يعمل في شرطة غزة، يعيل عائلته المكونة من خمسة افراد بالإضافة لوالديه وثلاثة اشقاء شباب عاطلون عن العمل، يبحث لهم عن عمل، يتقاضى راتب شهري 1900 شيكل، يدفع منه اجرة منزل 700 شيكل، منذ ثلاثة اشهر يتلقى كل شهر نصف راتب، مع بداية العام الدراسي لم تتمكن طفلتاه من الالتحاق بروضتهن، لأنه لم يستطع الايفاء بمصاريفه الشهرية.
هذا هو حال جزء كبير من الناس في قطاع غزة، وهو واحد من عشرات ألاف الموظفين في حكومة حماس الذي ترجع الازمة التي تعيشها الان وربما تؤدي الى انهيارها، الى عوامل داخلية وإقليمية ودولية سياسية واقتصادية واجتماعية. الاوضاع التي يمر بها قطاع غزة منذ سبعة أعوام صعبة جدا، ويعاني الحصار الخانق والظالم ومآسي الانقسام والمناكفات السياسية وتبعاتها، وحاولت الحكومة ان تضع حلول للمشكلات التي يعاني منها القطاع، لكن كل تلك الحلول هي عبارة عن مسكنات آنية، ولم تضع حلول جذرية، ولن تستطيع ان تضع لها حلول سواء كان ذلك بإنهاء الانقسام او باستمراره، إلا ان انهاء الانقسام ورفع الحصار سيخفف من تلك الاوضاع المأساوية.
حكومة حماس استغلت شخصية اسماعيل هنية الذي يمتلك سمات شخصية مرتبطة بالكاريزما التي يجبها الناس في القائد وفي تبنيه خطاب عاطفي، يعتمد على حق حماس القانوني في الحكم بعد فوزها في الانتخابات، و قوة المقاومة وقدرتها على مواجهة العدوان الاسرائيلي المستمر و الانجازات الاقتصادية المحدودة التي حققتها من خلال التبرعات التي تصل الحكومة.
وتدفق البضائع والسلع والوقود من الانفاق التي اغلقت منذ ستة اشهر، وأثرت بشكل كبير على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للناس والحكومة التي تراجعت مدخولاتها من الايرادات التي تجبيها من الناس والرسوم والضرائب على البضائع والوقود الذي يتم تهريبه عبر الانفاق.
الناس لم تقتنع بخطاب رئيس الحكومة اسماعيل هنية الذي طالب الناس بالاعتماد على الزعتر والزيت في مواجهة الحصار، ربما شد خطاب هنية جزء من الناس وأعضاء حركة حماس، لكن ذلك لم يدوم و فقد بريقه في ظل حال الانقسام الحاد والخطير، وسلوك وأداء الحكومة وعدم اعتمادها اسلوب التقشف وترشيد الاستهلاك وشاهد الناس السيارات الفارهة والحديثة التي يتنقل بها الوزراء و المسؤولين في الحكومة.
فالناس حرة و لها كبرياؤها و تقدس الوطن و تقبل الكلام الجميل عن الروح الوطنية وبث الشعارات الحماسية، وتحترم المقاومة وطهارتها وتقدسها، وتتحمل الصعاب ولديها قدرة على الصبر والصمود، إلا انها تعودت على العيش الكريم ولن يدوم صبرها اذا ما تم المس بكرامتها وعيشها الكريم.
الناس قد تقبل كل ذلك وهي بحاجة الى قيادة جذابة توحدها، لكنها ليست بحاجة إلى قيادة هي طرف رئيس من حال الانقسام وتمثل فئة من الناس وليس كل الناس، ولم تراعي حقوق الانسان والحريات العامة وحاولت وما زالت تفرض رؤيتها على المجتمع.
هذا جرى مع شخصية كإسماعيل هنية، فكيف سيكون الحال مع نائب رئيس الحكومة المهندس زياد الظاظا الذي تفضحه شفافيته المبالغ فيها، في زمن عير الزمن و أصبحت الناس مهجوسة بالمكاشفة والمصارحة، وتتابع كل شيئ، فغالبية منهم تؤثر وتتأثر و اصبح كل مواطن صحفي.
و أصبح همهم العيش الكريم، والبحث عن فرصة للعمل وليس الحرية، وكرامة غير مصانة، و تئن من الفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية في تدهور خطير، و طالت كل فئات المجتمع، وموظفي حكومته بالكاد يتلقون سلف شهرية متباعدة، وهو يبدي تفاؤل غير عادي ويتحدث عن انخفاض في نسب البطالة وانتعاش اقتصادي سيكون قريب، والتنمية تسير بخطى واثقة، وكأننا في دولة عظمى مشكلاتها صفر، و اننا لسنا محاصرون و نعيش تحت الاحتلال، فالتفاؤل حد المبالغة لا يطعم الجوعى والفقراء كسرة من الخبز الناشف.
في قطاع غزة نصف الناس يتلقون مساعدات إغاثية، وتصنيف افقر الفقراء اصبح سمه غالبة في القطاع، و 34 الف عائلة مصنفة من الفقراء و تتلقى مساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا"، ونصفها مهدد بالحرمان من الحصول على مساعدات، عدا عن الاخرين من سكان قطاع غزة من غير اللاجئين، ولا نعرف نسبتهم بالضبط، لكن نسب الفقر والبطالة العالية تقول عكس ما يظهره السيد نائب رئيس الوزراء.
قطاع غزة يعيش حال مأساوي وفيها كثر يعيشون الفقر تحت الصفر، ومهما حاول المسؤولين في حكومة حماس الحديث عن ان الحكومة ستجتاز الضائقة المالية وان الثقة يقينا بالله، وهذا لا شك فيه، والقول لان ثقة شعبنا والاعتماد على الموظفين الابطال الذي يتحملوا من اجل استمرار الحياة والعمل في البلد، فاجتياز الازمة ليس بتوجيه الخطاب للموظفين الذين يتلقون الرواتب منها و بالأداء الرائع واللحمة القوية للحكومة.
انما بالقدرة على توقير فرص عمل حقيقية وليست مؤقتة و لقمة العيش للناس وصون كرامتهم و تعزيز صمودهم وتثبيتهم وليس بالحديث المبالغ عن الانتعاش الاقتصادي، ففقر الناس يفضح صراحة الحكومة، وواقعهم الغامض، ومن غير الواضح ما الذي يخبئه لهم المستقبل، فقطاع غزة يعيش حال مأساوي، والناس تزداد فقراً.