الهروب إلى الانتحار

بقلم: مصطفى إبراهيم

هل نستيقظ قريباً على خبر مفاده أن الصواريخ انهمرت على اسرائيل؟ أم نستيقظ على خبر تفجير حافلة اسرائيلية في تل ابيب؟ وأن طائراتها تشن غارات انتقامية أكثر قسوة؟ وماذا لو اختارت اسرائيل اعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة؟ وفي هذه الحال هل تستطيع فصائل المقاومة الاستمرار في الحرب والتصدي لقسوة الاحتلال وجرائمه؟

ما يتردد بين الناس أن "حماس" تمر بأزمة ومن تبقى لها من حلفاء غير قادرين على اسنادها، ولم تعد طرف من أطراف جبهة الممانعة الغارقة في الدفاع عن ذاتها، وأنها أصبحت وحيدة وظهرها للحائط، وللخروج من أزمتها قد تقوم بخطوات للهرب الى الإمام بمناوشة اسرائيل.

ويتردد أيضا أن الناس يطالبون "حماس" والمقاومة بالرد على الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة وخرقها التهدئة التي لم تلتزم بها اسرائيل، وهناك عدد من المحللين يقولون إن اسرائيل غير راغبة في التصعيد، وهي تمارس عدوانها المستمر بالرد على الصواريخ التي تنطلق من غزة، ومع ذلك هي غير معنية بالحرب الآن، وأن جبهتها الداخلية غير جاهزة وفي الوقت نفسه تخشى من استمرار سقوط الصواريخ في قلب المدن.

ربما يكون هذا صحيح، لكن اسرائيل وحكومتها المتطرفة قد تُجن أو كما يقولون في اسرائيل "صاحب البيت جن"، كما أن الحروب تفرض نفسها أحياناً بفعل حادث صغير وغير محسوب وتتدهور الأمور في شكل مفاجئ.

أدرك أيضاً ما يقوله كثيرون من أن "حماس" أصبحت تتقن قواعد اللعب: متى تقوم بالتصعيد وتفادي لحظة الحسم، وأنها تقدر الظروف العربية السيئة، وأن الوضع لا يسمح لها بمواجهة إسرائيل، وأن الخسائر التي ستلحقها صواريخها بإسرائيل ستكون أقل من الخسائر التي يمكن أن تلحقها الطائرات الإسرائيلية بقواعد الصواريخ التي تشكل قوتها العسكرية الكبيرة و المواقع العسكرية الآخرى والمدنيين، وأنها لن تغامر بالحرب في ظل الأوضاع الانسانية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة والتغيرات التي تعصف بدولة الجوار مصر الراعي الحصري للتهدئة.

ويبقى السؤال المحير لي و لكثر من المهمومين بأوضاعنا المأساوية، هل "حماس" مستعدة لهدم المعبد والذهاب للحرب أو الهروب اليها اعتقادا منها أنها تخلط الأوراق مهما كانت الاثمان باهظة، وتحرج النظام الجديد في مصر، وكذلك الهروب من أزمات داخلية متفاقمة والغضب من استمرار العدوان الاسرائيلي من دون اطلاق ولو طلقة واحدة؟

أقول ذلك من خلال ما يجري من تراجع على جميع الصعد في قطاع غزة منذ سبعة أشهر وهدم جميع الانفاق وتجفيف شرايين كانت تنبض بالحياة، وغياب التواصل مع الحلفاء والعالم الخارجي، وأن "حماس" تعيش أزمة متصاعدة، وأن الحصار مستمر ويشتد وهناك تهديد بالأسوأ والمزيد من العقوبات، وأنها تعاني من عدم الايفاء بالتزاماتها للناس وموظفيها.

يجري ذلك في ضوء استمرار الانقسام، وانشغال السلطة والقيادة الفلسطينية بالمفاوضات وصمتها عن ما يتم تناقله من أخبار عن خطة كيري التصفوية لمشروعنا الوطني، وحال الصمت الرهيب التي وصلنا اليها من كل الفصائل الفلسطينية مؤيدة ومعارضة، ولا وجود لأي معارضة حقيقية لما يتم تداوله وتسريبه، وكأن ما يجري لا يتعلق بمصير شعب وقضيته.

إننا أمام معركة كبرى، وننتظر ما يجري من تطورات تمس قضيتنا وحقوقنا وكرامتنا الوطنية، وكل طرف يدافع عن ما تبقى له من وطن في تغييب واضح للمصلحة الوطنية، وغياب الشراكة، وما يتم طرحه من حلول وخطط يتجاوز موضوع مستقبل "حماس" في غزة أو "فتح" والسلطة في الضفة الغربية، إنه يمس المشروع الوطني الفلسطيني برمته، وفي حال عدم رفضه ومواجهته يعني سقوط المشروع الوطني.

في ظل كل ذلك لم يعد وقت للانتظار والهروب للانتحار باستدعاء عدو ينتظر منا البدء خدمة لأهدافه وتهشيم ما تبقى من المقاومة وتحطيم الناس المحطمين أصلاً، فالقادم قد يكون أسود، وإنقاذ الناس والوطن أهم من أي شيئ في الدنيا.