصي وفضائه الأدبي الخصيب والغني ، وهو إضافة نقدية تثري أدبنا ، ويمكن اعتباره مرجعية أدبية لمن يريد أن يعرف شيئاً عن واحد من رموز ثقافتنا العربية في هذه الديار . وإننا إذ نقدر الجهد الذي بذله المؤلف طارق أبو حجله في تجميع المواد ، نتمنى له ولصديقنا الكاتب الرائع أبي نزار العمر المديد والعطاء الثر ، وإلى اللقاء في كتب أخرى ، وهي بلا شك قادمة.